في انتخابات مجلس الشعب عام 1987 أصدرت المحكمة الدستورية العليا حكما بعدم دستورية الانتخابات البرلمانية وتم حل مجلس الشعب وأعيدت الانتخابات من جديد بعد ثلاث سنوات، فهل هذا السيناريو قابل للتكرار خلال الشهور المقبلة، بعد قرار هيئة مفوضي المحكمة الدستورية الصادر صباح اليوم الأحد، بحجز الدعوي الخاصة ببطلان انتخابات مجلس الشعب في تقريرها لكتابة التقرير والسماح للخصوم بتقديم المذكرات خلال شهر من تاريخه؟ وما موقف مرشحي الرئاسة من مثل هذا القرار، خاصة أن معظم هؤلاء المرشحين من المنتمين للأحزاب، وما إذا كان سيُطعن علي قرار ترشحهم؟ كل هذه التساؤلات وغيرها تصاعدت بعد إحالة المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة بعض نصوص قانون مجلس الشعب إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستوريتها، تلك النصوص التي تنص علي عدم قصر الانتخابات الفردية على المرشحين المستقلين غير المنتمين لأي حزب من الأحزاب السياسية بما يترتب عليه مزاحمة مرشحي الأحزاب السياسية لهم في المقاعد التي يجب أن تخصص لهم. وورد في حيثيات القرار أن بعض النصوص المتعلقة بكيفية تكوين مجلس الشعب لم تلتزم بما تضمنه من مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بعدما خرجت هذه النصوص على هذين المبدأين، ففرضت أولوية وأفضلية للأحزاب ومرشحيها، خاصة أنها جعلت انتخاب ثلثي الأعضاء بنظام القوائم الحزبية والثلث الآخر بنظام الانتخاب الفردي، رغم أن الشرعية الدستورية تستوجب أن يكون انتخاب نصف الأعضاء بنظام الانتخاب الفردي والنصف الآخر بنظام القوائم الحزبية حسبما يؤكد د.مصطفي كامل السيد، استاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الذي ذكر أن هذه القسمة تم العدول عنها إلى القسمة لحالتي الثلثين للأحزاب والثلث فقط للمستقلين. وأوضح كامل أن الانتخابات الفردية لم تكن قاصرة على المستقلين وإنما أتاحت مشاركة المنتمين للأحزاب لهم في ثلث المقاعد التي يجب أن تخصص لهم بما يخل بمبدأ تكافؤ الفرص، رغم أن الشرعية الدستور توجب قصر الترشيح والانتخاب بالنسبة لمقاعد الانتخاب الفردي على المستقلين فقط وفقا لمرسوم قانون 120 لسنة 2011 الذي يشترط فيمن يتقدم للترشيح لعضوية المجلس بنظام الانتخاب الفردي ألا يكون منتميا لحزب سياسي، إلا أن هذا الشرط ألغى المرسوم بقانون 123 لسنة 2011 بما جعل النصوص الحالية مشوبة بعدم الدستورية لأنها بذلك فرضت فرصتين لمرشحين لمجرد الانتماء الحزبي الذي لم يفرضه القانون وبما يخل بمبدأ تكافؤ الفرص، الأمر الذي يستحيل معه ممارسة المرشح المستقل حقه السياسي في الترشيح على قدر المساواة في منافسة متكافئة على مرشحي الأحزاب السياسية. فيما ذكر النائب البرلماني أبو العز الحريري، المرشح لرئاسة الجمهورية وصاحب دعوي بطلان انتخابات مجلس الشعب، أن المحكمة الدستورية العليا كان أمامها الحكم بالبطلان دون تحويل ذلك التقرير إلي هيئة مفوضي الدولة، لكن يبدوا أن هذا التأجيل قد جاء لمعالجة المأزق القانوني والفراغ الدستوري الذي يترتب علي صدور القرار في ذلك التوقيت، فضلا عن تمرير الإنتخابات الرئاسية المقبلة في ظل الإعلان الدستوري القائم وصلاحيات رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة غير الواضحة. وأوضح الحريري قائلا "اننا إذا كنا فى بلد يحترم نفسه بالفعل، لحاكمنا كل من ساهم فى هذه المسخرة، وعزلناهم عزلا كاملا حتى لا يفسدوا الحياة السياسية مجددا، لجرائمهم التى أهدرت دماء الآلاف من الشهداء الأبرار والضحايا الابرياء، وأساءت إلى الثورة الفريدة التى أبدعها شعبنا، وأضاعت ما يزيد عن عام من عمر وطننا بلا عائد، وألقت فى صندوق القمامة بضعة مليارات، من أموال شعب يعانى من الفقر والحاجة، هى تكاليف انتخابات شكلية مزيفة وباطلة، فى جوهرها". ومن جانبه أكد د.مصطفي علوي،رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن أخطر ما في قضية حل البرلمان نزول عدد لا بأس به من مرشحي الرئاسة المنتمين للاحزاب ممن سيتم الطعن علي ترشحهم نتيجة العوار الدستوري في الإعلان الصادر بعد الثورة، فضلا عن توقف الامر علي تاريخ صدور مثل هذا القرار، وما إذا كانت الإنتخابات الرئاسية قد تُحسم منذ الجولة الأولي، إضافة إلى اشكالية صلاحيات رئيس الجمهورية أو القائم علي شئون الرئيس فهل ستستمد من الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس من العام الماضي، أم كيف سيواجه ذلك القرار الدستوري الجديد؟. وأضاف علوي ان ثمة بدائل نظرية أمام رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة، الذي لن يكون امامه سوي وضع اعلان دستوري مؤقت مكملا للإعلان القديم في مدة أقصاها شهرين، ومن ثم لابد من إصلاح العوار الدستوري السابق، موضحا أنه في حالة صدور حكم من المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية تقسيم الدوائر الإنتخابية فإن البرلمان سيُحل بصفة كاملة وتجري الإنتخابات التشريعية مجددا علي كافة المقاعد، لكن إذا ما صدر الحكم بعدم ترشيح الأحزاب على المقاعد الفردية، التي تبلغ نحو ثلث المقاعد فتعاد الإنتخابات البرلمانية علي هذا الثلث فقط دون ترشح من قبل الأحزاب، وأكدت المحكمة الإدارية العليا أن الإعلان الدستوري لا يرقى بحاله إلى مرتبة الدستور ويجب أن يصدر عن إرادة مباشرة للمواطنين والتي تم التعبير عنها عن طريق الاستفتاء والقول بخلاف ذلك غير دستوري. وأفاد علوي أنه في حالة صدور القرار بعد شهر من الآن فإن هذا يؤدي إلي فراغ دستوري كبير في ظل الصلاحيات غير الواضحة لرئيس المجلس الاعلي للقوات المسلحة، بالمقارنة بصدور القرار بعد ثلاثة شهور من الإنتخابات الرئاسية وبقاء المشير حسين طنطاوي في مرحلة الإعادة بعد وضع الدستور الجديد. ومن جانبها تصف سكينة فؤاد، نائب رئيس حزب الجبهة الديمقراطية، المشهد العام في مصر بالضبابية وتقديم المصلحة الخاصة علي مصلحة الوطن العليا نتيجة حالة الصراع السياسي والحزبي الراهنة ومن ثم يجب مراجعة كافة القوانين التي صدرت بعد الثورة وتفتقد للشرعية الدستورية . وتتسائل فؤاد عن المستفيدين من الطعن في شرعية البرلمان ولماذا في هذا التوقيت تحديدا، مؤكدة علي خطورة بطلان الإنتخابات التشريعية علي الإنتخابات الرئاسية القادمة الذي ربما يؤدي إلي توقف انتخابات الرئاسة، فضلا عن نقل كافة الصلاحيات التشريعية إلي المجلس الأعلي للقوات المسلحة، القائم بشئون رئيس الجمهورية، الأمر الذي يقود إلي تأزم الأوضاع الدستورية. بينما يري نبيل زكي، القيادي بحزب التجمع، أن الإنتخابات النيابية كان يجب أن تجري بالقائمة النسبية لولا قرار المجلس العسكري بتحديد نسبة الثلث للمقاعد الفردية والثلثين للقوائم الحزبية في انتخابات مجلسي الشعب والشوري. وتوقع زكي قلة فرص حزب الحرية والعدالة عن حصد المزيد من المقاعد في الإنتخابات القادمة وأكد د.عاطف البنا، الفقيه الدستوري، أن القضية لن تنتهي بتقديم تقرير ببطلان الإنتخابات النيابية، إنما سيستغرق ذلك العديد من الجلسات حتي صدور القرار النهائي الذي لن يصدر قبل عامين من تقديمه. وأشار المحامي القبطي ممدوح نخلة إلي أنه سيتم تقديم التقرير بعد الإنتخابات الرئاسية واختيار رئيس منتخب للبلاد وعندما يتم انتخاب برلمان جديد سيعاد عرض كافة القرارات الرئاسية الصادرة بأثر رجعي علي مجلس الشعب ليوافق عليها أو يرفضها، موضحا ان هذا ليس القرار الأول من نوعه واستشهد نخلة بتجربة برلمان 87 الذي تم حله وتشكيل برلمان جديد بعد ثلاث سنوات من صدور القرار .