كيف يمكن وصف الموت، ذلك الغريب الذى طاف على الوجه النضر الغض، فخطف منه نضارته وبهاءه، اختفت النظرة الهادئة السابحة خلف زجاج النظارة السميك، وأغلق الفم طاوياً بداخله اللسان الذى لم يكن يكف عن الحركة والكلام، عما قريب سيذوى الجسد الشاب، متوسط الطول، بعد أن تضمه حفرة عميقة فى باطن الأرض، لن يتمكن سيد فتحى بعد ذلك من مباشرة مهام عمله كمحامٍ ومدير لمؤسسة الهلالى للحريات، لن يُرى محمولاً على الأعناق فى مظاهرة خارجة من نقابة المحامين تضامناً مع مظلوم أو صاحب حق، لن يظهر ليلاً على مقاهى وسط البلد ليلتقى أصدقاءه ومعارفه، لن تطأ قدماه أرض جزيرة القرصاية حيث استبسل فى الدفاع عن أهلها ضد الطرد والتشريد، لن يتصدر شاشات الفضائيات التى اعتادت أن تذيع جلسات محاكمة مبارك والذين معه بتهمة قتل الثوار، فيما هو يلقى مرافعاته النارية دفاعاً عن الشهداء الذين راحوا فى أحداث الثورة، لن يتسلل صوته عبر الهاتف فى مداخلات تليفونية بالبرامج التليفزيونية، أو يحضر بنفسه داخل استديوهاتها، لن يكمل ما بدأه من الدفاع عن الناشط أحمد دومة فى القضية المتهم فيها بإهانة رئيس الجمهورية، ولن يتمكن من رصد مصير حركة «تمرد» التى وقع إحدى استماراتها قبيل رحيله بساعات، لن يتواصل مع زملائه على فيس بوك، لن يظهر فى صور جديدة داخل المحكمة وخارجها، لن يشهد ابنته «لينا» ذات الاثنى عشر عاماً وهى تكبر يوماً بعد يوم، لن يفعل سيد أياً مما سبق، فقط لأن القدر اختار أن يضع خاتمة لحياته مساء أمس الأول، فتوفى إثر إصابته بنوبة قلبية عن عمر يناهز الخامسة والأربعين. لأب بسيط يعمل بأحد مصانع النسيج، ولد سيد فى عام 1968، كبر وتعلم وعمل، ثم التحق بكلية الحقوق جامعة عين شمس مطلع الثمانينات، هناك جاءته الفرصة ليمارس العمل السياسى وسط زملائه الطلبة، عبر مظاهرة مناهضة للاحتلال الإسرائيلى أو اعتراضاً عن قرار اتخذته الحكومة، أو دفاعاً عن البسطاء من أبناء هذا البلد، لم يكن غريباً بعد تخرجه أن يلتحق بالعمل بمكتب المحامى أحمد نبيل الهلالى، ذلك القديس اليسارى الذى وهب حياته للدفاع عن العمال والمهمشين والمظلومين وحتى أعضاء الجماعات الإسلامية المتهمين فى أحداث إرهابية، فى مكتب الهلالى تعلم سيد، وعمل، واصل رسالة أستاذه بعد أن نام قرير العين منذ ما يقرب من ثمانية أعوام من خلال مؤسسة الهلالى للحريات التى أنشأها بعد رحيل الهلالى وصار مديراً لها. عشرات القضايا الهامة أوكلت إلى المحامى سيد فتحى، من تشريد العمال جراء قوانين الخصخصة، إلى قتل الثوار المتهم فيها مبارك، مروراً بجزيرة القرصاية، وليس انتهاءً بمعتقلى الثورة، بالتأكيد لن يعرف «سيد» مصير تلك القضايا، بعد أن داهمه الموت، فصرعه قبل أن ينطق القاضى فيها كلمته الأخيرة.