عندما أقول «رئيس مصر المقبل»، فهذا لا يعنى أنى أتحدث عن المرشح الرئاسى عبدالفتاح السيسى، وأكثر ما سيعانيه السيسى على الإطلاق خلال حملة ترشحه للرئاسة هو نفاق هؤلاء المتبرعين الذين احتلوا مقاعد الفرح بدون دعوة! ورغم أن السيسى حتى الآن لم يقل شيئاً عن أفكاره ورؤيته وبرنامجه لإدارة البلاد، فأن الجوقة قالت نيابة عنه كل شىء، وأتصور أن القائمين على حملة السيسى وخاصة السفير المحترم محمود كارم منسقها العام، يجب أن يفعلوا شيئاً ويتحركوا فوراً لتغيير الصورة الذهنية التى تتشكل حالياً لدى الرأى العام حول ما يسمى ب«شلة السيسى» التى تزعم أنها تملك توكيل الحديث عنه وتقديمه للشعب المصرى.. والحقيقة أن هذه «الشلة» الوهمية تلحق أبلغ الضرر بالسيسى نفسه وتعيد إلى الذاكرة الشعبية والسمعة السيئة للمرشح «بأمر الله» وهى الظاهرة التى نتصور جميعاً أنها سقطت بسقوط مبارك يوم 11 فبراير 2011. ولكن يبدو أن لجنة السياسات التى شكلها جمال مبارك واشتراها ومولها أحمد عز والتى كانت من أخطر أسباب سقوط النظام عندما خططت ولفقت وأهانت الشعب المصرى بأسوأ انتخابات فى تاريخه.. يبدو أن شبح هذه اللجنة يطل علينا هذه الأيام بصورة جديدة من خلال نفس الخبراء القدامى والمعلمين المهرة الذين «عاموا على وش الفتة» أيام مبارك، وقرروا أن يستمروا فى أداء نفس الأدوار مع السيسى! وأرجوك انظر حولك.. افتح التليفزيون أو الإذاعة أو الحنفية.. سوف تجد صفوت الشريف فى كل مكان.. سوف تجد رؤساء تحرير صحف قومية ارتدوا ملابس صحف خاصة، وفلاسفة قدامى بالحزب الوطنى ارتدوا ملابس أحزاب جديدة، وهم جميعاً يلعبون أدوارهم بمنتهى المهارة والبجاحة ويستطيعون إقناعك بأنهم وجوه جديدة تماماً.. ولدوا ثواراً.. ويرفعون شعار: لا عودة للوراء! إن أخطر ما يهدد صورة السيسى هى «لجنة السياسات» هذه التى نصبت نفسها راعياً حصرياً لكرسى الرئاسة، وللأسف فإن أعضاء هذه اللجنة منتشرون فى نفس مواقعهم القديمة ويمارسون مهامهم تلقائياً وحتى بدون تعليمات!، وكنت قبل أيام ضيفاً على أحد برامج التليفزيون المصرى وكان الحوار حول «ماذا يريد الشعب من الرئيس المقبل؟»، واكتشفت خلال الحوار أن الموضوع يدور حول «ماذا يريد الشعب من السيسى»، وسط الحوار أذاعوا كلمته كاملة ثم أتبعوها بفيلم تسجيلى عن مشواره انتهى بلافته ضخمة فى أحد الشوارع مكتوباً عليها «السيسى.. رئيساً»..!!، وقلت بعدها إن هذا سقوط مهنى فج يضر بالسيسى ويحيط انتخابات الرئاسة بالشبهات ويسىء لسمعة مصر، بل إنه سيكون من حق المرشحين الآخرين حمدين صباحى وغيره طلب المعاملة بالمثل والحصول على نفس المساحات على شاشة تليفزيون الدولة، وربما لم يفهم البعض حتى الآن أن «شعب اخترناك» تغير وأن حالة «تسلم الأيادى» لن تستمر مع بدء السباق الفعلى لأخطر انتخابات رئاسية فى مصر ستجرى تحت سمع وبصر ورقابة العالم كله. والمؤكد أنه منذ لحظة خلع السيسى بدلته العسكرية فهو قد تحول إلى مواطن مدنى ومرشح للرئاسة مثله مثل أى مواطن آخر يرشح نفسه، وهنا فإن رتبة المشير لا يجب أن ترتبط باسمه فى حملة الدعاية حتى لا تكون عنواناً لحكم ضابط سابق للبلد أو لخوض المؤسسة العسكرية معترك السياسة، ولا بد أن يشعر الشعب المصرى أنه سوف يشارك ويشهد لأول مرة فى تاريخه منافسة محترمة وشريفة وراقية تليق بأكبر منصب فى البلاد، ولا بد أن يضرب المتنافسون على الرئاسة المثل والقدوة فى احترام المرشح الآخر، وأن يصدروا تعليماتهم لرجالهم وأنصارهم بأن الضرب تحت الحزام والإساءة والتشويه للمنافس خط أحمر.. ومن حق مصر بعد سنوات الفساد وغسيل العقول والأموال وبعد سنوات تزييف الوعى والانتخابات أن تشهد انتخابات محترمة بعد ثورة طويلة وقاسية وبعد حرب عنيفة ومستمرة مع أعدائها، ومن حق هذا الشعب أن تطل عليه وجوه محترمة غير ملوثة وذات سمعة طيبة لتقدم لنا مرشحيها للرئاسة، وأتصور أن الإعلام الوطنى وتليفزيون الدولة تحديداً يجب أن يعيد النظر فى خطابه وأن يحذر السقوط فى مستنقع اللغة القديمة، وأظن أن أصحاب الفضائيات الخاصة لا بد أن يوقفوا اللعبة الخطرة، لعبة صناعة الزعامات الحنجورية، أمراء الطوائف السياسية الذين يقسمون بمنتهى الجهل الأمة المصرية إلى دويلات وشعوب، إما خونة متآمرين أو شاكرين مهللين وطنيين! نحن نحتاج إلى إعلام يخاطب المستقبل، يلم الشمل، يضمد جراح من صبروا ودفعوا ثمن انتظارهم الطويل للأمل! وأتمنى (وجايز باحلم) أن يجتمع المسئولون تحديداً عن حملتى السيسى وحمدين ليتفقوا على مدونة سلوك تحترم حق هذا الشعب فى انتخابات شريفة.. وأتمنى (وجايز باحلم) أن يجتمع المسئولون عن الخطاب الإعلامى الانتخابى فى تليفزيون الدولة مع القنوات الخاصة للاتفاق على مدونة إعلامية أخلاقية ومحايدة لا تفضحنا أمام العالم.. وقبل كل شىء، أتمنى على المسئولين فى حملة السيسى أن يعلنوا وفاة «لجنة السياسات الجديدة» التى تحمل المباخر فى كل مكان وأن يمنعوا زعامات الشاشات من الحديث باسم السيسى!.