تعتبر الدروس الحسنية واحدة من الطقوس الرمضانية التى تميز المغرب عن باقى الدول العربية والإسلامية، وهى سنّة حميدة أنشأها الملك الراحل الحسن الثانى منذ سنة 1963، وحافظ عليها وريث عرشه الملك محمد السادس. والدروس الحسنية هى سلسلة دروس دينية تلقى كل شهر رمضان فى حضرة أمير المؤمنين ملك البلاد وتحت رئاسته الفعلية بحضور كوكبة من العلماء والمشايخ ومشايخ الصوفية والدعاة والقراء والمفكرين والمثقفين من المغرب وخارجه، بغض النظر عن مذاهبهم وتوجهاتهم الفكرية، سواء كانت سنية أو شيعية أو إباضية، وهم جميعاً يحلون فى ضيافة العاهل المغربى طيلة أيام الشهر، حيث يكون حجهم السنوى إلى المغرب فرصة لإلقاء الدروس والمحاضرات وتبادل الأفكار والآراء ومناقشة شئون الأمة والمشاورة فى إيجاد حلول لها وفق منهجية علمية. ومن المتوقع أن يشارك من مصر هذه السنة ثلة من المشايخ والعلماء، على رأسهم وزير الأوقاف محمد مختار جمعة، وفضيلة مفتى الجمهورية الشيخ شوقى علام، وفضيلة الشيخ على جمعة، ومستشار الرئيس للشئون الدينية الدكتور الشيخ أسامة الأزهرى، بالإضافة إلى نقيب الأشراف وكيل مجلس النواب، السيد الشريف. هذه السنّة الطيبة التى أسسها ملك المغرب منذ فجر الاستقلال؛ وإن كانت تؤرخ لما قبل 1963 حيث حرص سلاطين المغرب على هذه الدروس الدينية وحظيت بعناية خاصة فى عهد الدولة العلوية، حيث ثم تكريم العلماء وتعظيمهم من خلال مجالس علمية فى رمضان تناقش فيها أمور الدين والشريعة وعلم الحديث والفقه وعلوم التفسير وغيرها من العلوم الدينية؛ هى فرصة أولاً لإعادة الاعتبار للعلماء والفقهاء والتأكيد على مكانتهم ودورهم الفعال فى حصانة الأمة. بذلك أصبحت هذه الدروس الرمضانية مؤسسة إسلامية دستورية، تمخضت من رحمها الكثير من القرارات والتوصيات، منها قرار المغفور له الحسن الثانى بإنشاء دار الحديث الحسنية؛ وهى جامعة إسلامية تهتم بعلوم الحديث والفقه والعلوم الشرعية الأخرى؛ وقراره المتعلق بالمحافظة على اللغة العربية وقرار آخر متعلق بإجبارية أداء فريضة الصلاة فى المدارس الابتدائية والثانوية والجامعات، كما أعطيت عن طريقها تعليمات بختم القرآن الكريم خلال شهر رمضان عبر موجات الإذاعة ومن خلال شاشة التلفزة، وأنشأ على أثرها جلالة الملك محمد السادس إذاعة خاصة بالقرآن الكريم تسمى «إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم» وغيرها من القرارات التى تصب فى وسطية الدين واعتداله. وكأبهى صورة لنقل صورة الاعتدال والتسامح والحق فى الاختلاف فقد اعتلى منبر الدروس الحسنية نخبة من العلماء، من بينهم الشيخ «جاد الحق على جاد الحق» والشيخ «محمد سيد طنطاوى»، والشيخ «متولى الشعراوى»، والشيخ «عبدالفتاح أبوغدة» والزعيم الشيعى الإمام «موسى الصدر» وغيرهم كثير، بالإضافة إلى ثلة من العلماء المغاربة، لكن التفرد المغربى حدث عندما اعتلت هذا المنبر عالمات دين مغربيات، وكان ذلك أهم تحول شهدته هذه الدروس منذ انطلاقها، حيث عمل الملك محمد السادس فى 2003 على استضافة العالمة الدكتورة رجاء الناجى المكاوى كأول امرأة تعتلى المنبر وتلقى درساً أمام قائد دولة فى كل العالم العربى. ومنذ ذلك الوقت، توالت الخطيبات والعالمات المغربيات على منابر الدروس الحسنية، حيث تعتلى المرأة المنبر وتقوم بإلقاء الدرس الدينى أمام الملك وكبار الفقهاء والعلماء. بهذه الدروس الحسنية الرمضانية عبر المغرب عن نجاعة دبلوماسيته الدينية وتفرده فى تدبير الحقل الدينى، وعبر عن تشبثه بقيم الاعتدال وإيمانه بالاختلاف، ومن خلال هذه الدروس استطاع المغرب أن يتحصن ضد التطرف والغلو والإرهاب بعدما باتت المملكة قبلة لمئات العلماء من مختلف الأطياف جمعتهم جلسة واحدة وهدف واحد وهو ترسيخ لغة الحوار مهما بلغت درجة الاختلاف، ولهذه الدروس قيمة ودور فى توعية وبناء شخصية المسلم المعتدل التى باتت مهددة بعدما سيطر الفكر الظلامى المتشدد الذى بات يستهدف ويستقطب شباب الأمة تحت حجج واهية بعدما غابت صور الإسلام السمح عن سلوكنا وثقافة مجتمعاتنا. نحن اليوم فى أشد الحاجة لمواجهة كل التيارات المعادية لسماحة الدين الإسلامى، ونحن بحاجة إلى تعميم هذه المجالس العلمية التى تجمع العلماء المعتدلين وتكرمهم وتعطيهم فرصة للتعبير عن صحيح الدين وتمثيله بوسطيتهم واعتدالهم حتى يكونوا نبراساً يتم السير على خطاهم ويتم الاقتداء بعلمهم والحرص على دورهم فى تحصين الانحرافات الدينية، ونحن بحاجة إلى أن نلتف جميعاً حول دين معتدل نؤمن به ونروج له ويكون لنا حامياً وواقياً من كل التيارات المتطرفة والإرهابية.