«على المقاتلين فى سوريا أن يقتلوا العلماء الذين يؤيدون بشار، ومن هؤلاء الذين يجب أن يُقتلوا، ذلك الرجل الذى فقد عقله وهويته، الشيخ محمد سعيد البوطى، يجب أن يعمل الجميع على قتله ومن معه وعلى شاكلته». هذه هى فتوى القرضاوى ودعوته لقتل عالم كبير قد تختلف بشدة مع مواقفه السياسية، إلا أنه كان شجاعاً فى الصدع بما أوصله إليه اجتهاده بأنه الحق حسب رأيه، دون مبالاة منه برضا الخلق أو سخطهم عليه، وهناك دلائل قوية تشير إلى استشهاده على يد السفاح بشار، وهو ما أرجحه، لكن من الذى قال إن مقتل الشيخ على يد مجرمى النظام، يعفى القرضاوى من المشاركة بقوة فى تلويث يده بدمائه؟ إذ لا يُستبعد أن السفاح بشار قتله اعتماداً على الفتوى، حيث وجد فيها مخرجاً لقتله، ثم إلقاء التهمة على المعارضة لتشويهها. والاحتمال الثانى أن المعارضة قتلته بوازع دينى؛ لأن القرضاوى، وهو الأب الروحى للمعارضة صور للثوار أن قتل زميله الشيخ البوطى جهاد فى سبيل الله، وكما يقولون: «وراء كل أحمق يُفتى، مجنون يُنفذ»، و«القاتِلُ مَن يَضَعُ الفَتوى بالقَتْلِ وَليسَ المُستفتى». وبعد أن وقعت الجريمة، ونُفِّذت الفتوى، واستشهد الرجل، وقُضى الأمر، خرج القرضاوى ليقول: «أنا أختلف مع البوطى لكن لا أقول بقتله، ولا أقبل أن يُقتل بأى حال من الأحوال، وأدعو له بالرحمة والمغفرة»، تلك هى مشكلة القرضاوى، التهرب من الفتوى، والقفز من الموقف، والتراجع والتناقض فى غير ذى جرأة ولا شجاعة فى الدفاع عما قال، إنها أيضاً مشكلة الجمع بين الموقف ونقيضه، فما إن وقعت الواقعة حتى غيّر القرضاوى جلده، وانقلب على كلامه، بطريقة لا هو ثبت على كلامه ولا اعتذر عنه، شىء ثالث بينهما. يبدو أن القرضاوى الذى دعا بشدة لقتل البوطى، ثم ترحم عليه، اعتاد على فعل الشىء ونقيضه؛ طالما أنه شخصياً فى مأمن، فهو يهاجم أنظمة عربية ولا يشير للترسانة الأمريكية التى تبعد خطوات عن منزله بقطر، ويهاجم علماء السلطان، ثم يتحول لأداة وفق «بوصلة» أمير قطر، ولا يلوم على صديقه القطرى الذى يملك قصراً فى إسرائيل، ثم هو إمام للسلفية فى سوريا، وإمام للسلطان فى قطر، وإمام للوسطية فى بلد ثالث. وفى مصر يقف مع الثوار، ثم يقدم الوقود لمعارك الإخوان ضدهم على حساب القواعد الشرعية، ويصوغ علاقة فريدة مع الإخوان، تتجاوز التنظيم ولا تصطدم به، وينتمى للخط العام للجماعة، ويهاجم مشروعاتها الجانبية، وأحسن معبر عن هذه المعانى الشاعر أحمد مطر، حيث قال فيه: مَولانا الطّاعِنُ فى الجِبْتِ عادَ لِيُفتى **َهتك نِساءِ الأرضِ حَلالٌ إلاّ الأَربعَ مِمّا يأتى: أُمّى، أُختى، امرأتى، بنتى! كُلُّ الإرهابِ (مُقاومَةٌ) **إلاّ إن قادَ إلى مَوتى! نَسْفُ بُيوتِ النّاسِ (جِهادٌ) **إن لَمْ يُنسَفْ مَعَها بَيتى! التقوى عِندى تَتلوّى***ما بينَ البَلوى والبَلوى حَسَبَ البَخْتِ أَبصُقُ يومَ الجُمعةِ فَتوى***فإذا مَسَّتْ نَعْلَ الأَقوى أَلحسُها فى يومِ السَّبتِ! أعمالُ الإجرامِ حَرامٌ **وَحَلالٌ فى نَفْسِ الوَقْتِ! هِيَ كُفرٌ إن نَزَلَتْ فَوقى***وَهُدىً إن مَرّتْ مِن تَحتى!