"نحن نعيش في أجواء من الخوف، وأغلبنا يخفي انتماءه للمذهب الشيعي حتى عن أسرته وأقاربه"، بهذه العبارة عبر ضياء محمد عن حال الأقلية الشيعية الصغيرة في مصر والتي ازداد قلقها مع الصعود السياسي للسلفيين المتحالفين مع جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها الرئيس محمد مرسي. ويقول ضياء "الناس يقاطعوننا حين يعلمون أننا تشيعنا، وفي المناطق الريفية يمتنع الناس عن البيع للشيعة أو الشراء منهم". وتنتمي الأغلبية الساحقة من المصريين للمذهب السني. ويعرف عن السنة المصريين حبهم لآل بيت الرسول محمد وهو ما يتفقون فيه مع الشيعة الذين يوالون أهل البيت. بالمقابل يأخذ السنة، ومنهم سنة مصر، على الشيعة ما يسمونه ب"سب الشيعة لصحابة الرسول وزوجته عائشة". ولا يوجد إحصاء دقيق معلن لعدد الشيعة في مصر. وبحسب تقرير الحريات الدينية الذي أصدرته الخارجية الأميركية في العام 2006 فإن الشيعة يشكلون أقل من 1% من عدد سكان مصر البالغ في حينه 74 مليون نسمة أي قرابة 740 ألف شخص. وفي غرفة صغيرة علقت على جدرانها أرفف حوت كتبا شيعية وخصصها للقاءات روحانية مع زملائه الشيعة، يقول ضياء (24 عاما) "السلفيون خائفون من تشيع الناس والابتعاد عنهم لأن ذلك يعني أن قدرتهم على التأثير على الناس ستزول"، معتبرا أن "خطاب الأزهر يعطي غطاء رسميا للتحريض وبث الكراهية والعنف ضد الشيعة". ويعترف الأزهر بالمذهب الشيعي منذ أوائل ستينات القرن الماضي. إلا أن شيخ الأزهر أحمد الطيب انتقد بشدة "المد الشيعي" خلال زيارة قام بها الرئيس الإيراني المنتهية ولايته محمود أحمدي نجاد للقاهرة في فبراير الماضي. وقال الطيب في بيان أصدره بعد اجتماع مع أحمدي نجاد أنه أكد للرئيس الإيراني "رفضه المد الشيعي في بلاد أهل السنة والجماعة"، وطالبه ب"استصدار فتاوى من المراجع الدينية تجرم وتحرم سب السيدة عائشة، رضي الله عنها، وأبي بكر وعمر وعثمان والبخاري حتى يمكن لمسيرة التفاهم أن تنطلق". وأكد الشيخ محمد مهنا مستشار شيخ الأزهر، أن "الأزهر من واجبه الديني والدستوري أن يتصدى لمحاولات تسريب مبتدعات في الدين الإسلامي ومظاهر التطرف والتشدد". ويشكو شيعة مصر كذلك من ربطهم المتكرر بإيران ويقولون إنهم دفعوا ثمنا باهظا لهذا الربط وتعرضوا لملاحقات أمنية شديدة خصوصا قبل ثورة يناير التي أطاحت بحكم الرئيس المصري السابق حسني مبارك في فبراير 2011. وعقب الثورة، رفضت السلطات المصرية خمس مرات محاولات قام بها شيعة مصريون لتأسيس حزب سياسي تحت اسم "حزب التحرير"، معتبرة أن هذا الحزب يقوم على أساس ديني وهو ما يحظره دستور البلاد. وأكد محمود جابر، الأمين العام للحزب، "قالوا لنا بشكل صريح.. لو قدمتم أوراقكم مليون مرة.. لن نقبلها"، وأضاف بإحباط "ذلك رغم أنهم وافقوا على ترخيص حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية للإخوان وحزب النور التابع للدعوة السلفية وكلاهما له انتماء ديني واضح". ويقول الدكتور أشرف الشريف أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في القاهرة أن "مشاكل الشيعة في مصر جزء لا يتجزأ من مشاكل الأقليات بشكل عام". ويضيف أن "الدولة المصرية الحديثة قامت على الهوية المصرية التي لها ملامح دينية ومذهبية معينة وكل ما هو مختلف عنها ينظر له بريبة وشك". ويؤكد الأستاذ الجامعي أن "مشكلة الشيعة الإضافية هي صعود تيار الإسلام السياسي السلفي في مصر عامة خلال الأربعين سنة الماضية ما أدى إلى تأثر الرأي العام المصري بالدعاية السلفية السلبية تجاه الشيعة". وخيمت أجواء تشدد مذهبي على مؤتمر حاشد للإسلاميين عقد السبت الماضي، لنصرة سوريا بحضور الرئيس المصري وتحدث فيه أحد قيادات الحركة السلفية، الشيخ محمد عبد المقصود، واصفا ب"الأنجاس من يسبون صحابة النبي" محمد، في إشارة واضحة إلى الشيعة. وفي أبريل الماضي، اضطر وزير السياحة هشام زعزوع، إثر احتجاجات شديدة من الحركات السلفية، إلى تأجيل قراره بفتح أبواب مصر أمام السياحة الإيرانية لمدة شهرين وقصر زياراتهم على جنوب البلاد خصوصا بعد اعتداء سلفيين على منزل القائم بالأعمال الإيراني في القاهرة مجتبى أماني في أبريل الماضي. وانتشر أخيرا توزيع سلفيين لمنشورات وكتيبات تحذر من الخطر الشيعي ومحاولة الشيعة نشر مذهبهم. وقال شاب ملتح يدعى إيهاب عبد الله وهو يوزع كتيبا معاديا للشيعة أمام أحد مساجد القاهرة "نحاول توعية الناس ضد توغل الشيعة في مصر".