عمره تجاوز الثمانين عاما، ملامح بشرته السمراء تختزل بين خطوطها أسرار حرب تأبى ذاكرة التاريخ نسيانها، حمل على عاتقه مستقبل أمة فكان عقلا مدبرا وخزينة أسرار لم تُفتح إلا بعد 40 عاما من الحدث، حفظ السر وأدى المهمة والآن جاء مشاركا بين شباب محافظته بملتقى الشباب العربي الأفريقي يجول بينهم فخرا بتاريخ بلد شارك في خط ملامحه. في إحدى القاعات بمقر ملتقى الشباب العربي الأفريقي، التقت "الوطن" البطل النوبي أحمد إدريس صاحب فكرة الشفرة النوبية بحرب أكتوبر، الذي لفت أنظار الحضور بملابسه المميزة حيث الجلباب الأبيض والعمة الأسواني ملتفا بعلم مصر ونياشينه العسكرية التي حصل عليها بعد انتهاء الحرب. " السيسي" أول رئيس يهتم بأفريقيا ولم شمل شباب القارة خطوة ذكية بدأ البطل النوبي حديثه ل"الوطن" عن أجواء محافظة أسوان في الأيام الحالية وحالة الرواج التي تشهدها بقدوم الوفود العربية والأفريقية المشاركة في الملتقي، معتبرا ما قام به الرئيس عبد الفتاح السيسي من حيث لم شمل الشباب المصري والأفريقي على أرض أسوان ب"الخطوة" الذكية الضرورية باعتبار أسوان بوابة مصر للقارة ومصر جزء لا يتجزأ من القارة، "أول رئيس يهتم بأفريقيا ودي خطوة مهمة لأن شباب دلوقتي هما قادة المستقبل". البطل النوبي، لا يزال صوته فخورا بما صنعه في الحرب، فهو الذي اقترح على القيادات وقتها فكرة استخدام اللغة النوبية في التراسل حتى لا يفهم العدو تفاصيلها، فهي لغة تنطق ولا تكتب بحروف معينة، وعن تفاصيل الفكرة وكيف تطرقت إلى ذهنه قال: "كان العدو بيفك شفرات المراسلات دائما وبدأت القيادات في التفكير في وسيلة لمنع العدو من فهم المراسلات التي تدور بيننا وفي لحظة فكرت في اللغة النوبي، فهي لغة لا يفهمها إلا من يجيد التحدث بها وترسل منطوقة ولا تكتب وبالتالي لن يستطيع أحد من العدو فهمها". السيسي أول رئيس كرمني بعد الحرب وفخور بأني جزء من تاريخ المعركة لحظة عرض الرجل النوبي فكرته على القيادات حينما كان ملحقا باللواء 15 مدرع عقب 1967 تحت قيادة اللواء عدلي مصطفى سوكة واللواء تحسين شنن الذي كان برتبة مقدم حينها وأصبح محافظا للسويس في وقت لاحق، انبهر الجميع بها وعرضوها على الرئيس الراحل محمد أنور السادات، "السادات طلب يقابلني وخدوني ليه متكلبش في الحديد ومكنتش فاهم حاجة وواخدني على فين"، حسب تعبيره. أسئلة عديدة دارت في رأي الجندي النوبي طوال الطريق، ولحظات خوف عاشها حتى وصلوا به إلى القصر ووضعوه في مكتب وتركوه، وبعد وقت قليل فوجئ بالرئيس الراحل يدخل عليه، "ساعة ونص مروا عليا 3 سنين ومكنتش مصدق إني قابلت الريس لما شوفته". لحظات اللقاء الأولى التي جمعته بالسادات يصفها الحاج إدريس بصوت مليء بالفخر، يغمض عينيه قليلا ليعود بالذاكرة أكثر من 50 عاما إلى الخلف، "أول ما شافني الريس حط إيده على كتفي وقال اقعد ابني وسألني عن نفسي متجوز ولا لأ وعندي عيال ولا لا"، ليذيب الجليد بينهما وبعدها بدأ يتحدث إليه عن فكرته واستخدام اللغة النوبي ليروي له إدريس القصة الكاملة لفكرته، وحسب تعبير الرجل النوبي "أول ما سمع الفكرة دخل في نوبة ضحك هستيري وسألته هو أنا قولت حاجة غلط يا ريس رد قالي لا". السادات استقبل فكرة الشفرة النوبي بنوبة ضحك وحفظت السر 40 سنة اتفق السادات مع الحاج إدريس على أن يكتم السر وإلا سيعرض نفسه للمحاكمة، لينتهي لقاء الشاويش برئيس الجمهورية، وبعدها أمر السادات بإحضار 344 فردًا من أصول نوبية، يتدربون على الشفرات الجديدة داخل الجيش، وينضم إليهم دون أن يعلم أيا منهم أن إدريس هو صاحب الفكرة، وتبدأ العمليات خلف خطوط العدو متخفين في أهوسة المياه يراقبون العدو في سيناء وينقلون تحركاته وتنجح الشفرة بعد تجربتها في عمليات مصيرية، وأضحى الرجل النوبي رمزا من رموز الحرب. "السيسي أول رئيس يكرمني بعد الحرب"، بهذه العبارة عبر الحاج إدريس عن اعتزازه وتقديره بما قدمه له الرئيس السيسي من تكريم لجهوده في الحرب في عام 2017 كأول رئيس بعد الراحل أنور السادات بعد أن أمر اللواء محسن عبدالنبي مدير الشؤون المعنوية آنذاك، بالبحث عن البطل النوبي لتكريمه وتخليد اسمه. يتابع الرجل الثمانيني ما يحدث في محافظته في الآونة الأخيرة بعين المحارب الواعي، واصفا المشهد بقوله، "كنا زمان مهمشين محدش يعرف عننا حاجة والسيسي هو الوحيد اللي اهتم بينا ولم شمل العرب وأفريقيا وهو ده المستقبل".