لا يبالغ عدد من الخبراء حين يؤكدون أن استقرار الرئيس المنتخب على كرسى الرئاسة يتوقف على ملف مياه النيل ووقف تراجع قطاع الزراعة أمام مواجهة أكبر أزمة يتوقعونها لمصر فى القريب، المجاعة. مصادر بجماعة الإخوان قالت ل«الوطن»: إنه من المتوقع أن يعلن الرئيس محمد مرسى، عقب تسلمه مهام منصبه، أن أولوية السياسة الخارجية، فى السنوات ال4 المقبلة، ستكون للتعاون مع دول حوض النيل والدول الأفريقية، بينما يجمع الخبراء على أن الرئيس الجديد يواجه 7 ملفات غاية فى الخطورة، قد تؤدى إلى ثورة جياع تهدد استقرار الوطن، وتنعكس على مجالات الاقتصاد الأخرى، وتشمل 3 ملفات للتعديات على أراضى الدولة، والأراضى الزراعية، والبحيرات الشمالية (المنزلة، والبرلس، وإدكو، ومريوط) بعد انخفاض مساحتاها بنسبة 75%، مقارنة بمساحاتها قبل 30 عاما، إضافة إلى ملف التعاون مع دول حوض النيل، وملف التلوث الذى تعانيه المجارى المائية والنهر، وملف الاقتصاد الزراعى، إضافة إلى ملف تراجع البحث العلمى الزراعى، خلال ال30 عاما الماضية. يؤكد الخبراء حاجة مصر لإحياء الاقتصاد بمشروع ضخم على غرار مشروع «مارشال» الأمريكى الذى أنقذ أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. ويقول محمد الفقى، رئيس الاتحاد التعاونى للثروة المائية والسمكية: إن بحيرات مصر الشمالية تمثل كنزا للثروة السمكية، لكنها تعرضت للتدهور الكبير فى مساحاتها، مما يعرض مصر لنقص حاد فى المخزون السمكى، الذى يلبى الاحتياجات الاستهلاكية من الأسماك، البالغ مليونا و400 ألف طن سنويا، فى ظل زيادة الاحتياجات الاستهلاكية من اللحوم المستوردة، التى ارتفعت لأكثر من 350 ألف طن سنويا. وأوضح الفقى ل«الوطن» أن بحيرة المنزلة انخفضت مساحتها الكلية من 750 ألف فدان إلى 200 ألف، بينما انخفضت مساحة بحيرة البرلس من 165 ألفا إلى 108 آلاف، فى حين تعرضت بحيرة مريوط لانخفاض شديد قلص مساحتها إلى 16 ألف فدان فقط بدلا من 49 ألفا، وقت أن كانت رئة مدينة الإسكندرية من ناحية الجنوب، مع انخفاض الرئة الأخرى، بحيرة إدكو، من 36 ألف فدان إلى 15 ألفا. وأضاف رئيس اتحاد الثروة المائية أن الانفلات الأمنى بعد ثورة 25 يناير تسبب فى زيادة معدلات التعديات على البحيرات الشمالية، مشيرا إلى أنها تراوحت بين 40 و50%، مما أدى إلى خسائر كبيرة فى الإنتاج السمكى الناتج عن قلة مساحات الصيد الحر فى البحيرات. وتؤكد 3 تقارير رسمية، أصدرتها وزارتا الزراعة والرى، مخاطر التعديات على الأمن الغذائى لمصر. يكشف الأول عن خسارة مصر 168 ألفا و463 فدانا من أجود الأراضى الزراعية فى الدلتا خلال ال20 عاما الماضية، ما وصفته المصادر الرسمية بوزارة الزراعة ب«الخطير»، مشيرين إلى أن المساحات الفعلية التى تم استقطاعها من أراضى الدلتا ووادى النيل، خلال هذه الفترة، ضعف الأرقام التى أعلنتها الوزارة، بل يتجاوزها، ولا يزال الكلام لهذه المصادر، معللة ذلك بأن الحصر اقتصر على المساحات التى تحررت لها محاضر رسمية، وتداولتها أروقة المحاكم، وحسمت لصالح المخالفين. وطبقا للتقرير الأول، الصادر عن الإدارة المركزية لحماية الأراضى التابع للوزارة، فإن إجمالى مساحات الأراضى الزراعية التى جرى التعدى عليها بالبناء، قبل ثورة 25 يناير، بلغ 101 ألف و777 فدانا، بينما جرى التعدى على 17 ألف فدان بعد الثورة، فى حين بلغت المساحات التى حولت إلى مشروعات عامة وخاصة قبل الثورة أكثر من 50 ألف فدان، بدلا من محاولة تنفيذها خارج الوادى والدلتا، لحل مشكلة التكدس السكانى، وتحقيق التنمية الاقتصادية والعمرانية بالمناطق الجديدة. وأجمعت التقارير ال3 وتأكيدات الدكتور أيمن فريد أبوحديد والدكتور صلاح يوسف، وزيرى الزراعة السابقين، على أن مصر تخسر سنويا، بسبب التعديات على الأراضى الزراعية، ما يقرب من 30 ألف فدان، مطالبين بضرورة تفعيل دور الأجهزة الرقابية لوضع حد لهذه التعديات، حتى لا تواجه مصر أزمة غذائية بسبب تآكل الرقعة الزراعية، والزيادة السكانية الكبيرة خلال السنوات الماضية. وطبقا لإحصاءات وزارة الزراعة، فإن معدل التعديات على الأراضى يرتفع خلال فترات الانتخابات البرلمانية والرئاسية، استغلالا للوعود الانتخابية بحل مشاكل مخالفات التعديات، سواء بتشريعات برلمانية أو قرارت وزارية، بالإضافة إلى استغلال الانفلات الأمنى الذى تشهده البلاد فى استمرار التعدى على الأرض الزراعية، الذى يجنى صاحبه أرباحا خيالية من تحويلها إلى مبانٍ. وأوضحت التقارير أن إجمالى عدد حالات التعدى على الأراضى الزراعية بعد الثورة بلغ أكثر من 421 ألفا و719 حالة، حتى أوائل يونيو الحالى بزيادة 12 ألفا على العام الماضى، وبمعدل 96 حالة أسبوعيا، مما يكشف عن ارتفاعها خلال فترة الانتخابات الرئاسية الحالية، أملا فى قرار رئاسى بإلغاء المخالفات، فى ظل تأكيدات المصادر أن أجهزة حماية الأراضى فى المحافظات تشجع المواطنين على المخالفات، تحت مسمى «الوعود الرئاسية» التى ستحل المشكلة، والتى استخدمت على نطاق واسع فى حشد التأييد لمرشح رئاسى، ظنا من المواطنين فى القرى أنه سيمنحهم «صك البراءة» عقب انتخابه. من جهة ثانية، أكد لتقرير الثانى الذى أصدره قطاع حماية نهر النيل وفرعيه، التابع لوزارة الرى، أن إجمالى حالات التعدى على نهر النيل وفرعى دمياط ورشيد يصل إلى 16 ألف حالة، فى الفترة من يوم اندلاع الثورة حتى الآن، بالإضافة إلى مئات الآلاف من التعديات خلال ال30 عاما الماضية، بينما أكدت مصادر رسمية بوزارة الرى أن التعديات على المجارى المائية والترع والقنوات قفزت لأضعاف هذه التقديرات، بسبب الانفلات الأمنى وغياب دور الدولة، رغم الجهود التى تبذلها بعض الوزارات لإزالة التعديات على حرم النهر، طبقا لإمكاناتها المحدودة؛ إذ تواجه صعوبات كبيرة فى تنفيذها. بينما قدرت الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية إجمالى التعديات على أراضى الدولة بالطرق الصحراوية بأكثر من مليون و300 ألف فدان لم يتم تقنين أوضاعها، فيما عدا 50 ألف فدان منها فقط، فى حين جرى تحويل مساحات تصل لأكثر من 50 ألف فدان، إلى منتجعات سياحية بتلك الطرق، خاصة على الطرق التى تربط الإسكندرية والإسماعيلية والفيوم بالقاهرة، ولم تحصد الدولة سوى القليل من الأموال لتقنين أوضاع هذه المخالفات، بينما حقق المخالفون أو ما يطلق عليهم «مافيا المنتجعات» مليارات الجنيهات أرباحا صافية. وتؤكد تقارير الهيئة العامة للإصلاح الزراعى أن حالات التعديات على أراضيها تصل إلى 65 ألف حالة على 11 مليونا و340 ألف متر مربع من الأراضى الصالحة للبناء العمرانى، بينما جرت إزالة 672 ألف متر فقط، بنسبة 5% فقط، فى حين لم تتم إزالة 95% من هذه المساحات. الدكتور محمد نصر الدين علام، وزير الرى الأسبق، يؤكد تصاعد التعديات بدرجة هائلة على الترع والمصارف بفتحات رى مخالفة، وإلقاء مياه الصرف الصحى والصناعى فى مياهها، مشيرا إلى تجاوز المخالفات المتراكمة عشرات الألوف، مما أدى إلى تدهور حالة شبكتى الرى والصرف وتفشى ظاهرة نقص المياه فى نهايات الترع، وانتشار المزارع السمكية المخالفة، موضحا أن مساحاتها بلغت عشرات الآلاف من الأفدنة بالرغم من عدم توافر الظروف الصحية والبيئية الملائمة للمزارع السمكية. وقال علام ل«الوطن»: زادت التعديات على نهر النيل بالردم والبناء، وإلقاء المخلفات، وفتحات الرى المخالفة، وانتشرت ظاهرة المنتجعات والقرى السياحية على طول طريق مصر - إسكندرية الصحراوى وغيره، وزادت مظاهر التعديات واستنزاف المخزون الجوفى، متمثلةً فى أكثر من 38 ألف بئر مخالفة، مشددا على أنه من الضرورى زيادة الكفاءة الكلية للمنظومة المائية لحوالى 80%، أى ما يقرب من كفاءة نظم الرى الحديثة، وترشيد الاستخدامات المائية الزراعية والسكانية والصناعية، والعمل أيضا على التوسع فى استغلال المخزون الجوفى غير المتجدد فى الصحراء الغربية وفى سيناء، والتوجه لتحلية مياه البحر لتلبية الاحتياجات المائية المستقبلية، خاصة فى المناطق الساحلية، لسد فجوة احتياجاتنا من المياه. ولفت علام إلى أن نصيب الفرد من المياه حاليا أقل من 700 متر مكعب فى السنة، بعد أن كان يزيد على 2000 متر مكعب منذ 4 عقود ماضية، بينما انخفض نصيب المواطن المصرى من الأراضى الزراعية إلى حوالى 0٫1 فدان، وزادت الفجوة الغذائية على 6 مليارات دولار سنويا. وشدد وزير الرى الأسبق على أننا ما زلنا نستخدم الرى بالغمر فى مساحات كبيرة من أراضينا الزراعية، وتوقع أن يقل نصيب الفرد من المياه إلى 350 مترا مكعبا بحلول عام 2050، وستؤثر التغيرات المناخية سلبا على إيراد نهر النيل، مما يزيد المستقبل المائى لمصر صعوبة. من جهتها، أكدت لجنة الأممالمتحدة لتغيرات المناخ أن مصر من أكثر الدول تأثرا سلبيا بالتغيرات المناخية، بسبب التعديات على الأراضى الزراعية، وتصنيف مصر طبقا لتقارير اللجنة الدولية لمكافحة التصحر بأنها ضمن المناطق الأكثر قحولة على مستوى العالم، والأكثر تأثرا بالظاهرة، وانعكاسها على تدهور نوعية التربة، وانخفاض إنتاجية المحاصيل بسبب ارتفاع معدلات الملوحة والجفاف ودرجات الحرارة. أخبار متعلقة: «الأمن الغذائى».. جمرة على كرسى الرئيس وزير الرى الأسبق: الوضع المائى «حرج جداً».. وسياستنا فى ملف النيل «ردود أفعال» خبير دولى: مصر تفقد 3.5 فدان من الأراضى الزراعية كل ساعة