الترشح للرئاسة ليس شأنا شخصيا، رفاعة المنصب لا تحتمل اجتهادات المرشح أياً كانت مؤهلاته وخبراته، حتى لو قبل معاناته وهمومه، وتحمل مخاطره، مقابل الاستفادة من مزاياه، فإن ذلك غير مقبول لأنه شأن وطنى، يفرض أن يتم تقدير المواقف واتخاذ القرارات المتعلقة به بمشاركة فريق عمل على أعلى مستوى من الخبرة.. للأسف الشديد، لم نستشعر حتى الآن أن أياً من المرشحين المحتملين يلتزم بذلك.. رغم أن أحدهم يشكل فى حد ذاته «أملاً وطنياً» لكل الواعين بأبعاد المؤامرة الدولية على مصر.. أصبح فى حكم المؤكد ترشح المشير عبدالفتاح السيسى، أما د.عبدالمنعم أبوالفتوح فقد انسحب من المنافسة مثيراً العديد من التساؤلات.. وأكد حمدين صباحى ترشحه نافياً عن المعركة الانتخابية المقبلة صفة الاستفتاء.. تتداخل المتغيرات، وتلتبس المواقف، وسط هموم وطن ينزف.. المعركة مصيرية.. والمتابعة اللصيقة واجبة.. أولاً: انسحاب «أبوالفتوح» «أبوالفتوح» وهو يعلن انسحابه من المعركة الانتخابية شن هجوماً ضارياً على الدولة المصرية.. «لن نشارك فى التدليس على الشعب»، «لا يوجد مسار حقيقى للديمقراطية»، «لا توجد حرية أو احترام لحقوق الإنسان»، «هناك قمع واعتقال ل21 ألف ناشط، وغلق لقنوات المعارضة»، «نعيش الآن فى جمهورية الخوف!!».. الوصف الأخير تناقلته وكالات الأنباء والصحف العالمية كعنوان للمرحلة الراهنة فى مصر.. حزب «مصر القوية» أجرى استطلاع رأى بأمانات المحافظات أكد رغبة الأعضاء فى ترشح «أبوالفتوح»، التنظيم الدولى للإخوان أوصى كذلك بترشحه ووعد بدعمه خلال اجتماعيه بلاهور وإسطنبول، أما الولاياتالمتحدة فإن دعمها ل«أبوالفتوح» يشكل أحد اختياراتها الرئيسية بعد سقوط الإخوان، وذلك منذ لقائه مع «جون ماكين» ووفد المخابرات الأمريكية فى سبتمبر 2013.. هروب «أبوالفتوح» من المنافسة يعكس تقديره لعدد من الأسباب والمبررات التى لن تحد فقط من فرصه فى الفوز، بل ستعرضه أيضاً لحملات ضارية لا قبل له بمواجهتها: 1- أن المزاج الوطنى لا يرحب برئيس ينتمى لتيار الإسلام السياسى، فما بالك بمرشح تأثر منذ بداياته بفقهاء التطرف الدينى؛ أبوالأعلى المودودى، سيد قطب، حسن البنا، وقام بتأسيس الجماعة الإسلامية التى نفذت مجموعة من أشد عمليات العنف فى تاريخ الحركة الإسلامية. 2- تخوف الرأى العام من المخططات الأمريكية التى تهدد وحدة مصر وسلامتها الإقليمية، وتأثير ذلك على فرص أى مرشح يحظى بقبول أمريكى، فما بالك بمن شارك مهدى عاكف فى مقابلة جون شانك، عضو الكونجرس الأمريكى، سبتمبر 2004، لوضع أسس الاتصالات السياسية المنتظمة، أعقبه فى أبريل 2005 بلقاء جورج تينيت، الرئيس السابق للمخابرات، وريتشارد ميرفى، المساعد السابق لوزير الخارجية لشئون الشرق الأوسط، لتحديد آفاق التعاون بين الإخوان والولاياتالمتحدة. 3- أن التوجه الراهن نحو وضع ضوابط تتعلق بالحالة الصحية للمرشح الرئاسى يقلل من فرص قبوله نظراً للانتشار الواسع لمحتوى مذكرة مختار نوح، المحامى، التى طالب فيها بالإفراج الصحى عن «أبوالفتوح» عام 2009 نظراً لإصابته بقصور الشرايين التاجية، والسكر، وارتفاع حاد فى ضغط الدم، فضلاً عن صعوبات بالغة فى التنفس تهدد حياته خلال النوم. 4- الاتهامات التى وجهها بعض الذين زاملوا «أبوالفتوح» منذ السبعينات ومن بينهم د.خالد الزعفرانى، القيادى الإخوانى السابق، الذى كشف عن أن أبناء «أبوالفتوح» يمتلكون مجموعة شركات كبرى برأسمال ضخم، وأنه شخصياً يدير شركة كبرى مسجلة باسم شقيقه د.أحمد أبوالفتوح. 5- أن فوز تيار الاستقلال فى انتخابات نقابة الأطباء سيؤدى إلى فتح ملف تجاوزات الإخوان المالية التى يتورط فيها «أبوالفتوح» بحكم دوره القيادى داخلها، خاصة بعد الاتهامات التى وجهها مجموعة من الأطباء أعضاء لجنة الإغاثة الإنسانية بالنقابة والمتعلقة بالتربح من عمله فى اللجنة، وتمسكه بعدم خضوعها لأى رقابة مالية، سواء فى التحصيل، أو المستندات المؤيدة لوصول التبرعات لمستحقيها، أو مصروفات النقابة، وهو الخلط الذى تؤكده تقارير الجهاز المركزى للمحاسبات. 6- ويدخل فى هذا الإطار أيضاً تجاوزاته فى إدارة اتحاد الأطباء العرب، خاصة ما يتعلق بوجود حساب واحد لكل لجان الاتحاد بما يتعذر معه حصر التبرعات الموجهة للإغاثة، ويسمح بالصرف فى غير موضعه، والمعروف أن الاتحاد يعتبر أحد الهياكل الرئيسية لتمويل أنشطة الإخوان نظراً لأن أموال التبرعات تصل إلى 350 مليون دولار سنوياً. ثانياً: تحديات «السيسى» حملة المرشح تبدأ منذ اللحظة التى يثور فيها احتمال ترشحه، «السيسى» من منطلق الثقة فى شعبيته، وحرصاً على عدم التدخل فى إرادة الشعب أتاح الحرية لكافة الحملات للعمل باسمه، دون ضابط ولا رابط، «كمل جميلك»، «نريد»، «قرار الشعب»، «بأمر الشعب».. إلخ. هذه الحملات العشوائية ضمت عناصر وطنية تعاطفت بإخلاص مع دوره الوطنى، وتحمست لتصدره المسئولية، لكنها ضمت أيضاً عناصر أخرى اندست لحساب مرشحين آخرين، بالإضافة إلى مجموعة من أصحاب المصالح والقوى ذات التطلعات السياسية.. النتيجة أنه فى وقت بالغ الحساسية، وقبل إعلان ترشحه رسمياً بادر البعض بإعلان الانشقاق.. خالد العدوى كان منسقاً عاماً لحملة «كمل جميلك»، انشق عنها مع القيادى وائل أبوشعيشع نهاية سبتمبر 2013 ليصبح منسقاً عاماً لحملة «عنان هو الحل»، محمد عبدالعزيز وحسن شاهين وخالد القاضى ومجموعة أخرى من أعضاء «تمرد» انحازوا ل«صباحى»، الرهان على «تمرد» واحد من أكبر أخطاء الحملة، فالحركة منذ بدايتها لم تكن تعكس توافقاً أو تجانساً بين أعضائها بل ضمت العديد من الاتجاهات والأطياف التى لم تجمعها سوى الرغبة فى التخلص من مرسى، وبمجرد أن تم ذلك كان واضحاً أن كلاً منهم عائد من حيث أتى، قد يقول قائل إن أهميتهم تتمثل فى قدرتهم على جمع التوكيلات من واقع خبرتهم فى العمل الميدانى، ذلك مردود عليه بأن المشاركة الشعبية الواسعة هى التى أنجحت حملة «تمرد».. المطرب الشعبى «سعد الصغير» تمكن فى الانتخابات الرئاسية السابقة من تقديم ثلاثة أضعاف التوكيلات المطلوبة، فما بالك بمرشح حرك بدعوته عشرات الملايين فى الشوارع دون وسطاء.. أما الحملات التى ضمت وجوهاً قديمة يحسبها الشعب على «الفلول»، وكذا حملات المديح والنفاق من مسئولين رسميين أو إعلاميين، فقد جاءت مثيرة للتساؤلات تارة، وللغضب الشعبى تارة أخرى، إلى الحد الذى يرى فيه البعض أنها «تستنزف» شعبية «السيسى». ثالثاً: رهانات «صباحى» يخطئ من يظن أن ترشح «صباحى» «انتحار سياسى»، أو أنه مجرد محاولة لحفظ ماء الوجه، ربما كانت خبرة «صباحى» الإدارية والتنظيمية محدودة بإدارة جريدة حزبية لم يكن توزيعها يتجاوز عشرات النسخ، لكن خبرته وحساباته السياسية -مهما كانت عوامل الالتباس والخلط فى الموقف- لا يمكن تجاهلها، انسحاب «أبوالفتوح» إضافة غير متفق عليها لحملة «صباحى»، لأنه انسحب فى نفس الوقت الذى بدأ فيه حملة ضارية لتشويه أقوى المنافسين، حملة «عنان»، المحسوب أيضاً على المؤسسة العسكرية، تمثل خصماً هى الأخرى من رصيد «السيسى»، ونجاح «صباحى» فى إيقاع انشقاق داخل «تمرد» يشكل هزة لأحد مرتكزات حملته، حالة التردد وربما الحيرة فى الإعلان عن ترشحه أصابت قطاعاً لا يستهان به من الرأى العام بالضجر، أما تصريحه ل«السياسة الكويتية» بشأن قرار الترشح، فهو يعكس ضعف خبرة وحسابات مستشاريه الإعلاميين والسياسيين، لأن كل من استجاب لدعوته فى 30 يونيو و3 و26 يوليو 2013 ينتظر أن يستمع لقرار ترشحه لا فى الإعلام الوطنى فحسب، بل منه شخصياً وموجهاً له بالاسم. أما الرهان الأكبر ل«صباحى» فهو قائم على حقيقة أن الإخوان لن يتوقفوا عن أنشطتهم المعادية، بل يسعون لتصعيد مظاهر العنف بمحاولة تجييش كل خلايا التنظيم، حركة «إعدام» فتحت باب التطوع، حركة «مولوتوف» دعت لاستهداف الضباط وأسرهم، «أنصار بيت المقدس» تحشد للجهاد، حركتا «حنرعبكو» و«5 الفجر» انضمتا مؤخراً إلى الساحة، حتى «داغش» ظهرت أولى خلاياها فى سيناء.. ظواهر ومؤشرات قد تعكس اتجاه الإخوان لتفضيل الخيار «الجزائرى» فى التعامل مع الدولة، حتى من لم ينخرط منهم فى خلية إرهابية يحاول تركيب قنبلة هيكلية ليشارك فى بث الذعر بين المواطنين.. كل نجاح للعمليات الإرهابية فى إيقاع المزيد من الضحايا أو تخريب المنشآت أو الترويع يفتح مجالاً لانتقاد الدولة و«السيسى»، كل رد فعل -مهما كان مستحقاً- من جانب الدولة سيتم تطويعه للخصم من رصيده، ثم إن الإخوان لن تقاطع عملية التصويت حتى لو أعلنت ذلك، لكنها ستحشد للتصويت لأقوى منافسيه، فرص «عنان» أكبر فى الحصول على أصواتهم بحكم سابق تعاونه معهم وما يحظى به من دعم أمريكى، لكن «صباحى» رغم الرصيد التاريخى من الكراهية سيكون هو الاختيار الثانى، أما خالد على فى حالة ترشحه فهو بالنسبة لهم مجرد محاولة لتشتيت الأصوات للدخول فى جولة ثانية، ربما تتيح المزيد من الفرص لرهاناتهم السياسية. ■ ■ الأيام الماضية حملت متغيرات مهمة فى معطيات معركة الانتخابات الرئاسية.. أولها انسحاب «أبوالفتوح»، مرشح التنظيم الدولى، وسط مؤشرات تعكس ميل الإخوان للانحياز ل«الخيار الجزائرى» بكل ما يترتب عليه من نتائج درامية.. ثم تحديات وملاحظات على حملة «السيسى» تفرض مراجعة عاجلة لطاقم المستشارين وهيكل الحملات تجنباً للسلبيات والعشوائية.. ومع تأكد نجاحه فى استقطاب عمرو موسى لفريقه الرئاسى يكون قد تم استبعاد الأخير ك«مرشح توافقى» حرص البعض على طرحه كاختيار بديل على مدى الفترة الماضية، وأخيراً ترشح «صباحى» القائم على حسابات سياسية يستبعد معها كونها حالة «انتحار سياسى» كما وصفها البعض.. متغيرات معركة الرئاسة جعلتها جديرة بالمتابعة، بعد أن أصبحت تنافسية بحق، ودفعت عن نفسها شبهة الاستفتاءات.