صعد الإخوان المسلمون من السفح إلى قمة هرم السلطة مباشرة وبشكل مفاجئ، ويبدو أنهم سوف يهبطون إلى السفح مرة أخرى بنفس الطريقة.. ارتكبوا أخطاء كبيرة، ورغم نصح الكثيرين لهم، فإنهم أصموا آذانهم وأغلقوا عيونهم.. ظنوا أن إدارة دولة بحجم ووزن مصر بكل ما فيها من تنوع سياسى واجتماعى واقتصادى وثقافى كما إدارة جماعة.. ولا يفوتنى فى هذا الصدد أن أذكر أن أفرادا لا يزيدون على عدد أصابع اليد الواحدة من شباب الإخوان كانوا يتهموننى على شبكات التواصل الاجتماعى ب«الفُجر» فى الخصومة مع الجماعة لمجرد أننى كنت أنتقد بعض المواقف الخاطئة للدكتور مرسى وبعض قياداتها، ونسى هؤلاء أنى كانت داعما للدكتور مرسى أثناء جولة الإعادة.. وقد احتملت تلك الاتهامات الباطلة حسبة لله، خاصة أننى ما كنت لأدلى بدلوى فى أى موضوع إلا بما أعتقد أنه الصواب، ومن منطلق الحرص على تصويب مسيرة الجماعة لما فيه خير مصر وخيرها. إن حزنى بلغ مداه.. فالصورة الذهنية التى تكونت لدى الجماهير عن الجماعة فى تلك الفترة الوجيزة صورة سيئة ورديئة، وأهالت التراب على تاريخ حى ونابض عبر العقود الماضية.. يكفى الأوصاف التى أطلقتها الجماهير عليها بعد أن كانت تتمتع بالتقدير والاحترام.. ليست هذه هى الجماعة التى أعرفها، ولا طريقة التفكير التى عهدناها وتربينا عليها عبر عقود طويلة من الزمن.. فالإسلام الذى كنا ندعو إليه كان شيئاً مختلفاً.. رحمة ورأفة وخلقاً وإحساناً وعدلاً وتواضعاً.. لقد ضاعت حقوق الشهداء فى القصاص من قتلتهم.. كما لم تتخذ أى خطوة نحو العدالة الاجتماعية.. وفى الوقت الذى كنا نسمع فيه شدة وعنفاً وتهديداً ووعيداً للذين سيخرجون من المصريين يوم 30 يونيو، لم نكن نسمع شيئاً عما يجب قوله أو فعله تجاه العدو الصهيونى.. وحين كان يتحدث الدكتور مرسى عن أصابع المصريين التى «تلعب» فى مصر، تجاهل تماماً أصابع السيدة «آن باترسون» السفيرة الأمريكية التى «تلعب» فى القاهرة. لقد تعددت الأسباب والهدف واحد.. خرج الجميع على اختلاف شرائحهم وفئاتهم، وعلى تعدد وتباين دوافعهم وبواعثهم، ليعلنوا هدفاً واحداً هو «ارحل».. ليعلنوا فشل تجربة الإخوان فى الحكم.. إذ اتضح للملايين من أبناء مصر أن ثمة خللاً واضحاً فى الرؤية، والإدارة، وعدم القدرة على حل أزمات الجماهير، فضلاً عن تردى الوضع الأمنى وانهيار الوضع الاقتصادى.. لقد أعطى الشعب المصرى الإخوان فرصاً كثيرة، لكنهم أضاعوها وبددوها.. كانت آخر هذه الفرص خطاب الدكتور مرسى مساء الأربعاء 26 يونيو، لكن -للأسف- جاء الخطاب مخيباً لآمال الكثيرين.. لم يفتح باباً للتفاهم أو التقارب أو التراجع عن كثير من السياسات، ولم يكن الخطاب على المستوى اللائق برئيس دولة. إن يوم 30 يونيو هو يوم فارق، لا أقول فى الحياة السياسية لكن فى تاريخ مصر.. لقد امتلأت الميادين والساحات والشوارع المفضية إليها؛ فى القاهرة والإسكندرية والشرقية والغربية والمنوفية والدقهلية وبورسعيد، وفى غيرها من محافظات الصعيد، بشكل غير مسبوق حتى فى الأيام ال18 الأولى من عمر الثورة.. قيل إن الأعداد التى احتشدت فى الميادين والساحات وصلت إلى أكثر من 17 مليوناً.. كنت أنصح ألا تذهب الجماهير إلى قصر الاتحادية، وأن يقتصر الحشد على ميدان التحرير، منعاً للاحتكاك من ناحية، وحتى يبدو ميدان التحرير ممتلئاً من ناحية أخرى.. لكن الذى حدث أن امتلأ هذا وذاك عن آخرهما.. جرت أيضاً تظاهرات فى أمريكا وأوروبا وأستراليا من أجل الهدف نفسه.. فما الذى فعله الإخوان لكى يجنوا هذه الكراهية؟ لقد نجح الإخوان إذن فى شىء.. الكل بات مقتنعاً أنه آن الأوان لرحيل الإخوان، ليس بعد فترة حكم استمرت ثمانى أو أربع سنوات لكن سنة واحدة فقط! الادعاء بأن الذين خرجوا وملأوا الميادين هم من الفلول هو ادعاء مضحك.. ولو كان هؤلاء من الفلول لاستطاعوا حماية «مبارك» فى الأيام الأولى للثورة.. نعم، قد يكون هناك فلول، لكنهم لا يمثلون شيئاً بالمقارنة بجميع الناس.. إن المشهد الذى رأيناه ليس له سوى معنى واحد هو أن الشعب المصرى يكتب تاريخاً جديداً.. لا شك أن موقف القوات المسلحة والشرطة تجاه التظاهرات كان رائعاً.. القوات المسلحة تحركت مبكراً لحماية وتأمين المنشآت الحيوية، وطائرات الأباتشى التابعة لها كانت تحلق بشكل مستمر فى سماء الميادين لمتابعة ما يجرى على الأرض وفوق أسطح العمارات.. كما أن الشرطة كانت حامية للمتظاهرين والمنشآت العامة، لكنى أستغرب عدم حمايتها لمقرات الأحزاب، خاصة وهى تعلم أنها مستهدفة.. وفى ظنى أن محاولات اقتحام وحرق مقار جماعة الإخوان فى المحافظات المختلفة كانت مرتبطة فى الأساس بالبلطجية وليس بجبهة «30 يونيو».. وكما ندين اقتحام المقرات ندين أيضاً وبشكل أكبر من قام بتسديد تلك الرصاصات القاتلة التى أودت بحياة أكثر من 11 شهيداً -نحسبهم كذلك- فضلاً عن إصابة الألوف.. إن هيكلة الشرطة بما يحقق التعامل الحضارى مع الشعب وفقاً للقانون أصبح ضرورياً وحتمياً. من المؤكد أن ما حدث فى 30 يونيو سيلقى بظلاله على الوضع الإقليمى والدولى.. إذ لا شك أن صورة حكم الإخوان لمصر اهتزت كثيرا.. وأظن أن العلاقات الخارجية المصرية سوف تحتاج وقتاً وجهداً لإعادة تشكيلها وصياغتها من جديد. لقد أعطت جبهة «30 يونيو» مهلة لرحيل الدكتور مرسى حتى الساعة ال5 مساء الثلاثاء (أمس).. فهل يغلّب الإخوان العقل ويرحل الرجل، وبذلك يتم تجنيب مصر الفوضى والدماء؟