سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"معتز" عاطل عن العمل منذ "فض الاعتصام".. ومضايقات المجتمع لا تنتهي بسبب "اللحية" اعتصام "النهضة" أجبره على مناقشة مشروع تخرجه في "قهوة".. و"الحرب على الإرهاب" أجلسه في منزله عاطلا
على أحد مقاهي منطقة ميت عقبة بالجيزة، يجلس الشاب العشريني، "معتز صادق" يتلاعب في أطراف لحيته المتدليه بكثافة، مرتديًا جلبابا أبيض، يحتسى كوبا من الشاي، يقهقه حين يسمع "تسلم الأيادي"، التي قرر صاحب المقهى تشغيلها حين رآه بلحيته الكثة، توهما أنه منتمٍ للجماعة، التي سقطت، وذلك خلال المرة الأولى التي يخرج فيها إلى الشارع من محبسه في المنزل، منذ فض اعتصام أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي، في "رابعة" و"النهضة". معتز الذي لم يمر العام على إطلاق لحيته، والتزامه الديني، أكمل دراسته في كلية الهندسة جامعة القاهرة.. خوف والديه ورفضه طلبهما المتكرر بحلق اللحية كان سببا كافيا في الامتناع عن الذهاب للعمل، والجلوس عاطلا في المنزل، بعد مواقف متكررة تعرض لها في الشارع ومحل علمه بسبب "لحيته". يتتبع معتز عددا من تجار المخدرات الموجودين باستمرار على أطراف الشوارع والطرقات بمنطقته، يرمونه بالسباب والشتائم، والدعوات على "الإخوان"، يرمقهم بنظرات العداء أثناء توجهه لأداء الصلاة، فيما حاول أحدهم الاعتداء عليه أثناء اتجاهه للمسجد قبل صلاة الفجر لولا تدخل شقيقه. بخلاف ما طاله من اعتداءات لفظية بشكل يومي، يقول معتز ل"الوطن": "بعد 30 يونيو زادت التهديدات والاضطهاد مع ازدياد وتيرة العنف في الشارع".. مشيرا إلى استغلال بائعى المخدرات للجان الشعبية التي تشكلت بعد فض الاعتصام للاعتداء على كل ملتحٍ يمر عليهم. يرفض معتز الانتماء للتيارات الدينية، سواء كانت المشاركة في الحياة السياسية أو المعتزلة، يتمسك بموقف المتعلم المتتبع لسير الصحابة والتابعين المداوم على حضور دروس الشيوخ في المساجد، ويحمل الشاب العشريني مسؤولية ما يحدث له ولكل الملتحين للإخوان كجماعة أساءت للدين بأفعالها، والجيش المصري الذي رفع شعار "الحرب على الإرهاب"، فأدرج كل ما هو إسلامي تحت لفظة "إرهابي".. أصبح كل متدين ملتح إرهابيا في نظر رجل الشارع العادي غير الواعي. العزلة التي يعاني منها معتز داخل وطنه، بعد رحيل "الإخوان"، وصلت إلى حبسه من قبل والديه داخل منزله منذ فض اعتصام أنصار "مرسي"، ومنعه أيضا من حضور جنازة صديقة الإخواني عمر عزت، الذي واراه الثرى بعد سقوطه خلال اشتباكات شارع رمسيس، طالما اختلافا حول أداء الرئيس المعزول، إبان حكمه، وجدوى الاعتصام بعد عزله، وسط رفض قاطع من جانب معتز المشاركة في دعوات عودته، ولكن رحيل صديقه أشعره بالإصرار على الاستمرار بلحيته، ورفض كل دعوات أهله بحلقها، "في ناس ماتت عشان كرسي، وناس تانية عشان مؤمنة بفكرة وناس عشان دنيا.. فما بالك بالموت لأجل أمر من أمور ديني"، متقبلا أي مشكلة قد يتعرض لها بسبب لحيته حتى تهديد حياته نفسها. داخل المسجد المجاور لمنزله يخطو معتز في في إجلال، يقترب من أحد المصلين، يرنو إليه، يتساءل في حيرة "هل هو؟"، وإذا به يفاجئ بأنه عاطف رفيق الصلاة والذكر، يبدو أصغر سنًا، حليق اللحية، حزينًا، يخفي وجهه في شال من الصوف، حين سارع إليه وسأله عن سبب حلق لحيته، بادره بالهرب باكيًا، دون أن ينبس بكلمة واحد، وصمت معتز وشاطره الحزن والبكاء، فهو وأقرانه ممن يزالون يحتفظون بلحاهم في حالة خوف من "انقراض" الملتحين، حسب قوله، فحديث معتز يشير إلى وجود عنصرية شديدة يُعامل بها الملتحون في المجتمع، تحت شعار "دول إخوان"، يقول معتز "أرغب أن يراني الله في صفوف من وصفهم الرسول: القابض على دينه كالقابض على جمرة". أصعب ما يمر به معتز هو نظرات بعض الأقباط له بعد حرق كنائسهم على أيدي المتشددين عقب رحيل مرسي، خلال مروره بأحد تجمعاتهم لاحقته أنظارهم بكل توجس وكراهية، حتى وصلت حين اصطدمت به إحداهم مصادفة فانتابتها رعشة وخوف غير مبررين، يقول معتز "الكل بات ينظر للشخص الملتزم كونه إرهابي بصرف النظر عن بعده عن السياسي أو اقترابه منه، فكل ملتح أصبح في نظر الناس إرهابيا وهي مسؤولية الدولة، وضع الملتحين والمتدينين في مواجهة شعب كره العنف". ندم معتز على انتخابه عبد المنعم أبو الفتوح القيادي الإخواني المنشق، في الانتخابات الرئاسية، "الناس كرهوا الإخوان لأنهم لم يطبقوا الدين، ولا اهتموا بالبلاد، فكرههم الشعب وكره معاهم الدين"، ويؤكد أن الإخوان باعوا "الشهادة" لأنصارهم للمشاركة في اعتصامتهم لعودة الرئيس المعزول، وكأن الشهادة تباع على أطراف "رابعة العدوية". يتعرض معتز لسخرية دائمة من إصراره على الاحتفاظ باللحية، قام أحد أقاربه بوصف اللحية قائلا: "إيه المقشة اللي لابسها في وشك ديه، أنا مقدرش أساعدك تشتغل عشان مينفعش حد يعرف أن قريبي ملتحي"، فيما رفض آخر مساعدة في التقدم لإحدى شركات البترول، إلا شريطة التنازل عن لحيته قائلا له: "ميعرفوش إن حد في عيلتي بدقن". تسبب اعتصام أنصار الرئيس المعزول بميدان النهضة تأخير مناقشة معتز وزملائه بكلية الهندسة قسم بترول، مشروع التخرج، حتى وصل الأمر لمناقشة المشروع داخل أحد المقاهي، ورغم ذلك استطاع التخرج بتقدير جيد جدا، واستمرت تلاحقه أخطاء جماعة الإخوان، حسب قوله، في عمله، فما تسبب فيه "الإخوان" من كراهية ل"اللحية"، يرفض العديد من المترددين على عمله التعامل معه، إلا بعد التأكد من عدم انتمائه للجماعة المرفوضة شعبيا. رغم الكثير من الدعوات والإلحاح من البعض لمشاركة معتز مسيرات واعتصام أنصار المعزول في الميادين، تحت شعار "الدفاع عن الدين"، لكنه فضل اعتزال ما يحدث، درءا للفتنة في البلاد، فهو يراها فتنة يجب اعتزالها اقتداء بسيدنا الحسن بن علي وسيدنا سعد بن أبي وقاص، فالكل على خطأ.