إن صدقت التسريبات الصحفية وإن اعتمدتها من بين أعضاء الجمعية الأغلبية المنصوص عليها للموافقة على مواد الدستور، تنص المادة الثانية فى مقترح دستور الجمعية التأسيسية على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الأساسى للتشريع وأن الأزهر الشريف هو صاحب المرجعية النهائية فى تفسير مبادئ الشريعة. منذ أسابيع قليلة وبعد تصريحات لأعضاء سلفيين بالجمعية التأسيسية، عبرت مع آخرين عن تخوفى من تغيير نص المادة الثانية ليصبح الشريعة هى المصدر الأساسى للتشريع دون إشارة للمبادئ التى أنتج الفكر الدستورى والقانونى المصرى والفقه الإسلامى الوسطى منذ 1980 بهدف تحديدها وضبطها وشرحها جسدا متكاملا من الأحكام والأعمال والتفسيرات بالغة الأهمية. الآن اطمأن الضمير لكون الإشارة للمبادئ ستظل قائمة فى نص المادة الثانية فى الدستور الجديد الذى سنصوت عليه فى الاستفتاء (طبعا إذا ما استمرت الجمعية التأسيسية الحالية فى العمل ولم يحكم القضاء الإدارى ببطلان تشكيلها). إلا أن الإشارة فى النص المقترح للمادة الثانية لكون الأزهر الشريف هو صاحب مرجعية التفسير النهائية لمبادئ الشريعة يتجاهل دور القضاء الدستورى. أحترم الأزهر وشيخه العالم كثيرا وأيدت كل الوثائق التى أصدرتها المشيخة خلال الأشهر الماضية لما حملته من فكر وسطى مستنير. وعلى الأزهر أن يستمر فى أداء دوره الوطنى فى مصر والحضارى العالمى خارجها وهو متمتع باستقلال غيب خلال العقود الماضية. إلا أن تفسير النصوص الدستورية ومراقبة اتساق القوانين معها (وفقا لمبدأ الرقابة اللاحقة المستقر فى مصر) هما مهمتان يضطلع بهما تقليديا القضاء الدستورى وينبغى أن يظلا كذلك. وللقضاء الدستورى أن يستطلع رأى الأزهر إن أراد، وللأزهر أن يعلن عن موقفه من كافة النصوص الدستورية والقوانين فيما بعد ويقترح التعديلات التى يراها. إلا أن المرجعية النهائية للتفسير الدستورى ينبغى أن تظل فى يد القضاء الدستورى. مع كامل الاحترام والتقدير لدور الأزهر، يطيح النص المقترح للمادة الثانية بمبدأ دولة المؤسسات مستقرة المراكز القانونية والأدوار والوظائف ويقحم المؤسسة الدينية المحترمة فى منطقة مخصصة للقضاء الدستورى ويفتح الباب من ثم لتوسع غير حميد فى دور المؤسسة الدينية القانونى ومن ثم السياسى والمجتمعى. لا بد إذن من إعادة النظر فى النص المقترح للمادة الثانية بغية الإبقاء على المرجعية النهائية لتفسير النصوص الدستورية قاطبة فى يد القضاء المختص دون انتقاص ودون تسييس انطلاقا من الدور الحالى للقضاء الدستورى.