نشر الدكتور أسامة الغزالى حرب مقالاً بعنوان «محنة الإخوان المسلمين» كان موضوعه أن الجماعة تجد نفسها اليوم فى امتحان عصيب، إذ إنهم يحكمون مصر وهو ما سعوا هم إليه سعياً حثيثاً، وتحايلوا وناوروا (من المناورة) حتى وصلوا إلى مبتغاهم ثم تساءل المقال «ماذا هم فاعلون»؟ وبقراءة المقال خطر لى أن المحنة الحقيقية جرّاء حكم الإخوان هى التى يعيشها الشعب حالياً وما ينتظره من بلاء مرشح للتصاعد كلما طال الأمد بحكم الجماعة وتمكنوا من تحقيق مشروعهم للاستيلاء على جميع مفاصل الدولة وتغيير هوية مؤسساتها بما يتفق مع هدفهم بإقامة الدولة الدينية والقضاء على الطبيعة المدنية للمجتمع المصرى. فاستأذنت الصديق د. أسامة فى استكمال عرض توابع حكم الإخوان بكتابة المقال الحالى عن «محنة الوطن مع الإخوان»! وأبدأ باستعراض الرسالة التى وجهها مؤسس الجماعة ومرشدها الأول حسن البنا وأطلق عليها «رسالة التعاليم» وكانت موجهة فى الأساس لأفراد «النظام الخاص» من أعضاء الجماعة والتى أصبحت منهاجاً لتربية كافة أعضائها -بحسب ما ذكره ثروت الخرباوى فى كتابه «سر المعبد»- والتى تبشر المصريين بما ينتظرهم من مآسٍ تحت حكم الجماعة التى عملت فى سبيل الوصول إليه سنوات طوال. فقد وجّه المرشد العام حسن البنا «تعاليمه» إلى الإخوان المجاهدين من الإخوان المسلمين الذين آمنوا بسموّ دعوتهم، وقدسية فكرتهم، وعزموا صادقين على أن يعيشوا بها، أو يموتوا فى سبيلها، إلى أن قال: «هذه الكلمات ليست دروساً تُحفظ، ولكنها تعليمات تنفذ»، داعياً إياهم إلى العمل، محدداً لهم أركان البيعة العشرة، وهى «الفهم والإخلاص والعمل والجهاد والتضحية والطاعة والثبات والتجرد والأخوَّة والثقة». وأخطر تلك الأركان اعتبارها أن الإسلام «جهاد ودعوة أو جيش وفكرة» بما تعنيه تلك العبارة من أن يكون للإخوان جيش يدافع عن أفكارهم، وهو ما يؤكد اعتماد الجماعة على النظام الخاص كأداة للترويع والاغتيالات كما حدث فى مجزرة الاتحادية يوم السادس من ديسمبر الماضى، وأن يكون «رأى الإمام ونائبه فيما لا نص فيه، وفيما يحتمل وجوهاً عدة وفى المصالح المرسلة معمول به ما لم يصطدم بقاعدة شرعية»، وأن يمتنع تكفير «مسلم أقر بالشهادتين وعمل بمقتضاهما وأدى الفرائض برأى أو بمعصية إلا إن أقر بكلمة الكفر، أو أنكر معلوماً من الدين بالضرورة، أو كذّب صريح القرآن، أو فسّره على وجه لا تحتمله أساليب اللغة العربية بحال، أو عمل عملاً لا يحتمل تأويلاً غير الكفر»، أى إن تكفير المسلم واجب على عضو الجماعة إن توافرت تلك الشروط! وجاء العمل المطلوب من الأخ الصادق وفق «رسالة التعاليم» على مراتب تبدأ من «إصلاح نفسه» ثم «تكوين بيت مسلم» ثم «إرشاد المجتمع» بنشر دعوة الخير فيه، ومحاربة الرذائل والمنكرات، وتشجيع الفضائل، والأمر بالمعروف، باعتبار كل ذلك «واجب الجماعة كهيئة عاملة». وفى هذا النص دعوة صريحة إلى إقامة الدولة الدينية بما يفسر المواد التى أُدخلت على الدستور بتأثير أغلبية أعضاء الجمعية التأسيسية من الإخوان وحلفائهم من تيار الإسلام السياسى، ونصّت على التزام «الدولة والمجتمع» فى أمور تفتح الأبواب أمام الجماعة وغيرها من الجماعات الدينية للتدخل فى تنظيم أمور الناس والحد من حرياتهم وحقوقهم بما يتراءى لفكر النهى عن المنكر والأمر بالمعروف، ومثاله القريب حصار مدينة الإنتاج الإعلامى الذى لم تحرك الدولة ساكناً لمنعه أو حتى استنكاره! وتصل مراتب العمل المفروض على أعضاء الجماعة إلى «تحرير الوطن بتخليصه من كل سلطان أجنبى غير إسلامى سياسى أو اقتصادى أو روحى»، ثم «إصلاح الحكومة حتى تكون إسلامية بحق، وبذلك تؤدى مهمتها كخادم للأمة وأجير عندها وعامل على مصلحتها، والحكومة إسلامية ما كان أعضاؤها مسلمين مؤدين لفرائض الإسلام غير متجاهرين بعصيان، وكانت منفذة لأحكام الإسلام وتعاليمه»، ثم تحدد رسالة التعاليم بأنه إذا أصبحت الحكومة إسلامية فمن حقها -متى أدت واجبها- الولاء والطاعة، والمساعدة بالنفس والأموال، فإذا قصرت، فالنصح والإرشاد، ثم الخلع والإبعاد، ولا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق. وتضيف رسالة التعاليم فى شأن الحكومة الإسلامية أنه لا بأس بالاستعانة بغير المسلمين عند الضرورة فى غير مناصب الولاية العامة التى تشمل الوزارة بنوعيها التفويض والتنفيذ والولاة وولاية الجهاد وولاية الحسبة وولاية القضاء وولاية الأقاليم وغيرها من الولايات. فهذه الولايات وما شابهها وما هو أقوى منها أو فى مستواها لا يجوز تولية غير المسلمين عليها! ومع ذلك يتشدق الإخوان المسلمون بشعار «المواطنة»! وقد يكون هذا الالتزام برسالة المرشد حسن البنا السبب وراء نكوص الدكتور محمد مرسى عن التزامه فى اتفاقية فيرمونت بأن يعين نائباً لرئيس الجمهورية من أقباط مصر. وتتوالى «تعاليم» المرشد الأول لجماعة الإخوان المسلمين التى يلتزم بها الحكم الحالى فى مصر، بالحديث عن الجهاد الذى لا حياة للدعوة إلا به، ثم التضحية التى هى ببذل النفس والمال والوقت والحياة وكل شىء فى سبيل الغاية، ثم الأمر بالطاعة وهو امتثال الأمر وإنفاذه تواً. ويكون ذلك على مراحل ثلاث: نشر الفكرة العامة بين الناس، ثم تليها مرحلة «التكوين باستخلاص العناصر الصالحة لحمل أعباء الجهاد وضم بعضها إلى بعض، ونظام الدعوة -فى هذه المرحلة- صوفى بحت من الناحية الروحية، وعسكرى بحت من الناحية العملية، وشعار هاتين الناحيتين أمر وطاعة من غير تردد ولا مراجعة ولا شك ولا حرج». ثم تأتى مرحلة «التنفيذ» وهى مرحلة جهاد لا هوادة فيه، وعمل متواصل فى سبيل الوصول إلى الغاية. ويتبع المرشد تعاليمه بالحض على «الثبات» وهو «أن يظل الأخ عاملاً مجاهداً فى سبيل غايته مهما بعدت المدة وتطاولت السنوات»، والتجرد بمعنى «أن تتخلص لفكرتك مما سواها من المبادئ والأشخاص»، ثم يدعو إلى الأخوة التى تربط القلوب والأرواح برباط العقيدة، كما يبث فيهم الدعوة إلى الثقة وهى «اطمئنان الجندى إلى القائد القائم على الطاعة». وبعد العديد من النصائح والإرشادات الأخلاقية اختتم المرشد حسن البنا رسالته بقوله: «فخذ نفسك بشدة بهذه التعاليم، وإلا ففى صفوف القاعدين متسع للكسالى والعابثين. وأعتقد أنك إن عملت بها وجعلتها أمل حياتك وغاية غايتك، كان جزاؤك العزة فى الدنيا والخير والرضوان فى الآخرة، وأنت منا ونحن منك، وإن انصرفت عنها وقعدت عن العمل لها فلا صلة بيننا وبينك». إن محنة الوطن مع حكم الإخوان بادية للعيان، فلا لمدنية الدولة، ولا للمواطنة، ولا للحقوق والحريات السياسية أو الاقتصادية، ولا لولاية المرأة ولا الأقباط، ولا لسيادة القانون. فهل بقى من الثورة شىء؟ ولك الله يا مصر.