لم تستوعب هادية، الطفلة السورية ابنة السنوات الأربع، بعد أن قذيفة واحدة أفقدتها والدتها وبترت بعض أصابع قدميها. تدور في الغرفة، التي وصلت إليها مؤخرًا في منطقة عكار شمالي لبنان، تبحث عن والدتها من دون السؤال عنها، تنظر إلى قدميها متسائلة عن السبب الذي يحول دون قدرتها على السير بشكل طبيعي كباقي أخوتها، فلا تجد جوابًا شافيًا. قصة هادية محمد تشبه آلاف اللاجئين السوريين، الذين اضطروا فجأة إلى مغادرة منازلهم تحت وابل من القصف والرصاص. إلا أن هادية ووالدتها لم تنجحا في المحاولة؛ اذ أصابت إحدى القذائف بطن الأم فقتلتها على الفور، فيما كانت إصابة الطفلة في قدميها؛ ما تسبب في بتر 4 من أصابع القدم، كما لم تسلم أختها روعة (7 سنوات) من شظايا القذيفة، أثناء هروب الثلاثة من قرية الحولة في محافظة حمص وسط سوريا، حسبما يروى الحكاية أبو محمد، جد الطفلة هادية، لمراسلة "الأناضول". ويمضى أبو محمد قائلا: "تم تقديم الإسعافات السريعة لهادية، ابنة ابني، وأختها في أحد المستشفيات الميدانية في سوريا، قبل أن ننزح إلى لبنان.. هادية اليوم بحاجة إلى عملية جراحية في رجليها، لكن ليس بمقدورنا أن ندفع تكاليف هذه العمليات، حيث طلب منا أحد المستشفيات في طرابلس (شماي لبنان) 3 آلاف دولار لإجرائها، وهذا مبلغ غير متوفر لدينا". أبو محمد كان قد اضطر إلى مغادرة قريته الحولة، قبل نحو 6 أشهر؛ بعدما دمّرت قذيفة أطلقها جيش النظام منزله، فلجأ و14 شخصًا من عائلته إلى غرفة في منطقة عكار اللبنانية، يبلغ إيجارها الشهري 400 دولار أمريكي، وهو مبلغ لم يعد يتمكن من تأمينه، على حد قوله. ويضيف: "أنا رجل كبير السن ولا عمل أقوم به، وابني (والد هادية) عمره 32 سنة، وقد بترت قدمه أيضا، وهو عاجز عن العمل". ويناشد أبو محمد وزارة الصحة اللبنانية والهيئات الإغاثية المعنية "تدبير أمر هادية التي باتت غير قادرة على السير، معربًا عن تخوفه من تدهور وضعها الصحي". وتجد الجهات المحلية في شمالي لبنان نفسها عاجزة عن تلبية احتياجات الآلاف من اللاجئين في المنطقة، والذي بلغ عدد المسجل منهم، بحسب مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، حوالي 167 ألف لاجئ، فيما تخطى عدد اللاجئين السوريين في لبنان بشكل عام ال530 ألف شخص، وفقا للمفوضية. وفي تصريحات لمراسلة "الأناضول"، يقول أبو محمود الكردي، المسؤول في تنسيقية اللاجئين السوريين في الشمال، إن "قدراتنا محدودة؛ باعتبار أننا لا نتلقى أي دعم، ودورنا يقتصر على تأمين صلة التواصل بين العائلات السورية النازحة والجهات المانحة والخيريين من لبنانيين وخليجين لتأمين المساعدات والإعانات لهذه العائلات". ويختم الكردي حديثه بأن "كل اللاجئين السوريين في لبنان بحالة يرثى لها وهم بحاجة لإغاثة فورية، لا سيما في المجال الصحي". ويقيم أغلب اللاجئين السوريين في لبنان في مبانٍ مهجورة ومدارس؛ حيث لم تنشئ الدولة اللبنانية لهم حتى الآن مخيمات إيواء خاصة؛ وهو الأمر الذي يجعلهم عرضة أيضا للكثير من الحوادث الأمنية.