بعد الانتهاء من الدستور المصرى ستشهد مصر بإذن الله الانتخابات التشريعية الثانية، وذلك بعد عام تقريبا من انتخابات مثيلة كانت هى البداية الحقيقية لمصر الثورة، والتي خاض فيها الشعب المصري بأحزابه ومستقليه هذه التجربة بكل إيجابياتها وسلبياتها. ثم تم حل هذا المجلس بسبب قانون أصابه العوار بالرغم من إصداره فى وجود مستشارين من المحكمة الدستورية وهو ما تسبب في إهدار مليارات الجنيهات فضلا عن أوقات ثلاثين مليون مواطن نزلوا من بيوتهم ليدلوا بأصواتهم فى أجواء شتوية متقلبة. وهذا يدعونا للتساؤل كيف سنصيغ قانون الانتخابات القادم ؟ فسمة وضع القوانين فى السابق كانت انعكاسا طبيعيا لنفس السمات الفوضوية لكل شئ فى مصر فى تلك الحقبة، فالقوانين (وترزيتها) مثل كل شئ كانت تفصل من أجل مصالح خاصة بفئة معينة على حساب المصالح الوطنية العامة. لذلك فإن مصر الثورة تستحق أن يكون لها توجهات وآليات جديدة فى طريقة صياغة القوانين، واسمحوا لى فى هذا المقال والمقال القادم أن أعرض وجهة نظرنا (حزب الوسط) فى هذا الشأن. هناك ثلاثة محاور أساسية يجب أن تؤخذ فى الاعتبار عند وضع القانون. أولا :- الرؤية والهدف بمعنى هل سنضع القانون من أجل مصر بوضعها الاجتماعى والثقافى والاقتصادى الراهن .. أم سنضع القانون من أجل مصر التى نريدها و ننشدها بعد عشر سنوات مثلا ؟ ثانيا:- القوانين المرتبطة أى هل سنضع القانون بمعزل عن حزمة من التشريعات المتعلقة بقانون الانتخابات التشريعية ، مثل قانون المحليات و قانون مباشرة الحقوق السياسية ... إلخ ؟ ثالثا :- ما هى الاجراءات والآليات والضمانات اللازمة لخلق مناخ عادل للإنتخابات ؟ فبناء مصر الجديدة يستوجب حتما الإستعانة بعلوم الإدارة الحديثة وعلوم التخطيط الاستراتيجى التى تؤكد أن أى عمل يجب أن يسبقه رؤية وأهداف ... فما هى رؤيتنا للعمل السياسى فى مصر بعد عشر سنوات من الآن و كيف سنبلغه ؟ بعد عقود من الاستبداد والفساد واجهت فيها مصر حالة من التصحر السياسى والتجريف الطبقى و الاجتماعى و الذى أدى الى عزوف سياسى من قبل المواطنين وانفراد بالحكم من قبل السلطة، وجب علينا أن نأخذ فى اعتبارنا و نحن نفكر فى اختيار النظام الانتخابى الأنسب لمصر أن نضع الرؤية أمامنا و هى - بناء تعددية سياسية حزبية تستطيع أن تتداول السلطة سلميا و تقدم برامجا وحلولا يمكن من خلالها بناء مصر الحديثة - ثم نصيغ قانونا يعالج التشوهات التى نتجت عبر عقود من الفساد والاستبداد ويحقق الاهداف المنشودة لتلك الرؤية . ولكى نفعل ذلك فعلينا ببساطة أن نعقد مقارنة بين النظم الانتخابية المعمول بها فى العالم ثم نختار الانسب منها لتحقيق بغيتنا . ولنبدأ بنظام القائمة النسبية والذى يتبناه حزب الوسط لنطلع على إيجابياته وسلبياته. أما الايجابيات ومن منطلق الخبرة والممارسة و تحقيق الأهداف فيمكن أن نلخصها فى ثلاث مميزات: 1. تفعيل الحياة الحزبية .. لأن نظام القائمة سيعطى فرصة أكبر للتمثيل الحزبى فى البرلمان بغرفتيه، كما أنه سيعرف الناس بالبرامج الانتخابية للأحزاب التى يجب أن تكون محور إختيار الناخب، كما أنها ستفعل الدور الرقابى والتشريعى المناط بنائب البرلمان والذى انحرف لفترات طويلة عن دوره الرئيسى بسبب إنشغاله بالخدمات المباشرة للمواطنين والتودد إلى الوزراء والحكومة التى انتخب لكى يراقبها. 2. يعطى تمثيلا أكبر للكفاءات والكوادر من العلماء والنساء والأقباط ، عن طريق وضعهم فى مراكز متقدمة من القائمة الحزبية .. وهو ما لا يتم فى النظام الفردى بسبب العادات و الثقافات الانتخابية الموروثة عبر عقود من القهر والفساد السياسى . 3. تسهيل الاجراءات الانتخابية .. مثل الفرز لصغر حجم القائمة وسهولة الاختيار . 4. عدم اهدار أصوات ورغبات الناخبين .. لأن النظام الفردى يهدر أصوات الخصم مادامت أقل من 50% و فى المقال القادم سنتعرض لسلبيات هذا النظام .. كما سنلقى نظرة على النظم الاخرى .. و نستكمل المحورين الأخرين.