توقفت راضية نصراوى، المحامية والناشطة التونسية عن الحديث، ورفعت نظرها لأعلى نحو الأفق، ثم قالت بصوت مهتز لم يعتده من يعرفها، فوجئت بردة فعل بناتى بعدما علمن بوضعى على قائمة الاغتيالات، ظلت ابنتى الكبرى تبكى ل3 أيام متواصلة، لم أكن أعلم أنها هشة بهذا القدر، عاودت الصمت وكأن حياتها تمر كلها أمام عينها دفعة واحدة، وتابعت: «عانت بناتى معى ومع أبيهن كثيراً فى أيام حكم بن على، كنا مطاردين وملاحقين من البوليس، كن خائفات»، صمتت ثانية وعادت وكأنها تخاطب نفسها «والآن خوف من نوع آخر». ورغم كل ذلك، قالت «نصراوى»، بصوت واضح قوى: «لن أغير من نمط حياتى بعد وضع اسمى ضمن قائمة الاغتيالات، ولن أغير آرائى التى أنا مقتنعة بها». وقائمة الاغتيالات هى قائمة تضم 100 شخصية سياسية وإعلامية وفنية وضعت للتخلص منهم بعد «شكرى بلعيد»، ويقع على رأسها اسم زوجها حمة الهمامى، السياسى التونسى المعارض. «نصراوى».. المرشحة السابقة لجائزة نوبل للسلام عما قدمته طوال أكثر من 30 عاماً من أجل التونسيين، وإحدى عضوات فريق الدفاع فى قضية اغتيال «بلعيد»، حذرت من اللعب فى نتائج التحقيقات، وأبدت خوفاً أن تجبر هى وباقى فريق الدفاع على أن تضطر للجوء للأمم المتحدة لإجراء تحقيق مستقل وعادل، خصوصاً فى ظل سيطرة وزراء حركة النهضة «إخوان تونس»، على وزارتى العدل والداخلية، وشكت من ازدياد حالات العنف والتكفير فى المجتمع دون إعمال القانون أو تدخل السلطة الحاكمة. * أنت وزوجك ضمن قائمة الاغتيالات، فهل غيرت من طريقة حياتك بعدها؟ - أعيش كما أنا، وليس عندى أية نية فى الاختباء، أو مغادرة البلاد، لكن طبعاً اتخذت إجراءات لحماية نفسى من باب الاحتياط، مؤكد أننى أخشى على بناتى وعلى نفسى لكن لا يمكن أعيش مسكونة بالخوف، أعرف أننى موضوعة ضمن قائمة الاغتيالات، لكن ليس هناك ما أفعله حيال ذلك. * ألم تطلبى حماية من الشرطة؟ - للآن لم أطلب حماية من الشرطة، لكن ربما فى البداية سأحتمى بأصدقائى، وللحقيقة لم أتخذ قراراً فى هذا الشأن، وبالنسبة لى أحياناً ألاحظ أشياء غير عادية، لكنى غير متأكدة، مثلاً أشعر بوجود سيارات غير عادية ربما تراقبنى، لم أتأكد بعد، عندى شكوك لم تتأكد، ربما أطلب فى المستقبل حماية من الشرطة، أو ألجأ لأصدقاء، وعرضوا على فى الحزب أن يرافقنى بعد الرفاق لكن لم أقرر بعد. *هل تشعرين أن حجم الخطر يزيد، خصوصاً بعد اغتيال «شكرى بلعيد»؟ - طبعاً الخطر موجود، لكن للحقيقة لم تصلنى تهديدات واضحة، وهناك كثيرون يقولون لى خذى حذرك، نعلم أنك ضمن قائمة الاغتيالات، وأنا بالفعل أشعر أحياناً كثيرة بمراقبات وسيارات ما، لكنى كما قلت غير متأكدة تماماً. *أمام هذه القائمة، ألم تفكرى فى التخفيف من حدة انتقادك للإسلاميين؟ - كيف أغير رأيى، لا يمكن أن أغير من نقدى للسلطة وهو نقد مبنى على معلومات ووقائع، يعنى أنا أقول إن هناك عنفاً متصاعداً، وتعذيباً ممنهجاً، وذلك بلا أى مبالغة، ماذا أفعل، فهذا هو الواقع، هل آتى الآن وأقول لا يوجد تعذيب والأمور على ما يرام، لا طبعاً لن أغير من كلامى ومن آرائى وسأظل أقول ما أنا مقتنعة به تحت أى ظرف، وإذا مت فعلى كل الأحوال سأموت سواء بسكتة قلبية أو برصاصة غادرة أو بأى طريقة أخرى. *كيف تتعامل بناتك مع فكرة وضعك فى قائمة الاغتيالات؟ - فى الحقيقة لم أكن منتبهة، لكن ابنتى الكبرى فاجأتنى، وظلت تبكى لمدة 3 أيام، بعد أن علمت بأننى ضمن قائمة الاغتيالات، لم أكن أتصور أن تلك القصة ستؤثر فيها، للحقيقة أنا قلت لها بطريقة عادية، إننى وُضعت أنا وأبوها فى قائمة الاغتيالات ولم أكن أتوقع رد فعلها العنيف هذا، وللحقيقة لمت نفسى أننى قلت لها، لكننى فكرت من البداية أن أخبر بناتى بالأمر حتى يتهيأن على الأقل إذا وقع بالفعل اغتيال ولا يفاجأن بالحادث، لكنى وجدتها حساسة وهشة أكبر مما أتصور، -صمتت لحظة وكأنها تسترجع شريط حياتها وقالت- وللحقيقة لقد عانت معنا بناتى كثيراً أيام بن على، كان البوليس يهاجم المنزل بحثاً عن والدهن ومازالت ابنتى الوسطى تعالج لدى طبيب نفسى فى فرنسا من آثار ما تعرضت له مع والدها، سبق وأن جرى توقيفها مع أبيها وفى إحدى المحاكمات اعتدت عليها الشرطة بالضرب المبرح، للأسف بناتى لم يعشن طفولتهن وكنّ دائماً يعانين الخوف. *والآن؟ - خوف من نوع آخر، لكن واضح أنه أصعب عليهن. *بعيدا عن قائمة الاغتيالات، كيف ترين الهجوم على النصب التذكارى ل«بلعيد»؟ - نوع آخر من الاغتيال، فى تونس ومنذ سنتين تقريباً، هناك تحريض على العنف والقتل وهناك حملة تكفير فى المساجد وعلى الشبكات الاجتماعية دون أن تقع أى محاسبة أو تحويل أى شخص للقضاء، ورغم أن القانون التونسى واضح جداً فى هذه الأمور، ويعتبر التحريض أو التهديد بالقتل «جناية»، لكن أحداً لم يتحرك، من ثم كان من المفروض أن تتحرك النيابة العمومية وتفتح تحقيقات حول كل هذه التجاوزات، لكن لم يحدث، القانون موجود ولكنه لا ينفذ، وهذا بالنسبة لى يعنى أن هناك تشجيعاً على المواصلة بالتكفير والقتل، وقد جرى تكفير العديد من المناضلين والمناضلات دون أى تدخل، وهذا ما أدى لاغتيال شكرى بلعيد وما زلنا لا نعرف بشكل دقيق من فعل هذه الجريمة، هناك من يعتبر حركة النهضة المسئولة وهناك من يعتبر «الداخلية» المسئولة، لكن لا يمكن لى كمحامية أن أتخذ موقفاً واضحاً حتى تنتهى التحقيقات، لكن أخشى ما أخشاه ألا يكون التحقيق جدياً وألا يكون موضوعياً، وهذا ما عبر عنه الكثير من التونسيين وعبرت أيضاً عنه أسرة بلعيد. *عائلة «بلعيد» طالبوا بالفعل بفتح تحقيق دولى لعدم ثقتهم فى نتائج التحقيقات الجارية الآن فى تونس؟ - للحقيقة حتى الآن لم يتقدم أحد بطلب رسمى لتحقيق دولى لكن الموضوع طرح، وربما فى صورة ما إذا لم يؤد التحقيق من قِبل القضاء التونسى إلى نتيجة، فيجبر ذلك أفراد العائلة للتوجه إلى الأممالمتحدة، والموضوع نوقش وطرح بالفعل فى أوساط المناضلين، ومع فريق الدفاع عنه، وأتمنى أن يؤدى القضاء دوره على أكمل وجهه، حتى لا يضطر رفاق بلعيد أو أسرته للجوء لأى جهة خارجية. * فى رأيك من المسئول عن اغتيال بلعيد؟ - طبعاً السلطة القائمة مسئولة لأنها لم تتخذ الإجراءات اللازمة ليتوقف نهر التكفير ولم تفتح تحقيقات جدية حول كل الاعتداءات السابقة، والتى قمعها ما يسمى برابطات حماية الثورة، واعتدوا على الناس ولم تحدث أية محاسبة وطبعاً لما نقول السلطة نقول حركة النهضة لأنها هى الممسكة بزمام السلطة. *أنت عضوة فى فريق الدفاع عن بلعيد.. هل تشعرين بأن التحقيقات تجرى بجدية؟ - لا يمكن تحديد ذلك الآن، فالتحقيقات ما زالت فى بدايتها، ولابد أن ننتظر ونرى ما سيحدث، لكن هناك بلا شك حالة عامة من عدم الثقة تسرى بين الجميع، وعندما نتحدث عن تحقيقات بوزارة العدل ووزير العدل هو نفسه أحد أعضاء وقيادات حركة النهضة، فإن ذلك يبعث على عدم ثقة البعض، المشكلة أن الناس غير مطمئنة؛ لأنك عندما تتهم السلطة سواء الداخلية أو حركة النهضة ويكون التحقيقات فى يد الشرطة التى يقودها وزير من النهضة ثم قاضى التحقيقات، ولا نعلم هل سيستطيع فرض طريقته فى التحقيقات أم لا، طبيعى أن تجد حالة من عدم الثقة، أنا مثلاً أرى أنه لم يكن هناك مبرر لأن يستدعى قاضى التحقيقات لفرقة بحث تحقق فى ملابسات الحادث، وأرى أنه كان يجب أن يحقق فيها هو بنفسه. *الأوضاع السياسية الآن فى تونس ملتهبة للغاية، هل تعتقدين أن كل ما يحدث من خلافات بين حزب النهضة وأمينها العام، حمادى جبالى مجرد تمثيلية، أم أن الأخير انقلب على الحركة بالفعل؟ - فعلاً الأمور طالت، وبمجرد أن اغتيل الشهيد بلعيد، خرج الجبالى ليطرح مبادرته المفاجئة، وتوقيتها يطرح تساؤلات، العديد من الناس يعتبرونها مجرد تمثيلية لإلهاء الناس، لكن دعنا نقل إن هذه هى طريقة حمادى فى التعاطى مع الأزمة، لكنها كانت طريقة فاشلة؛ لأنه كان المسئول الأول فى الحكومة، فكيف يطرح علينا أن يغادر كل الوزراء فى حين يبقى هو، كلهم كانوا فاشلين، كان الأجدى أن يرحلوا جميعاً منذ البداية، كان الأجدى أن يناقش كيفية الخروج من المشاكل العديدة التى نمر بها، نحن أمام أزمة اقتصادية كبيرة هناك غلاء وارتفاعات فى الأسعار، وحالة سخط عام بين كل الفئات، فالأطباء غاضبون، والقضاة، كذلك العمال وكل الفئات، حكومة الجبالى فشلت، فكان أجدى أن ينسحب من البداية مع كل رجاله. أما فيما يتعلق بانقلابه على النهضة، أعتقد أن هناك مشكلات بالفعل لأن حمادى صرح بكل وضوح بأنه ناقش الأزمة مع مسئولين أمنيين وقال إنه اتخذ قراره بعد التنسيق مع سلطات أمنية وأعتقد أنه نسق مع الجيش. *هل تعتقدين أن الجيش طرف فى هذه اللعبة السياسية؟ - التقاليد السياسية التونسية والمجتمع التونسى ضد تدخل الجيش فى اللعبة السياسية وأعتقد أنه بعيد لكن هناك أخباراً متداولة أن الجبالى جلس مع بعض قادة الجيش قبل إعلان مبادرته، ومن ثم شجعوه على إعلانها.