هل من المفروض أن نقبل كل ما هو شاذ فكرياً واجتماعياً وجسدياً لنثبت أننا نؤمن بالحرية «إيماناً مطلقاً»؟.. هل كان لزاماً علينا أن نصفق لفرقة «مشروع ليلى» وهم يرفعون علم «المثلية الجنسية»، لنؤكد أننا نحترم «حرية الآخر» طالما لم تلحق بنا الأذى؟ هل يفترض أن نروج ل«تبادل الزوجات»، ونشجع «زنا المحارم»، ونطالب بترخيص «الدعارة»، ونصدق أن «وطء البهيمة ونكاح الزوجة المتوفاة» هى أحكام شرعية.. لنؤكد أننا لا نحتكر «الحرية» لأنفسنا فى الكتابة أو التعبير عن الرأى.. وأننا نقبل الآخر «كما هو» بكل ما فيه من شطط فكرى وشذوذ فكرى وسلوكى.. لنثبت لأنفسنا ولمن يقرأون لنا أننا دعاة تنوير وحرية لآخر المدى؟ لا أعتقد. أنا أؤمن بأن معظم المجتمعات العربية تمارس كل الموبقات «فى الخفاء»، وتعلن على الملأ أنها مجتمعات متدينة، منضبطة وأخلاقية، تحمى الفضيلة، وتدافع عن «الشرف» بالدم، (الدول العربية هى صاحبة الرقم القياسى فى جرائم الشرف)، وتحت جلد المجتمع البراق تكمن خلايا سرطانية تنهش فى منظومة القيم الأخلاقية والعادات والتقاليد، وتفتت الدستور والقانون إلى قطع زجاج حادة تجرح من يتجرأ على كشف عورات تلك المجتمعات التى ترتدى أقنعة (الحكمة والوقار والعفة)! وجاءت فرقة «مشروع ليلى» لتثبت أن كل ما يخفيه الظلام قد يموت بفضحه «تحت الأضواء»، ورفع أحد الشباب علم «المثلية الجنسية»، دعماً ل«حامد سنو» مؤسس الفريق، الذى أعلن عن هويته الجنسية منذ فترة بأحد البرامج الفضائية. وكتبت إحدى الصفحات التابعة لجمهور «مشروع ليلى»، بعد نشرها صورة من رفع علم rainbow فى وسط 25 ألفاً فى الحفل: (كل الشكر لهؤلاء الشجعان والشجاعات فى حفل مشروع ليلى، شكراً لجعلنا جميعاً نشعر بفرحة عارمة بهذا الانتصار الصغير، شكراً للظهور والتصريح أننا هنا، دعونا ننَم اليوم سعداء بهذه اللحظة). وكأن «الشواذ» قرروا انتزاع الاعتراف بوجودهم من المجتمع، والحقيقة أننا نعلم بوجودهم وربما نعرف بعض المشاهير منهم، الذين يضعون شعار المثلية «ألوان قوس قزح» على صورهم على مواقع التواصل الاجتماعى.. وتتراوح مواقفنا منهم ما بين التعاطف أو القبول أو الاستنكار أو الاشمئزاز، بحسب تأثر كل منا بالعوامل الدينية والقانونية والثقافية. أنا لا أناقش -هنا- أسباب المثلية الجنسية، أو حقوق المثليين، بل أناقش حق «الأداء العلنى للشذوذ».. أى شذوذ يصدم المجتمع فى معتقداته وثوابته الراسخة وقناعاته الدينية.. ويفرض نمط حياته «الخاصة» على عامة البشر باعتبارها «حقاً».. تماماً كما حدث فى أمريكا والغرب الذى خضع لحقوق الشواذ بدءاً من «زواج المثليين» وحتى إلحاقهم بالجيش! أناقش مفهوم «الحرية الشخصية»، والحدود الفاصلة بين «الحياة الخاصة» التى يحميها الدستور وبين حق المجتمع الذى يتفكك كل يوم بصدمة جديدة، تخلط الخاص بالعام، وتفرض على المجتمع أسلوب حياة أو «لايف ستايل» غريب، بدءاً من الدكتورة «منى البرنس» التى نشرت صورها بالبكينى ورقصات متعددة على «فيس بوك»، ورقص المنتقبات باعتباره دليل حياة، وصولاً إلى المجاهرة بالإلحاد الذى تتزايد معدلاته كل يوم. قطعا أنا مع «الحرية الشخصية»، ولأنها شخصية فهى «خاصة» يمارسها الإنسان بعيداً عن أعين الغرباء، وحين ينشرها ليبتز المجتمع ويخلخل منظومة القيم الأخلاقية والعادات والتقاليد، ويتحدى كل ما نادت به الأديان السماوية.. يتحول البكينى إلى «فعل فاضح» ينتهك حتى مركز الأستاذة الجامعية، وتصبح المثلية الجنسية تحريضاً على الفسق والفجور، وحرية العقيدة التى يحصنها الإسلام نفسه: (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) تحولها جماعة الملحدين إلى عملية سخرية من الأديان الإبراهيمية وتشكيك فى عقائد «الأغلبية».. وتطاول على الكتب السماوية والأنبياء! إذاً، الفرق شاسع بين أن تكون حراً فى اختيار توجهاتك الفكرية والدينية أو تحديد ميولك الجنسية، وبين أن تفرض اختياراتك على مجتمع لا يعترف بك أصلاً.. بل إن قانونه يجرم أفعالك وأديانه تؤثم اختياراتك. هؤلاء الشواذ «فكرياً وجنسياً» يبحثون عن نمط حرية مشوهة ومنقوصة، لأنهم أصبحوا عبيداً لشهواتهم، يعانون إقصاء المجتمع لهم وتحقير شأنهم، ولهذا لا يناضلون -مثلنا- من أجل الحريات العامة وحقوق الإنسان.. إنهم فى حالة عداء مع المجتمع الذى يرفضهم.. كما أنهم ليسوا «مرضى» بحاجة إلى علاج، فقد أزالت مؤسسات الصحة النفسية الكبرى حول العالم تصنيف المثلية كاضطراب نفسى بما فيها منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة عام 1990. نحن نقدس «الحرية» كما نفهمها.. وهم يمارسون الرذيلة والانحلال كما يفضلونهما.. والمسافة بيننا لا يختصرها «مشروع ليلى».