قبل أقل من عام، كانت نورا الأمير لا تزال تقبع في أحد سجون النظام السوري، اليوم هي جزء من الوفد الكبير المرافق للمعارضة إلى مفاوضات "جنيف 2"، وتأمل بأن تضع العملية السياسية حدا لمعاناة شعبها. في المؤتمر الدولي حول سوريا الذي عقد في مدينة "مونترو" السويسرية وشكل مقدمة لمفاوضات "جنيف 2"، جلست نورا الأمير التي انتخبت في مطلع هذا الشهر نائبة لرئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، بين أعضاء وفد المعارضة، للمرة الأولى في مواجهة وفد الحكومة السورية الذي تسميه "وفد بشار الأسد". وتقول لوكالة "فرانس برس" عن شعورها في تلك اللحظة "كنت كمن يرى ممثلا للجلاد. رأيت وجه السجان ووجه القاتل ووجه من يقصف ومن يعذب. أبدا ليس شعورا سهلا". وتضيف: "كان الشعور نفسه الذي أحسست به عندما كنت في المعتقل، شعور الازدراء والتحدي تجاه السجان وتجاه المحقق، عندما كنت أفكر: لن تقدر علي مهما فعلت. مسجونة ومنتهكة حقوقي صحيح، لكن أنا هنا من أجل قضية وأنت من أجل شخص". وتتكلم نورا (26 عاما) وهي أصغر مسؤولة في الائتلاف، بصوت خافت، تخنقه الغصة بين الحين والآخر. كانت تحضر أطروحة ماجستير في الأدب العربي في جامعة "حمص"، عندما قررت أن توقف الدراسة وتترك كل شيء "للانضمام إلى الثورة". حصل ذلك في أبريل 2011، عند وقوع أول مجزرة في حمص باستهداف قوى الأمن معتصمين سلميين كانوا يطالبون بإسقاط النظام. في فندق "إنتركونتيننتال" الفخم في "جنيف"، حيث يتركز نشاط المعارضة السورية الإعلامي على هامش المفاوضات، تروي بتأثر الأنشطة التي شاركت فيها على مدى سنة تقريبا قبل توقيفها. وتضيف: "كنا نعمل على توسيع القاعدة الشعبية، وننظم التظاهر، المناشير والجرافيتي والبيانات وزرع مكبرات صوت في الأماكن العامة التي كانت تنطلق منها هتافات ضد النظام، نشر أخبار عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ثم انتقلنا إلى توثيق الانتهاكات، وشاركنا في عمليات الإغاثة عندما بدأ قصف الأحياء والتهجير". وتتابع: "كان هدفنا القول إن صوت الشعب سيرتفع مهما كان القمع". في أحد أيام شهر مارس 2012، تقول: "كنت في محطة جراجات دمشق في الباص استعد للانتقال إلى حلب. صعدوا إلى الباص بسلاحهم وقالوا لي تفضلي معنا. أدركت أن اللحظة التي أنتظرها منذ زمن حانت. لم أشعر بشيء". من فرع فلسطين إلى الأمن العسكري 215، إلى سجن "عدرا" في دمشق، ثم سجن "حمص" حيث عرضت على القضاء، عانت نورا الأمير أقسى نواع العذاب، لكنها تقول بفخر: "أخجل أن أتحدث عن تجربتي اليوم بعد ما شهدته وسمعت عنه من حالات تعذيب مر به غيري وبينهم العديد من النساء". وتغزو الدموع عينيها المكحلتين بكحل أسود كثيف وسط وجه صغير يحيط به منديل مرقط باللونين الأسود والأبيض مع ورود حمراء كبيرة، وقد غطى كامل شعرها وعنقها. وتتابع: "تعرضت لحرب نفسية قوية. كانوا يهددونني بقتل أشخاص يخصونني بشكل مباشر. كنت في سجن انفرادي وأهلي لا يعرفون شيئا عني، لم أكن واثقة بأنني سأخرج يوما". وتقول: "الضرب والكهرباء والكابلات، لم أعد أريد الحديث عنها، لأنني ما شهدته عند أخريات يجعلني أخجل". وتحدثت عن "حالة التعذيب الأولى" التي رأتها في السجن. "كانت سيدة من الصنمة في درعا (جنوب)، تعرضت لتعذيب وحشي: ضرب وشحن بالكهرباء وطريقة الدولاب. كانت لديها أوتار في قدميها مقطعة وأثار السوط موجودة على كل جسمها". وحكم على "نورا" التي تنحدر من إحدى عائلات "حمص" السنية، بالسجن بتهمة "النيل من هيبة الدولة" و"التظاهر من دون إذن" و"التحريض الطائفي". فأمضت عقوبتها لتخرج بعد أكثر من ستة أشهر إلى تركيا. في هذا الوقت، تم اعتقال شقيقتها البالغة اليوم 20 عاما. "تعرضت شقيقتي لأقسى أنواع التعذيب: (الشبح)، وهي طريقة تقضي بتعليق الشخص ويداه مقيدتان بالسقف أو بالباب، واليدان إلى الأمام أو إلى الوراء". وتضيف: "خلع كتفها نتيجة ذلك، فلما عرفوا، راحوا يعلقونها بيد واحدة من جهة كتفها المخلوع، عدا عن السوط والدولاب والإهانات". وتشير إلى أنه "هناك فتيات تعرضن لانتهاكات جنسية في المعتقل". في جنيف، تتواجد نورا مع أعضاء الوفد التقني الكبير المرافق للمعارضة، وتتحمس لطرح موضوع فك الحصار عن مدينتها "حمص"، على الطاولة. "حصار حمص هو الأطول في تاريخ الثورة، 18 شهرا. هناك أطفال ومرضى وكبار السن يموتون جوعا في حمص، حيث يحتجزهم النظام". وتشير إلى أنها على اتصال مع رفاق لها لا يزالون في المدينة وتعرف منهم "أن بعض الأهالي يعطون أولادهم حبوبا منومة لينسوهم الجوع. هناك أشخاص يأكلون الأعشاب التي تنبت بشكل عشوائي. بعضهم يقول لي إنه يأكل مرة كل ثلاثة أيام". وتعتبر أن العجز عن إدخال المساعدات إلى "حمص" عار على المجتمع الدولي. على الرغم من كل ذلك، تبدو نورا مؤمنة بعملية التفاوض من أجل سلام يضع حدا لمأساة بلادها. وتقول: "كما كانت هناك معركة كفاح سلمي ومعركة عسكرية، يجب أن تكون هناك معركة سياسية". وتضيف: "الثورة ستنتصر، عبر هذه المفاوضات أو غيرها، عبر عملية سياسية أخرى. لكن ليس عبر استمرار الحرب".