منذ حوالى ست سنوات غرقت العبارة «السلام 98» بعد منتصف ليلة الجمعة، فى تمام الساعة الواحدة وخمسين دقيقة صباحاً، وكان على متنها حوالى ألف وربعمائة راكب فى رحلتها من ميناء ضبا السعودى إلى ميناء سفاجا المصرى (ولن نخوض فى ملابسات الحادث والمتهمين الحقيقيين الذين تقاعسوا فى عمليات الإنقاذ، وكذلك لن نخوض فى التضليل الإعلامى وكبش الفدا الذى قدمه مبارك ونظامه للقضاء وللرأى العام لغسل يد مبارك ونظامه فى هذا المقال - وقد نتناول قضية العبارة وملابساتها الحقيقية فى مقالات أخرى). المهم أنه بعد غرق العبارة، وبدلاً من أن يذهب مبارك وكبار المسئولين ليقفوا على حجم مأساة استشهاد أكثر من ألف مصرى غرقاً، ذهب مبارك وعائلته مساء نفس اليوم، بينما كانت جثث الضحايا لم تنتشل بعد، إلى استاد القاهرة حيث حضر مباراة كرة قدم فازت فيها مصر «على ما أتذكر» 1- صفر.. وكانت سعادته هو وأسرته ورجال نظامه بالغة.. ويومها وبدلاً من أن تعلن الدولة حداداً رسمياً على شهداء العبارة، وبدلاً من أن يعلن التليفزيون المصرى والقنوات الفضائية حداداً على أكثر من ألف مصرى، ماتوا غرقاً منذ ساعات، ومازالت جثثهم يومها فى عرض البحر، احتفلت مصر حكومة ورئيساً وشعباً ووسائل إعلام بالنصر الكروى المؤزر.. وبدلاً من أن يعلن التليفزيون الحكومى والخاص حالة الحداد، كان يذيع أغنية «مصر اليوم فى عيد».. وكأن الألف مصرى وأكثر من شهداء العبارة ذباب لا قيمة لهم. وعندما توفى حفيد مبارك «محمد علاء مبارك» قطع التليفزيون المصرى والقنوات الفضائية الإرسال، وأعلنت جميع القنوات -حكومية وخاصة- حالة الحداد لمدة ثلاثة أيام احتراماً ومشاركة فى مصاب الرئيس فى حفيده. ومنذ أيام كان حادث رفح المؤلم الذى ذهب فيه سبعة عشر من جنود جيش مصر شهداء بيد الإرهاب والغدر وهم يهمون بتناول إفطارهم، بعد صيام يوم قضوه يؤدون واجبهم فى حراسة حدود مصر.. وتوقعت وغيرى من المواطنين أن تحترم أجهزة «التليفزيون الحكومى وشبكات التليفزيون الخاصة» المصاب الذى أدمى قلوب المصريين والعالم بأسره، وأن يعلن التليفزيون المصرى والقنوات الخاصة حداداً لمدة ثلاثة أيام احتراماً لأرواح شهداء قضوا نحبهم وهم يؤدون واجبهم تجاه الوطن.. ولكن استمرت قنوات التليفزيون المصرى والقنوات الخاصة فى بث برامجها العادية «مسلسلات وإعلانات وبرامج ترفيهية وأغانى» واكتفت بعض القنوات بفاصل لعدة مرات تنعى فيه الشهداء، ثم تستأنف إعلاناتها ومسلسلاتها وبرامجها. والسؤال الذى يطرح نفسه دون خجل: ألم يكن واجباً حتمياً على التليفزيون المصرى والقنوات الخاصة أن تعلن حالة الحداد احتراماً لأرواح هؤلاء الشهداء؟! أم إنه النفاق يسرى فى عروقنا بحيث إذا مات حفيد مبارك «حين كان فى السلطة» تعلن وسائل الإعلام حداداً رسمياً.. وحين يستشهد سبعة عشر جندياً مصرياً غدراً وتدمع لاستشهادهم عيون المصريين لا تبالى وسائل الإعلام «حكومية وخاصة» وتبخل عليه بحداد على شاشاتها لمدة ثلاثة أيام.. أم إن إعلانات تلك القنوات أغلى من حداد كان واجباً على أرواح هؤلاء الشهداء.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.