صنع حزب «العدالة والتنمية» الحاكم فى تركيا مفارقة سياسية كبيرة عندما حرر المواطنين برفع نسبة مشاركتهم فى الحياة السياسية، فى مقابل تحصين حكومة الحزب الحاكم بالحد من قدرة المعارضة على تحديها، بحسب مجلة فورين أفيرز الأمريكية. وقالت المجلة إن: «الحكومة، التى يرأسها رجب طيب أردوغان، تنتهج استراتيجية تشجع وتنتهك الديمقراطية فى آن واحد، فالحكومة التى أعادت فتح مدرسة هالكى، التى كانت رمزا للحرية الدينية، قبل أن تُغلق بحكم للمحكمة الدستورية، وكانت خطوة بشرت بمجتمع تركى أكثر انفتاحا وضمانا للحريات الدينية والشخصية، هى نفسها التى اتخذت قرارا برفع الدعم الحكومى للأنشطة الفنية فى خطوة لتكميم أفواه الفنانين الذين دأب بعضهم على انتقاد حكم العدالة والتنمية منذ بدايته فى 2002». إن الطريق لفهم ما يحدث فى تركيا يكمن فى تعريف الخبير السياسى روبرت دال للديمقراطية بأنها «مدى مشاركة المواطنين فى الحياة المدنية، وقدرتهم على تحدى السلطة»، ففى الجانب الأول من التعريف، نجحت الحكومة فى تنفيذ أجندة من الإصلاحات مكنت الأتراك من المشاركة فى الحياة المدنية أكثر من أى فترة فى تاريخ الجمهورية التركية الحديثة، كما رفعت ترتيب تركيا فيما يتعلق بالحريات المدنية والحقوق السياسية والذى جعلها تصبح «أمة حرة»، بمقياس منظمة فريدوم هاوس الأمريكية. وتابعت المجلة: «شملت تلك الإصلاحات إلغاء المحاكمات العسكرية للمدنيين فيما يتعلق بالجرائم السياسية، وحظر عقوبة الإعدام، وإدخال تعديلات على قانون مكافحة الإرهاب لمنع توقيف الأتراك لمجرد تبنيهم أفكارا غير مألوفة، بالإضافة إلى تعديلات دستورية تستهدف إصلاح النظام السياسى وجعله أكثر ديمقراطية وإخضاع العسكريين للمحاكم المدنية، وكذلك إصلاح النظام القضائى». وفيما يتعلق بحقوق الأقليات، أنهى الحزب الحاكم الحظر المفروض على الأحزاب الكردية وسمح بتدريس اللغة الكردية، كما فتح الطريق أمام الأرثوذوكس للمشاركة فى الانتخابات البرلمانية العام الماضى، لأول مرة منذ عقود. ورغم تلك الإصلاحات استهدفت حكومة أردوغان فى آخر خمس سنوات كل من يمثل تهديدا على بقائها وبدأت حملتها بالصحافة، فوضعت الصحفيين تحت تهديد الاعتقالات، ويقبع الآن أكثر من 90 صحفيا فى السجون التركية، وهو معدل يفوق أى دولة فى العالم، والعديد منهم معتقل بلا محاكمة، حيث يسمح القانون التركى باحتجاز الصحفيين لثلاث سنوات دون محاكمات. كما وجدت المؤسسات الصحفية، التى تنتقد حكومة أردوغان، نفسها فى ورطة مالية بسبب الغرامات الجزائية والتحقيقات الضريبية. وعملت حكومة أردوغان على تقويض التهديد الآخر لسلطتها، الجيش، فاعتقلت الحكومة 20% من جنرالات الجيش بتهمة المشاركة أو التخطيط لانقلابات عسكرية. وهذه الخطوة رآها البعض محاولة لوضع الجيش تحت سيطرة المدنيين، لكنها فى الحقيقة محاولة لوضعه تحت سيطرة الحزب الحاكم نفسه. وتضيق الحكومة على أحزاب المعارضة، ورغم تعهد أردوغان بالتوافق فيما يتعلق بوضع دستور جديد للبلاد، تراجع عن تعهده مع أول نقد من قبل المعارضة للدستور الجديد ورؤيتهم له بأنه محاولة لتوطيد سلطة أردوغان وحزبه، وأعلن عن أنه إذا ما استمرت المعارضة فى طريقها سيضع الدستور بدونها. وختم تقرير فورين أفيرز ب «إذا ما نجح حزب العدالة والتنمية فى تضمين الدستور سلطة تنفيذية قوية بلا مراقبة أو توازن مع السلطات الأخرى، ستغرق تركيا أكثر فى معضلتها الديمقراطية وستدخل فيما يشبه استبداد فئة على المجتمع ككل».