يجرى الإعداد الآن لإنشاء مفوضية الشباب كهيئة مستقلة ينظم الشباب من خلالها نشاطهم فى المجتمع. ويكتسب إنشاء هذه المفوضية أهمية خاصة فى هذه المرحلة، فالشباب هم القوة الأساسية التى فجرت ثورة 25 يناير وحافظت على قوة الدفع الثورى حتى الآن. وقد أبدع الشباب صيغاً عديدة منذ انطلاق الثورة، آخرها حركة تمرد التى دعت إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة بعد أن تخلى الرئيس عن وعوده الانتخابية، ومارس مسئولياته من أجل التمكين لجماعته بدلاً من العمل كرئيس لكل المصريين. ورغم أهمية دور الشباب فى الثورة وتضحياتهم بأرواحهم من أجلها، فإن الثورة افتقدت شرطاً أساسياً لفعاليتها وقدرتها على تحقيق أهدافها، بعدم تولى قوى الثورة سلطة الدولة، حيث تولاها بعد خلع «مبارك» المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وهو بحكم التكوين قوة محافظة ترتبط مصالحها بالنظام القديم، ومن ثم فقد كرس المجلس كل جهده خلال الفترة الانتقالية للالتفاف حول الثورة، ودفع الشباب إلى استهلاك طاقاتهم فى معارك جانبية لضمان استمرارها. وتولى السلطة بعده قوة محافظة أخرى هى جماعة الإخوان المسلمين، التى كانت آخر من التحق بركب الثورة وأول من غادر ساحتها. حدث هذا كله لأن الثورة افتقدت منذ البداية القيادة القادرة على الإمساك بزمام السلطة وامتلاك برنامج للثورة يحول شعاراتها الأساسية «عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية» إلى مهام عمل محددة وفق أولويات يتم ترتيبها حسب أهمية المهام المطروحة. وإذا كانت ثورة 30 يونيو قد جددت قوة الدفع الثورى بفضل الشباب، فإنها مهددة بمواجهة نفس مصير ثورة 25 يناير. ومن المهم هنا، لتفادى هذا المصير، تمكين الشباب من تولى القيادة والسلطة، وبلورة برنامج الثورة المطلوب، ومن اكتساب المعارف والخبرات التى تؤهلهم لهذا الدور. وهذا هو دور مفوضية الشباب التى يجب أن يصدر بإنشائها قرار جمهورى بقانون ينص على اعتبارها هيئة مستقلة يتولى إدارتها الشباب أنفسهم، وإلى جوارهم مجلس استشارى يضم خبراء وعلماء فى الإدارة والتنظيم والعلوم السياسية والاجتماعية، لوضع البرامج اللازمة لتأهيل الشباب لتولى القيادة. ويتطلب ضمان فعالية المفوضية أن يكون لها جهاز تنفيذى، هو وزارة الشباب بإمكانياتها المادية ومعسكراتها، حيث يتم من خلالها تنفيذ برامج الإعداد والتأهيل، وأن تكون مراكز الشباب فى المدن والقرى بمثابة الإطار الذى يتم من خلاله تعبئة الشباب للأنشطة التى تطرحها المفوضية، إلى جوار صيغ تنظيمية أخرى تساعد فى ذلك، وبهذا تضمن للمفوضية توافر الخبرة العلمية والقدرة التنفيذية والصلة الحية بملايين الشباب على امتداد البلاد. ولكى تحقق مفوضية الشباب هدفها الأساسى، وهو تمكين الشباب من تولى القيادة، فإنها مطالبة بالقيام بعدة مهام أساسية، يأتى على رأسها: 1- تثقيف الشباب: من خلال برامج نوعية متعددة، تشمل المعارف السياسية والدراسات الاقتصادية وتجلياتها الاجتماعية. 2- تزويد الشباب بالخبرات: التى تمكنهم من ممارسة القيادة عملياً، واكتساب القدرة على إدارة الحوار، وتنظيم المجموعات والتنسيق بينها وإدارة الاجتماعات، والتخطيط للنشاط وتحديد المهام ووضع أولوياتها. 3- إدماج الشباب فى المجتمع: سواء من خلال تأهيلهم لعضوية الأحزاب، حسب اختيار كل واحد منهم طبقاً لتوجهه السياسى، أو عضوية مراكز الشباب والجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدنى العاملة فى مجال حقوق الإنسان أو مجال الدفاع عن مصالح فئات اجتماعية محددة كالنقابات. 4- إجراء حوار وطنى عام بين الشباب: يدور حول قضايا المجتمع الكبرى ومشاكله الأساسية، وكيفية مواجهتها، ودور الشباب فى ذلك، والأطر التى يتحرك الشباب من خلالها. كما يهتم الحوار بقضية الثورة فى مصر، ولماذا لم تحقق حتى الآن أهدافها، وكيف يمكن المحافظة على قوة الدفع الثورى، وكيف يمكن للشباب القيام بدور أساسى فى قيادة البلاد فى هذه المرحلة، وموقع السلطة ومؤسساتها من عملية استمرار الثورة، وتنسيق حركة الشباب حولها. 5- الاهتمام بشكل خاص بالتواصل مع شباب الإخوان المسلمين، وإجراء حوار حقيقى معهم: حول أهمية الاندماج فى العملية السياسية الجارية الآن، وعدم الانجرار إلى العنف لضمان عدم تحول هؤلاء الشباب فى غيبة تنظيمهم إلى جماعات صغيرة خارج نطاق السيطرة، وهم جزء من المجتمع المصرى من الضرورى بذل أقصى جهد ممكن لفتح باب الأمل أمامهم للمشاركة المجتمعية، مع احتفاظهم بقناعاتهم الفكرية والسياسية.