أودعت محكمة جنايات القاهرة برئاسة المستشار مجدي حسين عبد الخالق وعضويه المستشارين مدني دياب مهران ومحمد علي عبد الرحيم، وأمانه سر محمد عبد العزيز. وقالت المحكمة في حيثيات حكمها ببراءة توفيق عكاشة الذي صدر في جلسة 8 يناير الجاري: أنها محصت الدعوى عن بصر وبصيرة وفطنت الى أدلة الثبوت التي قام عليها الاتهام ووازنت بينها وبين أدلة النفي، وداخلتها الريبة والشك في صحة عناصر الإثبات. أما بالنسبة للاتهام بالتحريض علانية على ارتكاب جريمة القتل بإهدار دم رئيس الجمهورية، فإن الثابت من مطالعة الأوراق والاسطوانات المدمجة أن عبارة إهدار الدم جاءت في سياق حديث بعبارة عامة غير موجهة الى رئيس الجمهورية او غيره، وكان من المتعين قانونا ان تكون تلك العبارة صريحة ومحدده وليست غامضة وتوافر صلة السببية المباشرة بين التحريض على ارتكاب الجريمة. والجريمة ذاتها وهو مالم يتوافر في الاتهام المسند للمتهم بشأنها وهو ما نفته أيضا تحريات قطاع الأمن الوطني، أما بالنسبة للاتهام بإهانة رئيس الجمهورية بأن بث المتهم عبر قناته الفضائية ببرنامج "مصر اليوم" العبارات المبينة بوصف الاتهام فإنه لما كان من المقرر وفقا لنص المادة 45 من الدستور الحالي التي تنص على "حرية الفكر والرأي مكفولة ولكل انسان حق التعبير عن رأيه بالقول او الكتابة او التصوير او غير ذلك من وسائل النشر والتعبير". وحيث أنه من المقرر أن النقد المباح هو ابداء الرأي في أمر او عمل دون المساس بشخص صاحب الامر أو العمل بغية التشهير به، وأن حرية الرأي والتعبير قيمة عليا في حياة الناس وهي من مصادر الخلق والابداع وتنمية الخيال الأدبي والفني في كل الاتجاهات الممكنة، فضلا عن أنها تعطي الأمل والثقة للناس في قيام نظام اجتماعي وسياسي سليم يحترم الفرد ويقدر مشاعره وضميره الأدبي. وتعطي حرية التعبير للإنسان القدرة على المشاركة بإخلاص وفاعلية في الحياة الاجتماعية العامة والمساهمة في دفع التقدم الاجتماعي الى الأمام مما لا يفسح المجال أمام نمو النفاق الاجتماعي وطغيان الانتهازية وسيادة العلاقات المزيفة القائمة على المصالح الشخصية البحتة التي تجد ضالتها في عهود الظلام وكبت الحريات. كما أن حرية التعبير التي كفلها الدستور هي القاعدة في كل تنظيم ديمقراطي فلا يقوم الا بها ولا ينهض مستويا الا عليها، وما ألحق في الرقابة الشعبية النابعة من يقظة المواطنين المعنيين بالشئون العامة الحريصين على متابعة جوانبها، وتقرير موقفها من سلبياتها الا فرع من حرية التعبير ونتاج لها، ومن اجل هذا جعلها الدستور مصونه ولا تمس. كما أنه من المقرر أيضا أن الطبيعة البناءة للنقد لا تفيد لزوماً رصد كل عبارة احتواها مطبوع او مسموع او مرأى وتقييمها منفصلة عن سياقها بمقاييس صارمة ذلك ان ما قد يراه الانسان صوابا في جزئية بذاتها قد يكون هو اخطأ بعينه عند آخرين ولا شبهة في أن المدافعين عن آرائهم ومعتقداتهم كثيرا ما يلجئون الى المغالاة وأنه اذا اريد لحرية التعبير ان تتنفس في المجال الذي لا يمكن ان تحيا بدونه فان قدرا من التجاوز يتعين التسامح فيه. ولا يسوغ بحال ان يكون الشطط في بعض الآراء مستوجبا اعاقة كما ينبغي ان يعتبر نقد رئيس الجمهورية في اطار حرية التعبير شريطة الا يتم استخدام عبارات مهينة حقا لشخصه لا سيما وان كثيرا مما ينتقدون عمل الرئيس يطالبون الإصلاح وهدفهم الصالح العام، ومن هنا يعتبر ما يكتب او يصرح به هؤلاء به في هذا الاطار ليس عيبا او تطاول او اهانة. كما أن للرئيس أن يتسع صدره للجميع ، فلابد من قوى معارضة له ولنظامه حتى يشعر الجميع ان هناك مراقبة فعالة، حتى يتحد أبناء الوطن بكافة طوائفه ومنظماته على قلب رجل واحد لإصلاح الوطن، ولما كان ما تقدم وكان القانون لم يحدد العبارات التي تعتبر اهانه في حق رئيس الدولة بل ترك ذلك لقاضي الموضوع الذي عليه ان يحيك بالظرف الذي تطلق فيه الألفاظ موضوع الاتهما مع الوضع في الاعتبار التقدير اللازم لشخص رئيس الجمهورية، باعتباره رأس الدولة والواجب احترامه دون التمسك بحرفية تلك العبارات لاختلاف الدلالة باختلاف الزمان والمكان. وعليه فإن الثابت للمحكمة وما استق في وجدانها من اوراق الدعوى والاسطوانات المدمجة أن المتهم كان يعتقد أن العبارات التي عبر بها عن رأيه كانت في نطاق النقد المباح وحرية التعبير والمصلحة العامة ولم تتجه ارادته الى النتيجة التي تتمثل في سعيه الى اهانه شخص رئيس لجمهورية لاسيما وان المتهم قد انكر تلك الاتهامات بجلسات المحاكمة، واذا كان هناك من يرى وجود ثمة تجاوز فانه ينال من هذه الرؤية ان الدولة في اعقاب ثورة 25 يناير وما ترتب عليها من اعلاء بحرية الرأي والتعبير قد سادتها بعض من السيولة لدى كافة اطياف المجتمع نتيجة للحالة الثرية التي كانت تمر بها البلاد. وأضافت المحكمة انها لم تطمئن لأدلة الثبوت على النحو السالف ذكره لكونها جاءت قاصرة على حد الكفاية لإقناع المحكمة لإدانة المتهم ومن ثم فإنها تعتد بإنكاره وما ابداه من دفاع وكانت الأوراق خلت من ثمة دليل اخر يمكن التعويل عليه في إدانة المتهم، وقد خالج وجدانها الشك لعدم كفاية الأدلة مما يتعين معه براءة المتهم عملا بالمادة 304 /1 من قانون الاجراءات الجنائية .