مثلما كان 25 يناير هي بروفة الثورة التي اشتد اشتعالها في 28 يناير، أو ما يعرف ب"جمعة الغضب"، كانت كذلك 28 يونيو بالإسكندرية، تشابهت في ميادين الثورة التي خرجت منها المسيرات، وميدان الاعتصام بمنطقة سيدي جابر، ونفس الأصوات التي اعتلت تطالب بنفس المطالب "إسقاط النظام، والعيش والحرية والعدالة الإجتماعية". اختلف الزمان واختلف الحاكم وبقيت الثورة مستمرة تصر على نفس مطالبها وتخرج من نفس أماكنها وتواجه نفس الصعوبات. مع انتهاء صلاة الجمعة ظهر يوم 28 يونيو، انطلقت من الإسكندرية خمسة مسيرات من أمام مسجد القائد إبراهيم بمحطة الرمل، ومن أمام مسجد شرق المدينة أمام كنيسة القديسين بسيدي بشر، ومن مناطق كرموز واللبان والمنشية، وخرجت تجوب الشوارع بصفارة وكارت أحمر تعلن من خلالهما نهاية حكم الرئيس مرسي وجماعته. خرج عشرات الآلاف ما بين نساء وأطفال وشباب وفتايات لا يحملون سوى علم مصر، ليس لهم هوية غير كونهم مواطنين مصريين رافضين لنظام يرونه "فاشيا ومستبدا". تجمعت المسيرات في ميدان سيدي جابر مثلما كانت تتجمع دائما ومثلما تجمعت في 25 يناير، وقطعت طريق شارع أبو قير، وجلس الثوار يرددون الشعارات المناهضة للنظام والتي طالما استخدمت ضد نظام مبارك في 25 يناير ومنها" الشعب يريد إسقاط النظام"، و"ارحل"، و"علي في سور السجن وعلي.. بكرة الثورة تشيل ما تخلي". وفي تمام الثانية والنصف ظهرا، بدأت مجموعات من "بلاك بلوك" في التحرك في نظام تجاه محطة سيدي جابر للسكة الحديد، وقبل أن تعبر طريق شارع أبو قير بدأت أصوات الخرطوش والطلقات النارية ترتفع آتية من الجهة الأخرى لمحطة السكة الحديد، وسادت حالة من الهرج والمرج بين المتظاهرين الذين بدأوا يتوجهون إلى محطة سيدي جابر لمواجهة العناصر التي تطلق الأعيرة النارية. واستمرت حالة الكر والفر بين المتظاهرين وجماعة الإخوان، حيث تطلق العناصر التابعة للجماعة الخرطوش والرصاص الحي على المتظاهرين الذين واجهوهم بالطوب والزجاج وقطع الحجارة، ليقع عشرات الجرحى والمصابين ويتم نقلهم إلى المستشفى الميداني خلف مسجد صدر الإسلام، ويبدأ عدد من المتظاهرين في الحضور بالدراجات البخارية لنقل المصابين إلى المستشفى الميداني. وظلت حرب الشوارع مشتعلة حتى حضرت عشرات السيارات التابعة للأمن المركزي، واقتحمت إحداها باب المحطة الذي كانت تطلق منه النيران على المتظاهرين، وحالت قوات الشرطة بين الطرفين، ليستقبلها المتظاهرون بالتهليل والتكبير ويعتلون السيارات يحملون علم مصر ويرددون شعارا لأول مرة تسمعه في الميادين بعد ثورة استمرت لمدة عامين هو "الشعب والشرطة إيد واحدة" ويحملون رجال الشرطة على الأعناق، لتسود حالة من الهدوء النسبي ميدان المعركة. وحلقت 3 طائرات حربية في سماء الميدان ليقابلها المتظاهرين بالفرحة العرمة والشعارات المؤيدة للقوات المسلحة والجيش المصري، ومنها "يا سيسي خد قراراك.. الشعب المصري في انتظارك"، "واحد اتنين.. الجيش المصري فين"، "الجيش والشعب إيد واحدة". وما تلبت الاشتباكات أن تجددت ثانية بعد تجدد إطلاق النيران من جانب الجماعة، ليزداد المتظاهرون إصرارا على ضبط العناصر التي تطلق عليهم النيران، حيث تمكنوا بالفعل من ضبط اثنين من هذه العناصر وأبرحوهم ضربا حتى سقطوا فاقدي الوعي وتم نقلهم إلى المستشفى، وتحركت عربات الأمن المركزي لتحاصر المحطة من الجهة الأخرى. وفي الخامسة من عصر اليوم تمكن المتظاهرين من اقتحام مقر جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة بعقار "الملتقى" بسموحة، وأفرغوا محتوياته من الشرفات وأشعلوا فيها النيران أمام المبنى ليصيح الثوار مرددين "الله أكبر.. الله أكبر"، و"ارحل.. ارحل"، و"الشعب يريد إسقاط النظام". واستمر المتظاهرون بعدها في ميدان سيدي جابر يرددون الشعارات المطالبة برحيل النظام، ويستمعون إلى الأغاني الوطنية ليقضوا ليلة اعتصامهم الأولى بالميدان في بروفة ليوم 30 يونيو.