خطاب المرشد فى رابعة العدوية أوضح الطريقة التى يفكر بها هذا الرجل ومن حوله من أعضاء مكتب الإرشاد، فهو لم يترك فى خطابه الجهادى مكاناً للتسويات أو المصالحة، ودفع بالإخوان ليكونوا فى مواجهة الجميع، بل إنه دفع بالإخوان إلى هاوية سحيقة فكتب للتنظيم الإخوانى شهادة وفاته، فقد وضع المرشد العام هدفاً مستحيلاً وهو عودة الرئيس السابق للحكم محمولاً على الأعناق. لا يفهم هذا الرجل أنه -فى حال تحقق هذا المستحيل- فإن ذلك يعنى تكسير إرادة ورؤوس ملايين المصريين الذين خرجوا لعزل مرسى ومع ملايين المصريين تكسير إرادة وهيبة قواتنا المسلحة ومؤسسات الدولة التى انحازت لإرادة الشعب كالشرطة والقضاء والإعلام، فإذا فرضنا -هذياً- أن الرئيس السابق قد عاد إلى الحكم فكيف سيحكم؟ ومن سيحكم؟ وهل يمكن إقصاء القوات المسلحة وملايين المصريين ومؤسساتهم وأجهزتهم من أجل هذا المرسى؟ طبعاً أفهم أن المرشد ومن حوله يُدركون ذلك جيداً، ولكن ما الذى دفعهم لهذا الانتحار الجماعى؟ الإجابة أن الإخوان يحاربون معركتهم الأخيرة وهم لا يدركون موازين القوى الحقيقية على الأرض، فالغرور والجهل صوّر لهم أنه يمكنهم ابتلاع هذا الوطن وأن يستمروا فى الحكم إلى الأبد وتغافلوا جهلاً عن أن هذا الشعب وإرادته تفوق بملايين الأضعاف قوتهم وحجمهم، لقد قال فى وصف حشد رابعة العدوية بأنه يمثل مصر بكل أطيافها، فإذا كان المحتشدون أمامه هم مصر بكل أطيافها فماذا عن حشود التحرير والاتحادية وسيدى جابر وميدان الشون فى المحلة وبورسعيد والمنوفية وكافة محافظات مصر، هذه الملايين الهادرة ماذا تمثل يا فضيلة المرشد؟ هذه الملايين الحاشدة -والتى وصفتها وكالات الأنباء العالمية بأنها أكبر حشود فى تاريخ البشرية- هى صاحبة الشرعية الحقيقية وهم أصحاب البلد. لقد توهّم الإخوان ومن يناصرونهم من الإرهابيين أنه بإمكانهم حكم هذه الملايين قهراً وبالترويع والتهديد، فكان الرد عليهم قاسياً من الشعب المصرى. لقد أفقدت هذه الملايين الحاشدة قيادات الإخوان صوابهم فقرروا هدم الوطن على من فيه فأعلنوا الجهاد وظهرت الأكفان فى حشود رابعة التى تدّعى السلمية، وأطلق كبيرهم إشارة البدء فى قتل المصريين وترويعهم، فزحف الأتباع، المغيَّبون منهم والمأجورون، إلى مبنى الإذاعة والتليفزيون وحاولوا اقتحام ميدان التحرير وأطلقوا النار على المتظاهرين السلميين وهاجموا القوات المسلحة بالأسلحة -وهذا موطن الخبل- وقتلوا شباباً مصريين وألقوهم من فوق أسطح البنايات العالية وحاولوا اقتحام دار الحرس الجمهورى لتحقيق أحد هدفين؛ إما أن ينجح الاقتحام فيكونوا بذلك قد كسروا هيبة الجيش الذى يحتمى به المصريون، وإما أن يفشل الاقتحام ويقع ضحايا -وهو ما حدث- فيظهروا أمام العالم أنهم ضحايا مجنى عليهم أمام قوة غاشمة تقتلهم وهم الذين يدافعون عن الديمقراطية والشرعية، وهذا هو تفكير الإخوان الذى يتراوح بين المسكنة والتمكين. إن دماء الضحايا الذين سقطوا من المصريين سواء فى سيناء أو فى مدن ومحافظات مصر أو أمام الحرس الجمهورى فى رقبة المرشد وحاشيته، لا نفرق بين دماء ودماء فكلهم مصريون حتى المأجورون والبلطجية وسواء أكانوا عسكريين من الجيش أو الشرطة أو من المدنيين على اختلاف انتماءاتهم. ويبرز السؤال: هل يستحق محمد مرسى، بل والإخوان جميعهم، كل ما أحدثوه فى مصر من قتل وترويع وحرائق وتهديد بنسف الوطن على ما فيه ومن فيه؟ سؤال لا يحتاج إلى إجابة، وأجزم أنهم لا يقدرون على تنفيذ هذا الوعيد حتى ولو استعانوا بالجماعات الإرهابية فى سيناء أو خلاياهم النائمة فى المحافظات. ويراهن البعض على إمكانية المصالحة مع الإخوان ومن يناصرونهم، خاصة أنهم أصحاب تاريخ طويل فى اللعب على الحبال والتلون والتنقل من منطلق أنهم يجيدون هذه اللعبة لتحقيق مصلحة الجماعة، ويشهد التاريخ على ذلك منذ نشأتهم وتحالفهم مع الملك فاروق ثم انقلابهم عليه وتحالفهم مع ثورة 23 يوليو ثم انقلابهم على الثورة ثم تحالفهم مع السادات وقتلهم له وأخيراً تحالفهم مع المجلس العسكرى السابق بعد ثورة 25 يناير ثم انقلابهم عليه. ولكن رحمة الله بهذا الوطن وهذا الشعب أنهم تمكنوا من الوصول إلى حكم مصر فظهرت حقيقتهم وكُشفت عورتهم وطغى طمعهم وأعماهم حتى عن مصلحتهم. وأنا أختلف مع هذا الرأى الذى يدعو إلى المصالحة والتوافق ودمجهم فى نسيج الوطن؛ ذلك أنهم الآن يشعرون بغلّ تجاه الشعب وقواته المسلحة والشرطة والقضاء والإعلام وجميع أجهزة الدولة وتغلب عليهم روح الانتقام والثأر ولا يدركون فى قرارة أنفسهم أنهم هم الذين أجرموا فى حق الوطن وحق الشعب. فضلاً عن أنهم لم يخسروا حكم مصر فقط بل خسروا حقهم فى المعارضة أيضاً ليس فى مصر فقط ولكن خسارتهم ستتلاحق فى كل الدول التى لهم فيها وجود، وكانت خسارتهم أكبر وأفدح على مستوى الشارع وبقية المكونات السياسية والاجتماعية، ومن ثم فلا مجال لدعوات من قبيل التفاوض والحوار والمساومة والمشاركة، فقد قضوا على أنفسهم وتعجلوا الرحيل ليس من الحكم فقط ولكن من الحياة كلها. يؤكد ذلك تحريضهم على قتل أبناء الوطن من كل الفصائل بمن فيهم من ينتمى إليهم بدفعهم لمواجهة جيش مصر وشعبها تحت دعاوى فاسدة للجهاد والاستشهاد لقتل المصريين وليس لقتل أعدائهم. الخلاصة أنه لا صُلح ولا تفاوض ولا مساومة مع من أهدروا الدم المصرى عن عمد ومع من أرادوا نسف الوطن من أجل الجماعة. وأختم برائعة الخال عبدالرحمن الأبنودى فى وصف ما يحدث حين قال: «يا شارب الدَّمْ امْسَحْ لِحْيِتَك مِ الدّم/ قاتل شباب الوطن بِقلْب أعمى أصمّ/ لا القَلْب بِتحرَّكُه أحزان ولا أفراح/ وَلاَ انت مَصْرى ولاَ مِنَّا انت مين يا عم؟!»