وسط الأجواء المشحونة والمتوترة والشائكة التى أدت إلى إزهاق أرواح مصرية، وبينما يواصل الخطاب الإسلامى المتشدد تحريضه على العنف والقتل، برعاية رسمية مباشرة أو غير مباشرة لا فرق، ويواصل الجانب الآخر المعارض تحريضه على العنف أيضاً، نكون فى حاجة إلى فجر جديد وصوت عاقل تنجلى به الظلمات المتكاثفة فى الأفق، ويبقى الأزهر الشريف حريصا على حرمة الدماء والأعراض ببصيرة نافذة، ومقدرة على وزن المواقف، ورؤية المآلات، حتى صار الناس يفزعون من فتوى لا تخرج من الأزهر، ومعهم الحق؛ فقد تحولت المنابر إلى خناجر. ومن روح الأزهر ووسطيته ومعارفه ومنهجه وأجوائه العلمية خرج مكتب رسالة الأزهر، برعاية كريمة من الإمام الأكبر شيخ الأزهر والرابطة العالمية لخريجى الأزهر، وبإشراف من العالم الأزهرى الدكتور أسامة السيد الأزهرى، ولما رأى القائمون على المكتب الاستقطاب الحاد والعنف المتبادل بين أبناء الوطن، قدموا رؤية استباقية تمثل معالم على طريق الوحدة والتعاون، وذلك من خلال «القيم السبع»، ولأن صوت التشدد والعنف يظهر أنه الأكثر انتشارا فلم تأخذ هذه الدعوة حقها، ولو من باب التأكيد على أن الفهم العنيف المتشنج للإسلام لا يتبناه كل الدعاة. «القيم السبع» هى المصالحة، والمصارحة، والمسامحة، والمناصحة، المصافحة، والمناصرة، والمصابرة، وهى خطوة على الطريق، تمثل وسائل للخروج من الاحتقان والأزمة، كتبها الأستاذ الباحث الشيخ أحمد ربيع الأزهرى، عضو مكتب رسالة الأزهر، وصدرت منذ فترة، ف(المصالحة) تعنى بناء عقد اجتماعى جديد، نعيد به الأمور إلى نصابها، وهى لن تتحقق، كما يقول الشيخ ربيع، إلا ب(المصارحة)، وهى قيمة مهمة افتقدها الحراك السياسى اليوم، والمصالحة المؤسسة على المصارحة تقتضى (المسامحة)، للقضاء على ما ظهر فى المجتمع من تخوين ومشاحنة وتصنيف مغرض، وظهور قوائم سوداء، وما دمنا قد تسامحنا بعد المصالحة والمصارحة فلابد من البناء، والذى يقتضى (المناصحة)، لأن النصح طريق الإصلاح، والناصح ليس عدوا، فالنقد البنَّاء، والمعارضة الجادة هما جوهر الإيمان، ولب الوطنية، وبهما صلاح المجتمع، وعند ذلك تتشابك الأيادى ب(المصافحة)، وهى ليست مجرد تلاقى الأطراف بالسلام، وإنما تتعدى ذلك لتشابك الأيادى، وشد بعضها بعضا؛ لإنشاء المسلك العملى، وسد الثغرات والعيوب، وتتشابك هذه السواعد المصرية لترسم رائعة من روائع (المناصرة)، تلك المناصرة التى سطرتها لُحمة الشعب المصرى بكافة طوائفه، على مر التاريخ، للقضاء على النعرات الطائفية والتصادم الأيديولوجى، إنها مناصرة لنشر الحرية والحق والعدالة الاجتماعية، والقضاء على الفساد والظلم، والمحافظة على أمن وسلامة الوطن، وبناء دولة جديدة تُحفظ فيها للجميع عزتهم وكرامتهم ودينهم وحريتهم، وكل هذا يحتاج إلى الهمم والعزائم القوية، وإلى استلهام المنهج النبوى الكريم، فتأتى (المصابرة)؛ لأن صعود القمم يحتاج إلى سواعد الفرسان، وصبر الشجعان، ولأن أعداء الداخل والخارج لا يبتغون لنا علو البنيان ولا الإنسان، فسوف ينثرون سمومهم فى كل مكان. إن المجتمع إذا سعى إلى المصالحة، وإذا تحققت المسامحة، وعمت المصارحة عندها -وعندها فقط- سوف تتجلى المناصحة، لأن الجميع أيقنوا بأنهم شركاء مصير واحد، وأن المسئولية مشتركة كما أن الأخطار التى تهدد الجميع واحدة، فسوف تأتى المناصرة، لأن الجميع فطن أننا شركاء سفينة واحدة، وأن الأخذ على اليد العابثة لمنعها من الشر هو طوق نجاتها. هذا طريقنا نحو الكبرياء والرفعة، والقضاء على المعوقات والمكائد، وبغيرها سوف نُجر إلى الكثير من المتاهات والمهلكات كما هو حادث اليوم. ولا شك أن هذه القيم لا بد أن تتبعها خطوات وإجراءات ومقترحات، واستخراج الهداية الكامنة من الوحيين الشريفين لكل نازلة وحدث. فهل من مجيب؟