انطلقت مساء اليوم (أول أيام شهر رمضان) بالمغرب الدروس الحسينية التى يترأسها الملك محمد السادس. ويقام افتتاح الدروس الحسينية بالقصر الملكى بالرباط بحضور العاهل المغربي الملك محمد السادس ويلقى الدرس الافتتاحى السيد أحمد التوفيق وزير الأوقاف والشئون الإسلامية متناولا بالدراسة والتحليل موضوع (أبو العباس السبتي ومذهبه في التضامن والتوحيد). وترتبط الدروس الحسينية بالمغرب بشهر رمضان الكريم منذ أن أطلقها الملك الراحل الحسن الثاني سنة 1963 لتستمر دون انقطاع إلى عهد نجله الملك محمد السادس ، ما أعطاها زخما يفوق الجانب الديني إلى أبعاد تلامس ما هو سياسي وحضاري أيضا. وتشير الدراسات المغربية أن الدروس الحسنية جاءت فى مرحلة تاريخية وسياسية حساسة واستطاعت الاستمرارية رغم ما تتطلبه من إعداد وطقوس وبروتوكول مرهق ومكلف مصاحب لها ، وهي آلية دينية لا تخفى دلالاتها الرمزية والإشعاعية على الملك وعلى مكانة البلاد وصورتها كمنبر للاعتدال والتسامح والابتكار وهو ما يفسر قرار الاحتفاظ بها. ومن بين أهداف الدروس الحسينية السعي لإعادة إحياء ثقافة جديدة في مجتمع مغربي يعيش مرحلة التحول من التقليد للحداثة ، لا سيما بعد الخروج من الاستعمار ، وبروز مؤشرات نمو وتطور التوجه الماركسي بامتداداته الشيوعية والاشتراكية ، أمام الانحسار الذي كانت تشهده الثقافة التقليدية والمحافظة. وعلى المستوى العلمي الشرعي ، أعطت الدروس الحسينية دفعة معنوية للعلوم الشرعية بمختلف تخصصاتها ، في مرحلة شهدت الفلسفة وباقي العلوم الإنسانية تطورا نوعيا على المستوى المنهجي والمعرفي ، وهو ما تنبه له الملك الراحل الحسن الثاني ، كما لاحظ أن القنوات التقليدية لإنتاج العلماء كجامعة القرويين ، لم تعد كافية لتغطية الضعف العلمي والفراغ الميداني الذي تشهده في مرحلة تأسيس الدولة العصرية وباقي المؤسسات المنبثقة عنها وهو ما حدى به فيما بعد لتأسيس دار الحديث الحسينية كمؤسسة أكاديمية تعتنى بتخريج علماء الحديث والباحثين. وإذا كان المغرب يعيش آنذاك تعددية سياسية وحزبية ، فإن واقع الحال كان يكرس أحادية الفكرية مهيمنة يقودها الفكر الماركسي ، التي فطن لها الملك الحسن الثاني خلال مرحلة الستينات والسبعينات، فكانت بداية التفكير في آليات فكرية وعملية لإرساء نوع من التوازن الإيديولوجي والاجتماعي والسياسي، كي لا تنقلب كفة المد الماركسي ، وتفضي لتغيير موازين القوى التي كان الملك الراحل مدركا لخطورة تأثيراتها. وتوزعت أهداف الدروس الحسينية بين ما هو أهداف دينية عرفت بالحفاظ على الهوية الدينية المغربية ، وتأكد هذا الهدف بالحفاظ على استمرارية هذه الدروس لأكثر من خمس عقود ، بل إن هذه الدروس شكلت مؤخرا مجالا لمنافسة دول أخرى للمغرب في هذا المضمار وأهداف تاريخية تسعى لإعادة إحياء موروث ثقافي علمي ، تمثل في حضور السلاطين والملوك حلقات العلم والذكر، واحتكاكهم بالعلماء ، وكانت آلية تاريخية مهمة لإضفاء الشرعية على الحاكم. وتوضح الدراسات المغربية أن هناك هدفا حضاريا للدروس الحسينية يتمثل في ابراز الخصوصية المغربية والحرص على إقامة هذه الدروس الدينية وفقا لطقوس معينة بشكل أغنى التجربة المغربية ، بإتاحة الفرصة لعلماء وباحثين مغاربة لإلقاء الدروس الحسينية، وهو ما شكل دفعة معنوية للعلماء والفقهاء على التنافس والعطاء في حقل العلوم الشرعية. أما الشرعية الدينية ، فهي ترتبط بالصفة الدينية السياسية للملك كأمير للمؤمنين يمزج بين الوظائف الدينية والسياسية ، وتشكل الدروس الحسينية بالطقوس المصاحبة لها فرصة لتقوية الشرعية الدينية التي بدأت تبرز أهميتها فيما يسمى بالدبلوماسية الدينية ، والسعي لتمديدها.