انتهيت بالأمس إلى ضرورة النص صراحة فى الدستور الجديد على التزام الدولة بتفعيل مبدأ المساواة بين المواطنات والمواطنين وتطبيق سياسات وإجراءات التمييز الإيجابى لتمكين المرأة ولرفع الظلم الوارد على حقوقها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وهو ما سيستتبع، إن أسس له فى الدستور الجديد، إدخال تغييرات وإضافات جوهرية على القوانين المصرية من قوانين العمل والتأمينات الاجتماعية وتجريم التحرش الجنسى إلى قوانين الانتخابات التشريعية والأحزاب السياسية. أولوية أخرى للمرأة المصرية، وهى تتحرك مع المجتمع المدنى المدافع عن حقوقها وحرياتها وتضغط سياسيا وإعلاميا للتأثير على النقاش الدستورى، تتمثل فى الحيلولة دون أن يأتى الدستور الجديد متضمنا لنصوص تقيد صراحة من حريات المرأة الشخصية والعامة أو قد تفسر، وفى ظروف واقعنا المجتمعى المعاش، على نحو مقيد. ودون مواربة المادة الدستورية المقترحة من بعض أعضاء الجمعية التأسيسية، المتعلقة بإعطاء الأزهر الشريف المرجعية النهائية لتحديد المقصود «بمبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الأساسى للتشريع» ولتنقية القوانين المصرية مما يخالفها، تهدد بتقييد حريات المرأة حال تراجع التوجه الوسطى الراهن للأزهر وسيطرة الفكر الدينى المحافظ عليه. فلا مكان فى الفكر هذا للخلع ولا لسن زواج يبدأ فى الثامنة عشرة ولا لحضانة الأم لأطفالها كأساس الرعاية ولا لنسب الأطفال لأمهاتهم ومن ثم تمكينهم من التمتع بالجنسية المصرية، حال زواج الأم من أجنبى. لا اعتراض لدى على النص على أن مبادئ الشريعة هى المصدر الأساسى للتشريع، إلا أن سلطة التفسير ومرجعيته النهائية لا بد أن تكون للهيئات القضائية، تحديدا للقضاء الدستورى، وليس للمؤسسة الدينية التى قد تنقلب بعيدا عن وسطيتها الراهنة وقد تدفع بها سلطة كهذه فى اتجاهات خطيرة لا نريدها (ولنا فى سلطة آيات الله فى إيران وشيوخ الوهابية فى السعودية من العبر الكثير). ويرتبط ذات الخوف من تقييد حريات المرأة الشخصية والعامة بمواد دستورية أخرى بدأت صياغاتها الأولية ترشح من دوائر الجمعية التأسيسية. والإشارة هنا لبعض مواد الحريات التى ترد بنصوصها عبارات مطاطية مقلقة مثل الآداب العامة والأعراف المجتمعية والأخلاق القويمة وغيرها. فالعبارات هذه دوما ما وظفت فى السياق المصرى للانتقاص من حريات المرأة الشخصية والعامة ويظل خطر توظيفها فى المستقبل ماثلا. بل إن الهجمة المحافظة المرتدية عباءة الدين، والتى لا يشغلها إلا السيطرة على جسد المرأة وكبت حضورها فى المساحة المجتمعية، تهدد إن ضمنت عبارات مطاطية كالآداب العامة والأخلاق القويمة فى الدستور بفرض الزى الواحد المنمط على المرأة وإسكات صوتها وإبعاد حيوية النساء وأدوارهن المختلفة عن مجتمع يسيطر عليه رجال يحركهم هوس السيطرة على جسد المرأة وإخضاعه لفهمهم الذكورى. مقاومة مادة تعطى الأزهر المرجعية النهائية لتفسير نص مبادئ الشريعة وصياغات دستورية تقيد حريات المرأة تمثل إذن أولوية ثانية كبرى للنساء المصريات وهن يتابعن النقاش الدستورى وعليهن الضغط بكل الوسائل لاستبعادها. وعلى المجتمع المدنى والفاعلين السياسيين المدافعين عن حقوق وحريات المرأة العمل بجدية لضمان هذا، تماما كما يتعين عليهم العمل والتوعية لتفعيل مبدأ المساواة الكاملة بنصوص دستورية تحمى حقوق المرأة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.