فى اوائل القرن العشرين، قاد "راسل" الشاب ابن العشرين ربيعاً، ثورة فكرية فى بريطانيا "ضد المثالية" كناشط بارز في مناهضة الحرب، وأحد أنصار التجارة الحرة ومناهضة الإمبريالية". استطاع "برتراند أرثر ويليام راسل" على مدار 76 عاما من الكفاح والعمل والعلم، منذ تخرجه عام 1893 فى تخصص الرياضيات والفلسفة بكلية "ترينتى" بكامبريدج، ان يخوض فى مراحل مختلفة من حياته معارك ضد "المثالية"و"الامبريالية والحرب" ليسكت بفلسفته التحليلية وبالمنطق أصوات "البندقية والحرب " فى بريطانيا والعالم. سجن بسبب نشاطه الداعي للسلام خلال الحرب العالمية الأولى، قام بحملات ضد أدولف هتلر وانتقد الشمولية الستالينية وهاجم تورط الولاياتالمتحدة في حرب فيتنام كما كان من أنصار نزع الأسلحة النووية. الجدة "الكونتيسه" وطفولة "راسل" كانت للكونتيسه راسل "الليدى فرانس إليوت" اثرا كبيرا فى طفولة راسل، بعد ان توفيت والدته يونيو 1874 منالخناق، ولحقتها اخته "راشيل" التي كبرته بأربع سنوات، وبعد ان توفي والده في يناير 1876 من التهاب القصبات الحاد. بعد معاناة طويلة مع الاكتئاب وضع كل من"فرانك" الذي كبر "راسل" بسبع سنوات، فى رعاية جديهما الفكتوريين الذين سكنا في بيمبروك لودج في ريتشموند بارك. توفي جون راسل، إيرل راسل الأول، وجد برتراند الذي شغل منصب رئيس الوزراء عام 1878 ويتذكره برتراند عجوزاً طيباً مقعداً. ومن هنا، كانت أرملته، الكونتيسة راسل الشخصية الأسرية المهيمنة طوال طفولة راسل وشبابه. ولدت الكونتيسة لأسرة اسكتلندية مسيحية، وعلى الرغم من تحفظها الديني، الا انها ارائها التقدمية فى مجالات أخرى ساهمت فى نظرة "راسل" الى العدالة الاجتماعية. خيمت الوحدة على مراهقة برتراند الذي كثيراً ما فكر بالانتحار. وذكر في سيرته الذاتية أن أكبر اهتماماته كانت الدين والرياضيات وأن رغبته في تعلم المزيد من الرياضيات ردعته عن الانتحار. تلقى تعليمه في المنزل على يد عدد من المدرسين الخصوصين. عرَفه شقيقه فرانك بأعمال أقليدس والتي حولت حياة راسل وفي سيرته الذاتية يقول "أمضيت كل أوقات فراغي أقرأ أعماله وأحفظها عن ظهر قلب وفي حين لم أعرف أحد أستطيع الحديث معه عما فكرت أوشعرت به كنت أتصور كم من الجميل أن أعرف شيلي وأتسائل إن كنت سألتقي أحداً من الأحياء يثير تعاطفي." ادعى راسل أنه ومنذ عمر الخامسة عشر أمضى وقتاً طويلاً في دراسة صحة العقيدة المسيحية وقرر في الثامنة عشر التخلي عنها تماماً. " منحة دراسية.. منحته العالمية" فى عام 1886، قبل حصول "راسل" على منحة من كلية"ترينتى" فى كامبريدج، لدراسة الرياضيات والفلسفة، نشر له كتاب"الديمقراطية الاجتماعية الألمانية"باللغة الانجليزية، والذى يعد دراسة سياسية ومؤشر مبكر لاهتمامه بالنظرية السياسية والاجتماعية، الى ان حاز على منحة دراسية إلى كلية ترينتي في كامبريدج حيث باشر دراسته هناك عام 1890. تعرف في كامبريدج على جي.إي. مور وتأثر بألفرد نورث وايتهيد الذي أوصى به إلى حواريِ كامبريدج. برز بسرعة في الرياضيات والفلسفة وتخرج عام 1893 وحاز الزمالة عام 1895، ومن هناك كانت بدايات "راسل" بشكل علمى وممنهج. "الفيلسوف" وطلاق مرتين.. و علاقات عاطفية عديدة "الحذر في الحب هو غالبا أكثر أنواع الحذر فتكا بالسعادة الحقيقية".. من اقواله الماثورة والتى تفسرها حياته العاطفية المشوشة التى عاشها "راسل".. فى البدايةسرعان ما وقع في حب " أليس" خريجة كلية براين مور بالقرب من فيلادلفيا وخلافاً لرغبة جدته تزوج راسل أليس في 13 ديسمبر 1894. بدأ زواجهما بالانهيار عام 1901 عندما خطر لراسل أثناء ركوبه الدراجة أنه لم يعد يحب زوجته. وسألته إن كان يحبها وأجابها بالنفي. ولم يعجب راسل بوالدة أليس واجداً إياها مهووسة بالسيطرة وقاسية. كان زواجهما صدفة مفرغة وتطلقا أخيراً عام 1921 بعد فترة طويلة من الانفصال. وخلال هذا الفترة خاض راسل علاقات عاطفية عدة مع عدد من النساء منهن الليدي أوتلين موريل والممثلة الليدي كونستنس ماليسون. فى عام 1920زارت عشيقة راسل "دورا بلاك" روسيا ،وكانت متحمسة للثورة في حين سحب راسل دعمه لها بسبب ما خبره هناك. كتب راسل ممارسة ونظرية البلشفية بالإنجليزية،عن تجاربه في هذه الرحلة التي ضمت 24 أخرين عادوا إلى بريطانيا، وعمل رسل فى تلك الفترة محاضراً في الفلسفة في بكين لعام واحد حيث رافقته دورا. ذهب راسل إلى الصين ملؤه التفاؤل والأمل حيث كانت البلاد مقبلة على درب جديد. وفي الصين، مرض راسل بذات الرئة ونشرت الصحف اليابانية أخبار كاذبة حول وفاته. ولدى زيارة الزوج اليابان على طريق رحلة العودة، أخبرت دورا العالم أن " السيد برتراند راسل، والذي توفي وفق الصحافة اليابانية، لا يستطيع منح الصحافيين اليابانيين لقاءً"، ولم تجد الصحافة في الإعلان ظرافة ولم تستغ السخرية المقصودة. وعند عودتهما إلى إنجلترا في 26 أغسطس 1921، كانت دورا حاملاً في الشهر السادس ورتب راسل طلاقاً سريعاً من أليس وتزوج دورا بعد ستة أيام من نهاية معاملات الطلاق بتاريخ 27 سبتمبر 1921. ولد لهما جون كونراد راسل بتاريخ 16 نوفمبر 1921 وكاثرين جاين راسل (الليدي كاثرين تايت) بتاريخ 29 ديسمبر 1923. واعتاش راسل خلال هذه الفترة على كتبه الشعبية عن الفيزياء والقيم والتعليم. ورجح البعض تورط راسل بعلاقة عاطفية خلال هذه الفترة مع فيفيان هاي-وود أولى زوجات تي.إس. إيليوت. ومع دورا، أسس راسل مدرسة "بيكون هيل" التجريبية 1927، وأديرت المدرسة من مواقع مختلفة ومنها موقعها الأصلي في منزل آل راسل وتيليغراف هاوس قرب هارتنغ غرب سسكس. ولد لهم طفل ثالث الإبنة هارييت روث بتاريخ 8 يوليو 1930. وفى عام 1931 توفى أخيه الأكبر فرانك . وبعد أن ترك راسل المدرسة عام 1932 غلب التشنج على علاقة الزوجين وبلغ حده الأقصى عند إنجاب دورا طفلين من الصحفي الأمريكي غريفن باري، انفصلا عام 1932 وتطلقا في النهاية. "راسل" .. الاكاديمى والمتخصص درس كتاب الديمقراطية الاجتماعية الألمانية في كلية لندن للاقتصاد حيث حاضر أيضاً عن علم السلطة في خريف 1937. كما كان أحد أعضاء "كذا" من المصلحين الاجتماعيين والذي أسسه عام 1902 على يد سيدني وبياترس ويب. بدأ راسل آنذاك في دراسة مكثفة عن أسس الرياضيات في كلية ترنتي حيث اكتشف مفارقة راسل, والتي تحدت أسس نظرية المجموعات. نشر عام 1903 أولى كتبه المهمة عن المنطق الرياضي مبادئ الرياضيات مبيناً فيه كيفية استنباط الرياضيات من مجموعة صغيرة من المبادئ ومسهماً في قضية الفكر المنطقي،و في عام 1905 كتب مقالته عن التدليل "بالإنجليزية"،" On Denotingوالتي نشرت في دورية أصبح عام 1908 زميلاً في المجتمع الملكي. نشرت أولى مجلدات مبادئ الفلسفة والتي كتبت بالشراكة مع وايتهيد عام 1910 إلى جانب مبادئ الرياضيات التي سرعان ما أكسبت راسل شهرة عالمية في مجاله. أصبح عام 1910 محاضراً في جامعة كامبردج حيث قابل طالب الهندسة النمسوي لودفيش فيتغنشتاين والذي أصبح أحد طلبة الدكتوراه والذي اعتبره عبقرياً وخليفاً يستطيع استكمال عمله حول المنطق. أمضى راسل ساعات في معالجة رهاب فيتغنشتاين ونوبات اكتئابه المتكررة. كثير ما استنزف ذلك طاقة راسل إلا أن إعجابه بفيتغنشتاين استمر وحثه على التطوير الأكاديمي بما في ذلك نشر كذا عام 1922. أعطى راسل محاضراته عن الذرية المنطقية ونسخته عن هذه الأفكار عام 1918 قبل نهاية الحرب العالمية الأولى وفي حين كان ما زال فيتغنشتاين أسير حرب. الحرب العالمية الأولى .. و""راسل خلال الحرب العالمية الأولى، كان راسل بين قلة من المفكرين الذي شاركوا في نشاطات سلمية حيث صرف عام 1916 من كلية ترنيتي بعد اتهامه تحت كذا. غُرم بمبلغ 100 باوند استرليني رفض دفعه على أمل أن يسجن إلا أنهم باعوا كتبه في مزاد لجمع الغرامة. اشترى أصدقاؤه الكتب وثمن فيما بعد نسخته من إنجيل الملك جايمس المختومة ب"مصادرة من قبل شرطة كامبردج." استرد وظيفته عام 1919 واستقال عام 1920 وكان محاضر كذا عام 1926 وأصبح زميلاً عام 1944-1949. اتهم لاحقاً بالقاء محاضرة علنية ضد دعوة الولاياتالمتحدة دخول الحرب إلى جانب بريطانيا مما أدى إلى سجن راسل ستة أشهر حيث أطلق سراحه في سبتمبر 1918. وفي أغسطس 1920، سافر راسل إلى روسيا ضمن وفد رسمي بريطاني لبحث آثار الثورة الروسية، والتقى فلاديمير لينين وكان له معه حديث ساعة، وفي سيرته الذاتية، يذكر راسل أنه وجد "لينن" مخيباً للآمال ملتمساً فيه "قسوة شقية" ومقارناً أياه ب"بروفسور متشبث بآراءه"،وأبحر في نهر الفولجا على ظهر باخرة. سنوات "راسل" الأخيرة ووفاته نشر راسل سيرته الذاتية في ثلاثة مجلدات في 1967 و1968 و1969. كتب في 23 نوفمبر 1968 إلى التايمز قائلاً أن التحضير من أجل المحاكم الصورية في تشيكوسلوفاكيا كان مقلقاً للغاية. في الشهر نفسه ناشد راسل الأمين العام للأمم المتحدة لدعم لجنة جرائم حرب دولية للتحقيق في جرائم الولاياتالمتحدة المزعومة في جنوبفيتنام في الشهر التالي، احتج للأكسي كوسجين على طرد ألكسندر سلوزنستن من اتحاد الكتاب. في 31 يناير 1970، أصدر راسل بياناً يدين العدوان الإسرائيلي في الشرق الأوسط داعياً إلى انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة عام 1967. وكان هذا البيان أخر موقف سياسي لراسل. وكان قد قرأ في المؤتمر الدولي للبرلمانيين في القاهرة يوم 3 فبراير 1970 يوماً بعد وفاته. جدير بالذكر ان، ولد برتراند راسل في 18 مايو 1872 في رايفنسكروفت، تريليش، مونماوثشاير في ويلز ،بانجلترا، لأسرة ليبرالية أرستقراطية، وتوفي راسل إثر إنفلونزا حادة في 2 فبراير 1970 في منزله في بلاس بينرهن في بنهرنديدرث في ميريتنشاري في ويلز. أحرقت رفاته في كلوين باي في 5 فبراير 1970. وحسب وصيته، لم تقم احتفالية دينية ونثر رماده على الجبال الويلزية لاحقاً ذاك العام. وفي عام 1980، أقيم نصب تذكاري لراسل بتكليف من لجنة ضمت أي. جي. أير. ويتألف النصب من تمثال نصفي لراسل في ميدان ريد ليون في لندن نحته مارسل كوينتن، ورحل عن عمر يناهز 97 عاما.