كالمحاصَر، يسير المرء على طريق، يحده من الجهات الأربع صورة واحدة، لرجل قادته الظروف لينافس على لقب «شخصية العام فى مصر»، فعلى جانبى الطريق تتراص صوره، وفى الخلفية يتردد صدى صوته أو أصوات من قتلهم الحديث عنه، مسموعاً كان أو مقروءاً، وفى الأمام تتراءى صورته، تارة ببدلة المشير المنقذ، وأخرى جالساً على عرش مصر الأثير. لن يكون التحدى صعباً، إذا ما قرر القارئ أن يحصر عدد المرات التى يرى فيها المشير السيسى، أو يسمع فيها اسمه، بعد أن تحول الاسم إلى سلعة رائجة، يلوكها المحبون والمنافقون والراغبون والحالمون على السواء، بطريقة واحدة لا إبداع فيها، بحيث اختلط الحابل والنابل، وتحولت سيرة الرجل إلى هيستريا تلاحق المصريين فى صحوهم ومنامهم، ينتهى تفسيرها ب«حب أفضى إلى نفاق». «الوطن» هنا ترصد مجرد رصد هيستريا اسم «السيسى»، وتنتظر إجابات القراء على التحدى «كم مرة تقرأ اسمه وترى صورته يومياً؟». «رفدناك من منصبك لأنك وقفت احتراما لولدنا إبراهيم».. هكذا، بكلمات مقتضبة، ولهجة حاسمة، عاقب محمد على، والى مصر، أميرلاى البحرية وقتها، حين بعث بابنه كعسكرى بين القوات، فوقف له الأميرالى وقال له: «أهلا يا سمو الأمير»، نفاق لم يرض عنه الوالد الحازم، الذى أراد لابنه «إبراهيم» أن يكون قائدا عسكريا حقيقيا، لا يصعد على أكتاف زملائه، ولا يرتقى بالمجاملات والنفاق. الفارق الزمنى بين ما حدث مع إبراهيم وما يحدث الآن مع المشير السيسى، كبير، ولكنه ضئيل بين حالتى النفاق التى واجهها كلاهما، مئات اللافتات التى تحمل صورة السيسى، وإلى جوارها صور أشخاص يطمحون فى لعب دور ما خلال الفترة المقبلة. قصائد شعر جعلت النساء حبلى والرجال يحيضون، وتماثيل يفترض أنها تعبر عن حالة حب، لم تكن سوى نسخ رديئة، من تمثال مسروق لقائد أجنبى، جرى نسخه مشوها ليشبه المشير السيسى، حالة من النفاق الشديد التى أصبحت تصيب الكثيرين بالغثيان لفرطها، خاصة هؤلاء الذين يخشون من فرعون جديد، كلما رأوا واحدة من تلك المبالغات الفجة، ازدادوا خوفا وقلقا، ولسان حالهم يقول: «ها نحن نصنع الفرعون الجديد على أرض النفاق». «النفاق الآن، يصدر عن المجموعات السياسية التى تتقرب للمشير من أجل مصالحها، وسوف يسألونه بعد فترة عن ثمن هذا النفاق، هؤلاء إما رجال أعمال فاسدون يبحثون عن استمرار حماية أموالهم من خلال السلطة الجديدة، أو كتاب يبحثون عن أدوار فى المرحلة المقبلة، أو نخبة تسعى إلى الظهور» هكذا يلخص د. عمار على حسن، أستاذ علم الاجتماع السياسى الدوافع التى تقف وراء حالات النفاق. ويفرق «عمار» بين أصحاب المصالح، وبين البسطاء: «حب البسطاء للسيسى ليس نفاقاً، أولاد البلد يتصرفون بفطرتهم، هم لن يقابلوه طيلة أعمارهم، ولن يحصلوا منه على مكاسب فى جيبهم، أو مناصب، محبتهم نابعة من فقدانهم الثقة فيما عداه، تحركهم فى ذلك غريزة البحث عن مخلِّص وبطل، وشخص يلتف حوله الناس الآن، وعلينا أن نعترف أن حالة التواصل العاطفى التى حدثت بينه وبينهم، أمر يستعصى على التفسير، لعله خوفهم الشديد على بلادهم والضرر الكبير الذى عانوا منه فى السنوات الماضية، يجعلهم يعولون على السيسى ليصون البلد، ويعيد مصالحهم المباشرة للدوران من جديد». «يجب أن نرى ظاهرة النفاق التى تحدث الآن فى سياقها، ليس هناك سمات تاريخية ثابتة لأى شعب فى الدنيا، أن نقول شعب منافق أو ثائر، أو أصيل، هذه كلها أكاذيب، ليس هناك طبيعة واحدة يمكن الحديث عنها للشعب المصرى» بحسب د. شريف يونس، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر. يقول «يونس»: «من شاركوا فى 30 يونيو للتخلص من مرسى وحكم الإخوان وإخراجها من السلطة، مجموعات غير متجانسة من الشعب، قطاعات من الثوريين، يمكن تسميتهم المجموعات الديمقراطية، ومجموعات من الحريصين على عودة الاستقرار وفشل الإخوان فى توفيره لهم، ومجموعة كبيرة من بقايا المستفيدين من الأوضاع القديمة، الذين تضرروا من مزاحمة الإخوان لهم فى المصالح، وقطاع من حزب الكنبة، عدم التجانس انعدم بعد ذلك، فأصبح لدينا قطاعات من مؤيدى ترشيح السيسى». ويضيف: «هؤلاء ينظرون إلى 30 يونيو وما أعقبها من مواجهات مع الإخوان باعتبارها الجو الأنسب لإعادة الدولة القديمة، بمجموعات الفساد التى عاشت بها فى حماية القبضة البوليسية، هؤلاء يظهرون الآن كثيرا فى الفضائيات ينادون بعودة الاعتبار لدولة مبارك، إن لم يكن مبارك نفسه، هذا السياق يفسر الأشكال الفجة التى يتم عملها لترشح السيسى، وما هى إلا محاولة لإثبات الولاء». يؤكد «يونس» أن هذه المجموعات تريد من السيسى أن يضرب الجميع ويعيد لهم الأوضاع القديمة، ويرون أن «التطبيل» سبيلهم كى يجتمع شملهم مرة أخرى فيما يشبه إعادة بناء الحزب الوطنى «هذه مسألة فى منتهى الخطورة، نحن لا نتحدث حول هذه المجموعات أنها فاسدة وحسب، لكن المشكلة أنه ليس لديهم أى مشروعات فى الحقيقة، وقد قامت ضد دولتهم الثورة، كل يعمل لحساب نفسه وحسب، دولة وصل بها الاهتراء والفساد أنها أصبحت فى الحضيض، لذلك سقطت فى 3 ساعات من المواجهات، وللأسف قطاعات الإعلام تساهم فى هذه العملية، وللأسف هم يسمحون بظهور بعض الشخصيات التى يعد مدحها فى السيسى عاراً له، لأن هناك شخصيات لفرط قذارة تاريخها تلحق العار بأى شخص يمدحونه». «سيتوقف التطبيل حين يكتشف أصحابه أنه وسيلة غير فعالة، من ينافق ينتظر المقابل، أما القطاعات الواسعة من الجمهور التى تحب الفريق السيسى لأنه أنقذ البلد، هؤلاء لا ينافقون، يرون فيه رجلا كان عند كلمته ويتوسمون فيه خيراً». «طبعاً فيه ناس بتطبل لكل حاجة، لكن ده مش وقته نتكلم عن النفاق، الحديث الأهم يكون عن موقف السيسى من هؤلاء» هكذا قللت د. هدى زكريا أستاذ الاجتماع السياسى من أهمية ما يحدث: «جمال عبدالناصر كان حوله منافقون، وعلى مدى التاريخ فيه ناس بتنافق ناس، الانتهازيون ينافقون، والأحاديث التى تدور حول المشير السيسى، وعن شعبنا أدنى بكثير من قدرهما، مدعو الثقافة ومن يدعون أنهم نخبة ونشطاء، أحاديثهم دون مستوى الحدث، دون مستوى شعب مصر».