صدر تقرير الطب الشرعى حول مقتل «محمد الجندى» ليؤكد رواية وزير العدل بأنه قُتل نتيجة حادثة سيارة! وقصة الجندى تتطابق تطابقاً مذهلاً مع قصة الابن الغالى «خالد سعيد» الذى جاء تقرير الطب الشرعى أنه قُتل على أثر ابتلاع لفافة سوليفان بها مخدرات، وكان أمناء الشرطة يحاولون إنقاذه وأن ما جاء به من إصابات بشعه أحدثها بنفسه عندما ارتطم بالأرض وهو يحاول الهروب، ونحن لم ننسَ، لكن أعتقد أن من الواجب تذكير مَن فى السلطة بأن خالد اغتيل على يد اثنين من أمناء الشرطة نتيجة الضرب المبرح والتعذيب القاتل، كانت الواقعة كاشفة بأن التجاوزات الأمنية ليست فقط ضد المجرمين كما كان يروج النظام الساقط، وإنما ضد كل المصريين. وجاء تعامل المسئولين مطابقاً لحالة الجندى، بدءاً من حماية الجناة، إلى تزوير تقرير الطب الشرعى، الأمر الذى رفع الوعى الشعبى وأكد للجميع أن نظام الحكم يستخدم التعذيب بشكل منهجى أيضاً استنفر الطبقة الوسطى التى عادة ما تسمى الأغلبية الصامتة والتى كانت تعتقد أنها بعيدة كل البعد عن تجاوزات النظام. وبعد سنتين من الثورة التى أشعلها خالد، قُتل محمد بنفس الطريقة، فقد خُطف وعُذب واغتيل لأنه ممن كان يعتقد أن انتخاب مرسى نصر للثورة وأن الميادين موجودة إذا لم يلتزم بمبادئها، ولأن مرسى لم يلتزم أكمل الشاب العظيم نضاله عبر الإنترنت الذى أشعل الثورة سابقاً وفى الميادين، لذا اغتياله كان ضرورة للنظام. وككل الأنظمة القمعية يعرف النظام أن الموت وحده لا يرهب بل قد يكون أملاً لكثير من المناضلين خاصة بعد تعاظم مصطلح الشهادة حتى عند المناضلين من غير المتأسلمين، لذا الاغتيال وحده لا يكفى لكن الأهم هو التعذيب البشع الذى يرهب كل من تسول له نفسه المعارضة. وسواء ابتلع محمد الجندى السيارة أو هى التى ابتلعته فالنتيجة واحدة؛ أن الشاب اغتيل لأسباب سياسية، وهو ليس الوحيد وإنما معه الكثيرون، وأن التعذيب ما زال منهجياً بل أصبح أكثر قسوة وعلانية ويستدعى تحقيقاً جاداً يبدأ من ندب لجنة ثلاثية للتشريح والاستماع إلى شهادة الشاهد على تعذيبه بجدية وشهادة الأطباء المحترمين الذين عاينوا جثمانه، وتتبع القرائن والأدلة حول المسئولين عن خطف وتعذيب الشباب ومحاسبة المسئولين فى المعسكرات والأماكن التى تتم فيها هذه الجرائم، وأن يتوقف السيد وزير العدل عن إهانة نفسة وتاريخه رأفة بنا، لأن صدمتنا فى كل من تحدث عن استقلال القضاء تكاد تذهب ببقايا الثقة حتى فى أنفسنا. كل هذه الإجراءات لا بد منها لأن المتغير الذى لم يرصده النظام أن الشعب الذى خرج وأسقط مبارك لن يُرهب ويقبل الاستبداد مرة أخرى، فأم محمد مثل أم خالد مثل كل أم مصرية تشعرنا بالتقزم أمام قوتها وصبرها وشجاعتها وتحديها ووعيها وفصاحتها وإصرارها على حق شهيدها وشهيدنا. وإن جيل خالد ومحمد هو أعظم وأنبل وأشرف وأشجع من أنجبت مصر، هذا الجيل الذى تخطى كل حديث الذكريات عن النضال، وسقطت تحت أقدامه كل قصص اليساريين والقوميين والإسلاميين والليبراليين عن سجون أو معتقلات أو تعذيب أو تنظيمات، جيل تجاوز كل أسقف الخوف، ولا يرهبه الحديث حول العنف، ويفتح صدره للرصاص، ويقدم جسده للتعذيب والانتهاك، جيل مصرٌّ على استكمال ثورته، وسينجح.