ثمَّة ماء كثير يجرى هذه الأيام فى نهر العلاقة بين المؤسسة العسكرية وجماعة الإخوان الحاكمة، وقد بدأت أمور تطفو على السطح تشير إلى أننا بصدد جولة جديدة -قد تكون الأخيرة- من جولات الصراع بين «العِمَّة» و«الكاب». أول هذه الأمور التصريح العجيب الذى أدلى به المستشار أحمد مكى، وزير العدل، وقال فيه: «لا توجد جماعة منظمة وقادرة على إدارة الدولة فى الوقت الراهن إلا جماعة الإخوان، ولا بديل لها إلا حكم الجيش»، فى تلويح واضح بفزاعة «عودة الجيش» حال سقوط حكم الإخوان، ثم تدفق بعد ذلك ما يمكن وصفه بحرب الشائعات بين الطرفين الإخوانى والعسكرى، من بينها شائعة وجود نية لدى الإخوان و«مرسيهم» للتخلص من الفريق «عبدالفتاح السيسى» بإقالته من منصب وزير الدفاع، ثم التصريح الذى انتشر فى العديد من وسائل الإعلام على لسان مصدر عسكرى أكد فيها أن القوات المسلحة لن تقبل بإقالة قائدها، وأن هذه الخطوة تعنى أن النظام ينتحر سياسياً، أعقبتها تصريحات أخرى على لسان من تم وصفه ب«المصدر الرئاسى» أكد فيها أنه لا توجد نية لدى الرئاسة لإقالة «السيسى». وبغض النظر عن صدق أو عدم صدق رسالة التهديد التى بعثت بها المؤسسة العسكرية على لسان المصدر العسكرى إلى النظام الإخوانى، وكذا صدق أو كذب تصريحات المصدر الرئاسى، إلا أن هناك مجموعة من الحقائق على الأرض يجب ألا نتجاهلها، أهمها أن ثمة نوعاً من القلق الذى يشوب العلاقة بين الطرفين الإخوانى والعسكرى، وهو ليس وليد اليوم أو الساعة، بل يرتبط بالمرحلة الانتقالية التى أعقبت الثورة وامتدت لحوالى العام ونصف العام، وتواصلت حلقاتها بعد إقالة القيادات الأبوية المتمثلة فى المشير طنطاوى والفريق سامى عنان، وحل المجلس العسكرى القديم، وإحلال قيادات بديلة على رأسها الفريق عبدالفتاح السيسى ليقود المجلس العسكرى الجديد. فهناك شعور لدى المؤسسة العسكرية -على وجه التحديد- بأن مؤسسة الحكم الإخوانى تنظر إلى الجيش بعين التربص. وقد كانت القيادات العسكرية حريصة، خلال الأشهر الماضية، على التأكيد المستمر أن القوات المسلحة لن تجرب مرة ثانية الانغماس فى الحياة السياسية، بعد تجربتها المريرة خلال المرحلة الانتقالية، وأنها التزمت بوعدها فى تسليم السلطة فى موعدها إلى رئيس مدنى، ورضيت بأن يتبوأ هذا الرئيس مقعد القائد الأعلى، وفى الوقت نفسه قبلت باستقلالية القرار الرئاسى فى التخلص من القيادات القديمة وإحلال قيادات أخرى محلها، لكنها فى كل الأحوال والمواقف كانت تنبه وتحذر من التطاول على القيادات الأبوية (المشير والفريق)، أو تغييب دور الجيش كمؤسسة تقف على مسافة متساوية من جميع الفصائل السياسية، أو التدخل فى شئون الجيش كمؤسسة وطنية لها طابعها الاحترافى، والتزامها الأصيل بحماية الأمن القومى المصرى، خصوصاً فى سيناء، التى تهدف الجماعة إلى «اللغوصة» فيها!