شعرها الناعم كليل أسود يتطاير فى الفضاء، يصل إلى عنان السماء، يتلون بلون الشمس الذهبية، بلون القمر الفضى لينشر النور والجمال فى كل مكان، تركض كمهرة عربية أصيلة بين الألوان، تمزج بينها، تعيش فى حضنها فتشعر بالحياة.. تلك هى فرشاة الألوان، تتنقل بينها فى علبة صغيرة فتلون الكون كله بخفة ورشاقة، تترك الألوان بصمتها على جسدها الرشيق، فتصير كفراشة تزين جناحيها أجمل الألوان. صحت الفرشاة ذات صباح على ضوضاء، سمعت صياحاً وشجاراً، نهضت فرأت كل الألوان كل منها ترك مكانه فى العلبة واشتبك مع الآخرين فى صراع، وقفت الفرشاة بينها فى دهشة وحيرة! وأخيراً تنبهت الألوان لوجودها كان شعرها الأسود يتطاير فى غضب، اقترب منها اللون الأحمر قائلاً فى ثقة: ألست أنا ملك الألوان، أنا لون الفداء، لون دماء الشهداء التى لولاها ما كان النصر، ما كان المجد للدول فى أى مكان، ضحك اللون الأزرق ساخراً.. وقال: أنت لون الدم، لون العنف، فقال اللون الأحمر ثائراً أنا لون الجمال، لون زهور الربيع الحمراء، الورد البلدى والقرنفل، لون ثمرة التفاح، رد الأزرق فى تحد: ما زلت يا أحمر لون الحرب والدمار.. علا صوت اللون الأحمر وقال: أنا لون النار، أعظم اكتشاف عرفه الإنسان فى كل العصور والأزمان، رد الأزرق فى غرور قائلا ً للون الأحمر: تفخر بأنك الأقوى لا شىء يقف أمامك كالنار، لكنك لن تستطيع أن تقف أمامى فأنا البحر والمحيط وكل الأنهار التى تطفئ فى ثوانٍ ألسنة اللهب والنار.. واقترب اللون الأزرق من الفرشاة الحزينة وقال: أنا ملك الألوان، أنا البحر والسماء، الكون كله ملكى، من مثلى فى جميع الألوان.. نظرت إليه الفرشاة ساخرة حزينة ولم تعلق على الكلام! وفجاة اهتزت بشدة علبة الألوان، كان اللون الأصفر يتقدم وسط أنابيب الألوان فاصطدمت ببعضها البعض وتألمت، لم يهتم اللون الأصفر بما فعل وقال: من يجرؤ على منافستى! أنا الأصفر ملك الألوان.. لون الشمس التى من دونها تنتهى الحياة، فتذبل الأزهار وتجف أوراق الأشجار، من دونى يختفى الليل والنهار.. أنا لون الذهب ملك المعادن، إذن فأنا من دون شك ملك الألوان.. وسأل اللون الأصفر الفرشاة قائلاً فى ثقة: ما رأيك يا فرشاتى الجميلة فى هذا الكلام؟ صمتت الفرشاة وسمعت صوتا يأتى من خلفها، كان اللون الأخضر يحذرها قائلاً: إياك أن توافقى فرشاتى العزيزة على هذا الكلام، أنا ملك الألوان، أنا لون الحياة، لون الزرع والنماء، لون الخير والعطاء. من دون كلام غمست الفرشاة شعرها الأسود فى الماء وبرشاقة اقتربت من اللون الأصفر ورسمت دائرة صفراء، فرح اللون الأصفر، سألت الفرشاة الألوان: ما هذه الدائرة؟ صمتت الألوان وفى ثوانٍ اتجهت الفرشاة للون الأزرق فغمست شعرها بين أمواجه وقالت: من دون اللون الأزرق لن توجد السماء، ومن دون السماء، لن تشرق الشمس ولن ينمو الزرع الأخضر ويعم الخير والرخاء. توارت الألوان كلها خجلاً من الفرشاة وذهب كل منها لمكانه فى علبة الألوان بعد أن عرف كل منها أنه وحده لا يساوى شيئاً من دون الآخرين.. وقفت بينها الفرشاة وقالت: من دونكم كلكم تتوقف الحياة، تماما مثل ألوان قوس قزح السبعة نراها بعد المطر تطرز السماء ثم تتحد كلها لتكون لوناً واحداً تندمج كلها فيه بحب وانسجام، لون الشمس الذهبية، لم تتشاجر يوما ويشعر كل منها أنه وحده ملك قوس قزح فى السماء.. شعر اللون الأخضر بالعطش فاقترب منه الأزرق ليروى ظمأه فانتشر اللون الأخضر يكسو الأرض بالخير والجمال، ذبلت أشجار التفاح الحمراء، أشرقت الشمس الذهبية ونضجت ثمار التفاح ليفرح بها الصغار والكبار. تجمعت كل الألوان فى دائرة حول الفرشاة وقالت لها فى صوت واحد: أنت يا فرشاة ملكة الألوان، قال اللون الأحمر: تحبين كل الألوان من دون تمييز، وقال الأزرق: وتعدلين بينها من دون تحيز.. فقال الأصفر: كل منا يتمنى أن تقتربى منه، تلمسه خصلات شعرك الأسود فتمنحه شرارة الحياة.