دكتور حسن، أستاذ علم اجتماع بالجامعة، معروف بوطنيته، يشيع الأمل والتفاؤل فى طلبته.. «علينا أن نوقد شمعة بدلاً من أن نلعن الظلام»، يُقدس العلم ويقدّر العلماء، يَرفع علم مصر على مسكنه الفاخر حين يحصل العالم المصرى الجليل د.أحمد زويل على جائزة نوبل.. يتعرض أثناء رحلته إلى الواحات مع عائلته، بسيارته الفخيمة، إلى عاصفة رملية عنيفة، تطيح به وأسرته ومسافرين آخرين، وتقذف بهم جميعاً إلى منطقة رمال متحركة، يغوصون فيها، لكنه يؤكد لزوجته وأولاده ثقته فى النظام ويُجزم أن «الحكومة حتنقذنا» -وكأنه كان مُغيّباً طوال الثلاثين عاماً الماضية!- تتحرك الحكومة بالفعل لكن على غير ما تمنى، تأتى لتنقذ تِباعاً، الشخصيات الهامة التى تعرضت معه للعاصفة.. الضابط الكبير بأمن الدولة، ثم المستشار بسلك القضاء وأخيراً رئيس جمعية رجال الأعمال، ويتركونه وأسرته نهباً للصحراء والذئاب التى تنقذه وتعود به إلى منزله فى مشهد فانتازى. يخرج الدكتور حسن من هذه التجربة القاسية كافراً بكل القيم، رافضاً الانتماء لهذا الوطن باحثاً عن سُبُلٍ للهجرة منه.. يُنكّس العلم ويعقد اجتماعاً -سوف يتكرر كثيراً فى الفيلم- مع أسرته الكبيرة ليعلن لهم اكتشافه المذهل! أنه لا سبيل للأمان فى هذا الوطن إلّا أن تكون منتمياً أو مقترباً من ثلاث مؤسسات تكفل لك الحماية والأمان: منظومة السلطة السيادية؛ الرئاسة والمخابرات وأمن الدولة، أو من بين أعضاء سلك القضاء بكل درجاته، أو أن تمتلك من الثروة ما يجعلك تحظى بالرعاية والحماية. مُفْتتح ساذج وضعيف لفيلم «فبراير الأسود» يطالعنا به محمد أمين بعد مقدمة إرشادية يقدم فيها د.حسن نفسه وعائلته للمشاهد وصولاً إلى اللحظة التى يقرر فيها أن ينتزع -من قلبه- هذا الوطن.. يبحث مع مجلس العائلة عن أفضل الوسائل للهجرة.. تفشل خططهم السمجة والفجة، واحدة تلو أخرى، ويصعب عليهم الخروج، فيلجأ إلى خطة بديلة بالاقتراب من إحدى دوائر السلطة والنفوذ.. يدبّر عدة محاولات لتزويج ابنته إلى قاضٍ شاب فتفشل الزيجة بسبب نزاهة القاضى الذى يُفصل من عمله لرفضه تزوير الانتخابات، فيفسخ الأب الخطبة ليعيد التجربة، لتفشل ثانية، مع ضابط أمن دولة يُحال للاستيداع لامتناعه عن تلفيق تهمة لأحد النشطاء الأبرياء!! تتكرر على مدار الشريط تلك المحاولات ببلادة وبإيقاع ممل أقرب إلى حلقات الست كوم أملاً فى تقديم كوميديا -يفترض أنها سوداء- تكشف الفساد بكل أنواعه.. السياسى والإعلامى والأمنى بأسلوب فانتازى سبق وأن قدمه محمد أمين، بمهارة فى «فيلم ثقافى» و«ليلة سقوط بغداد»، لكنه فى «فبراير الأسود» افتقر إلى الخيال الجامح الخصب الذى يميز هذا النوع من السينما، غابت عن «فبراير»، رغم حسن النوايا وشرف المقصد، تلك الروح الساخرة المتقدة التى تُحلِّق فوق الواقع مبرزةً تناقضاته، كاشفةً عوراته، لكن السيناريو يقدم نموذجاً هروبياً غير مقنع بدا وكأنه استيقظ فجأة كأهل الكهف أو كان فى حالة غفلة وغيبوبة طوال تلك السنوات. سنة كاملة منذ حادثة الصحراء فى فبراير الأسود عام 2010 حتى فبراير الأبيض 2011 الذى يوقف فيه د.حسن آخر محاولاته لتزويج ابنته من أحد رجال السلطة، على طريقة «ناسبنا الحكومة» حينما يتناهى إلى سمعه الأصوات الهادرة الثائرة تعلن أن «الشعب يريد إسقاط النظام» ليلقى عالم الاجتماع بموعظته الأخيرة.. إننا الآن فى فترة انتقالية وفى انتظار من يؤمن بالوطن ويحرره من الفساد والاستبداد.. أو أننا سنظل «معفنين»!! فيلم فقير، مباشر.. يتماحك بخيال عقيم فى ثورة يناير رغم طزاجة الفكرة التى كانت تستحق جهداً أكبر، وخيالاً أخصب.. ولكن..!!