1- فيلم "3 أيام إليكترونية" قدم مخرجه محمد يوسف نعمان فكرة قيّمة، تتمثل فى الصراع الداخلى لفتاة تراودها رغبة فى خلع الحجاب، وقد وضعت حداً لإتخاذ قرارها فى خلال أيام أجازتها الثلاثة من العمل. إنه مبدأ انسانى ثرى ليقوم عليه فيلم قصير، وقد أوضح المخرج جيداً ما يجيش فى صدر بطلته، وأتقن تجسيد معاناتها بشكل بارز يضع المتفرج فى موضع المتورط بقوة فى مشكلة هذه الفتاة، حيث جاء الديالوج بينها وبين نفسها معبراً وملماً بشتى مواضع ألمها. ولكن المشكلة أن المخرج هنا لم يكتفى بأهمية فكرته، بينما صعد بها إلى مستوى أضر بكل ما بناه من قبل، وأخد من رونقه، فالفتاة فى بداية الفيلم وهى تُحادث الله، تخبره أنها لا تقوى على مخاطبته جهراً ولذلك سنتنتوى أن تراسله بريدياً، وما فائدة المراسلة إذا إن كان غرض المحادثة كتابياً من الأساس نفى لعثمة الكلمات العلنية، وإفساح مجال أوسع للتخاطب بينها وبين الله بعفوية وتلقائية قد يقتلها الكلام المنطوق، فمن الكافى أن تدون الفتاة ما تريد قوله، إن الله مطّلع على القلوب، فبإمكانه الإطلاع على بعض وريقات، إن فكرة المراسلة، هى الفكرة البراقة التى حسب المخرج أنها ستضيف إلى الفيلم، وهذا السبب ذاته هو ما دفعه لتسمية فيلمه بهذا الإسم، إن الأيام التى عايشتها الفتاة فى حيرة وصراع ليست أيام إليكترونية ولا علاقة لها بالمراسلة، إنها ستظل أيام مناجاة بينها وبين ربها، لن يرتقى بها نوع الوسيلة التى تمت بها والتى جاءت دون أى محل من الإعراب. تنفيذ الفيلم على مستوى الصورة بخلاف الجودة التقنية بدا عادياً، وفى المنتصف لجأ إلى حيلة زهيدة لملأ الوقت، ظهرت فيها الفتاة وهى تؤدى رقصة متواضعة بينها وبين مانيكان مستخدمة الحجاب فيما بينهما، ففى هذا العرض الراقص الذى لم يتم له الإعداد كما ينبغى، طال الوقت، وعم الإرتباك خطوات البطلة التى أدت إلى اللا معنى فى النهاية، وغيرت مزاجية المشاهدة، وأنمت عن قلة حيلة المخرج فى ابتكار ما هو أهم لإستغلال وقت فيلمه. ولكن على أى حال جاءت نهاية الفيلم، قوية ومنطقية، لحق بها المخرج إيقاع فيلمه إلى حد ما، وعاد به إلى مستواه الأول، فى المصارحة وصياغة المشاعر وحقيقيتها. 2- فيلم "ليل" المخرج أحمد رشدى، إختار أن يقدم فيلمه دون كلمة واحدة، ففى صورة ناضجة وعلى قدر هائل من التقنية، عبر عن فكرته فى رمزية موفقة، مثيرة للفضول وتشى بذكاء منفذيها، فهى المشكلة الأكثر انتشاراً ما بين الشباب على وجه الخصوص، فيما يرتبط بتعسف طلبات أهل الفتاة التى يسعون إلى الزواج منها، بما يدعوهم إلى العجز وقلة الحيلة، والأدهى انصياع الفتاة لمطالب أهلها، واذعانها لهم، دون أدنى مقاومة. لخص رشدى هذه المعاناة فى مادة مصورة مبهرة، مُلغزة، تتطلب من المتفرج تحصيل شفراتها، التى لا يمكن الإلمام بها إلا بعد مرور وقت ما على بداية الفيلم، فهذه الشخوص الغامضة، والفتاة المكبلة بالقيود بينهما، والموسيقى التى جاءت ملائمة لهذه الأجواء الغامضة، دعت إلى التماهى مع ما يحدث، وإضفاء مزيد من الشغف على معرفة ما سيأتى بعد فى هذه البيئة الصحراوية الموحشة التى تلف الحدث بأكمله. كادرات رشدى أدركت أجواء ما يحدث، ونقلته بحالته الموترة الباعثة على القلق، متناغماً مع موسيقى الخلفية، وخالقاً الحالة اللائقة بالمعنى. ففى النهاية، فيلم ليل من الأفلام القصيرة القليلة التى توافرت فيها الإمكانيات التقنية مع قدرات صانع الفيلم ليخلقا فيلما مناسب لا يحتاج إلا لشىء من التكثيف، ولكنه ينبأ عن مخرج واعد ومحنك. 3- ساعة فى اليوم من الذكاء أن يستعين مخرج الفيلم بيتر صمويل فى هذا الفيلم بالممثل لطفى لبيب ونظيره المنتصر بالله، لأن سيناريو الفيلم قائم فى الأساس على العلاقة الإنسانية التى تربط بين بطلى الفيلم المريضين وقد جمعهما القدر فى غرفة واحدة بالمستشفى، والتى تحتاج إلى شىء من الحقيقية فى صياغتها، يعد التمثيل هو أهم مدعاتها، وهى النقطة التى تغيب للأسف عن ذهن الكثير من مخرجى الأفلام القصيرة، فيرتضون أن ينفذوا أفلامهم بأناس لا يفقهون مثقال ذرة أداء أمام الكاميرا، فإستعانة صمويل فى هذا الفيلم بهؤلاء الممثلين بما فيهم من لعبت دور الممرضة -وهى فتاة غير مشهورة ولكنها مؤدية قوية- نقطة تُحسب له . الفيلم يتحدث عن الساعة التى يتم فيها فتح نافذة غرفة المريضين، والتى تمثل لكل منهما أهم جزئية فى اليوم، وبدءاً من هذه التفصيلة تنشأ صداقة حميمة بينهما، يقوم فيها عم حسن "لطفى لبيب" على اعتباره الأقرب من النافذة بسرد ما يرى لصاحبه فى السرير المجاور. وكما أوضحت سابقا، القوة الموجودة فى هذا الفيلم، تكمن فى قدرة تجسيد هذه العلاقة على مستوى الأداء، وخصوصا فى ذكاء وحضور لطفى لبيب على وجه الخصوص، ففى مناطق ضعف الحوار، والتفافه حول نفسه، كان وجود لبيب كافياً على أن يشوش على هذه السقطات التى تعدد منها الكثير، فمثلاً من المفترض أن نكتشف أن عم حسن فى النهاية ضرير، وهو الأمر الذى يصدم صديقه حينما يكتشف بعد وفاته هذا، وهو ما يدعو إلى السخرية واللامنطق، فمن الصعب أن يتجاور صديقين فى غرفة واحدة لمدة طويلة إلى حد ما، ولا يصادف أن يعلم أحدهم عن الآخر أنه ضرير، إلى جانب أن المتفرج ذاته، لم يتفاجىء، فهو على علم من البداية من طريقة أداء عم حسن وتكنيك نظراته وإلتفاتاته، فمن الغرابة أن يقوى على استيعاب هذه النهاية التى تفرض عليه أن يساير عدم تصديق زميل عم حسن الذى وصل إلى هذه الحالة من البلاهة فى استيعاب ما يحدث حوله. القطع فى الفيلم لم يكن على المستوى الكافى من الإحترافية، ولم يكن بينه وبين الصوت أى نوع من التواءم الكافى لكى يشعرنا بالقفزات المونتاجية، وكذلك جاءت حركة الكاميرا، التى بدت فى أوقات شديدة البدائية، وقد صمم صمويل على أن يزيد نهاية الفيلم سطحية حينما وضع أغنية، تضج بالمعانى المباشرة عن فكرة الإرادة التى تنفى عن الآخرين الظلام الذى يحيون فيه، وعن معنى حب الحياة .. إلخ .