فى السابع عشر من أبريل 2016م، وأثناء المؤتمر الصحفى المنعقد بمناسبة زيارة الرئيس الفرنسى فرانسوا أولاند للقاهرة، صرّح الرئيس عبدالفتاح السيسى بأنه لا يمكن قياس مستوى حقوق الإنسان فى مصر حسب المعايير الأوروبية، مؤكداً أن مصر تعيش فى ظل حرب مع الإرهاب ووسط منطقة إقليمية مضطربة. وأضاف الرئيس السيسى أن «مصر حريصة على أن تؤكد أنها دولة مدنية حديثة، وأنها دولة وليدة تأخذ أولى خطواتها كدولة ديمقراطية حديثة فى الشرق الأوسط، ونحن حريصون على أن يكون هناك مفهوم أوسع وأعمق للحريات وحقوق الإنسان فى مصر». ويبدو أن الرئيس قد أراد التعبير عن هذا المفهوم الواسع من خلال القول إنه بالإضافة إلى الحريات وحقوق الإنسان، فإن توفير التعليم الجيد وتوفير المسكن الجيد والعلاج الجيد والوعى الجيد هو حق من حقوق الإنسان. وقد أثار هذا التصريح الجدل من جديد حول مبدأ عالمية حقوق الإنسان. إذ يرفض البعض التذرع بالخصوصية الثقافية للتحلل من الالتزام بحقوق الإنسان، مؤكداً أن مبادئ حقوق الإنسان عالمية. ويشير هؤلاء إلى المادة 93 من الدستور المصرى لعام 2014م، والتى تنص على أن «تلتزم الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التى تصدّق عليها مصر، وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقاً للأوضاع المقررة». ومن ثم، يخلص هؤلاء إلى أن عالمية حقوق الإنسان لم تعد محل نقاش، بل كل الدساتير فى العالم أجمعت على الالتزام بها، بما فى ذلك الدستور المصرى (الأستاذ حافظ أبوسعدة، عالمية حقوق الإنسان.. المعايير واحدة، جريدة «الوطن»، الخميس 21 أبريل 2016م). فى المقابل، قد يشكك البعض فى عالمية حقوق الإنسان، زاعماً أو متوهماً أن المبادئ القانونية التى ضمنتها الوثائق الدولية المختلفة المتعلقة بحقوق الإنسان تترجم إلى حد كبير أفكاراً عن الفرد والمجتمع والدولة، تستمد مصدرها من الثقافة الغربية، مهما كانت هذه الوثائق الدولية قد تم التصديق عليها بواسطة دول تمثل ثقافات مختلفة. وقد قيل تبعاً لذلك إن نظام القيم الذى تعكسه المبادئ القانونية للوثائق الدولية لحقوق الإنسان لا يستمد جذوره من ثقافة معظم الأمم غير الغربية، الأمر الذى يجرد هذه المبادئ من الصفة العالمية، لأنها تعتمد على تفسير خاص لحقوق الإنسان يرتبط بثقافات غربية تتسم بالاستعلاء وتحتمى وراء الأيديولوجيا السياسية الليبرالية والديانة المسيحية، لكى تضفى الصفة العالمية على معتقداتها. وقيل أيضاً إن الترويج لعالمية حقوق الإنسان إنما يُقصد به السعى لتحطيم التنوع بين الثقافات وتمهيد الطريق نحو القول بتجانس ثقافى يرتد إلى أصل واحد. وما يهمنا التأكيد عليه فى هذا الصدد هو أن حقوق الإنسان ليست مفهوماً غربياً، وإنما هى إرث مشترك للإنسانية، انطلق من الحضارات والثقافات المختلفة عبر التاريخ. نعم قد تختلف المسميات من مجتمع لآخر، ومن حقبة زمنية لأخرى، ولكن جوهر حقوق الإنسان ما هو إلا الحرية والعدل والمساواة والكرامة والتضامن. وهذه المبادئ الخمسة هى جوهر وصلب معظم الحضارات والثقافات إن لم يكن كلها (د. أحمد فتحى سرور، ثقافة حقوق الإنسان، محاضرة ألقيت فى مكتبة الإسكندرية، 20 ديسمبر 2008). ومع ذلك، ورغم تأكيدنا على أن حقوق الإنسان إرث مشترك للإنسانية، وعلى الرغم من الإدراك الكامل بضرورة التزام مصر بالمواثيق الدولية التى تم التصديق عليها بواسطتها، فإنه لا يمكن إغفال أن الدول الغربية تعمد إلى تبنى تفسير خاص بها لبعض الحقوق والحريات، لا يحترم العقائد الدينية والخصوصيات الثقافية للشعوب الأخرى. وللتدليل على ذلك، يكفى أن نشير إلى الحملات التى تمارسها بعض الدوائر الغربية ضد الرموز الإسلامية تحت ستار حرية التعبير. كذلك، تصر الدول الأوروبية والتقارير الدولية على ضرورة إلغاء عقوبة الإعدام، دون مراعاة أن هذه العقوبة قد ورد النص عليها فى الشريعة الإسلامية من خلال النصوص القرآنية المقررة للقصاص. ومن هذا المنطلق لا يجوز أن ننساق وراء القول بعالمية حقوق الإنسان دون التأكيد على ضرورة احترام الخصوصيات الدينية والثقافية للشعوب. إذ ينص إعلان وبرنامج العمل الذى أقره المؤتمر الثانى للأمم المتحدة لحقوق الإنسان المنعقد فى فيينا عام 1993م على مبدأ ضرورة احترام الخصوصيات الثقافية والدينية للشعوب مع التأكيد فى ذات الوقت على أن هذه الخصوصيات لا تخل،ّ أو بالأحرى ينبغى ألا تخل، بعالمية حقوق الإنسان. كذلك، فإن قرارات وتوصيات الجمعية العامة للأمم المتحدة ولجنة حقوق الإنسان ثم مجلس حقوق الإنسان فى جنيف تبدو جميعها قد حسمت وجوب احترام الخصوصيات الثقافية والدينية للشعوب لدى تناول موضوعات حقوق الإنسان. وعلى هذا النحو، يمكن فهم تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسى بأنه أراد التأكيد على ضرورة احترام الخصوصيات الدينية والثقافية والاجتماعية للشعوب، وألا تقصر الدول الغربية اهتمامها على الحقوق المدنية والسياسية مع الإغفال التام للتقدم الحاصل فى مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.