يبدو أن الفوضى هى التى تحكم مستشفى قصر العينى، وإلى جوار الفوضى، هناك «البلطجة».. فالعاملون بالمستشفى من الفراشين والسعاة وطاقم التمريض، لا يسمحون للكاميرات الصحفية بالدخول، ولا يترددون عن فعل أى شىء، لردع أى صحفى تحدثه نفسه «الأمارة بفضح الفساد» باختراق هذا الحصن المنيع. الإجراءات المشددة حول المستشفى، لم تمنع «الصباح» من اختراقه، لرصد جبال الفساد التى تتراكم فوق بعضها فيه. أولى ضحايا قصر العينى، سعاد إبراهيم جرجس، التى قصدته قادمةً من دمنهور للعلاج من ورم أصاب غدتها الدرقية، فتعرضت- حسب قولها- إلى إهمال طبى أسفر عن إصابتها بعاهة مستديمة. وتقول: «توجهت إلى المستشفى لأخذ عينة باثولوجية من الكبد، لكن الطبيب أدخل أنبوب سحب العينة إلى الرئة اليمنى، فتسبب الخطأ فى إصابتها بثقب فى الرئة، والثقب نجم عنه تجمع دموى حاد، والتجمع الدموى أدخلها غيبوبة لمدة عشرة أيام، وهكذا لم تخرج من الدوامة، موضحةً أن الطبيب الذى ارتكب الخطأ الجسيم أرغمها على توقيع إقرار بأنه غير مسئول عن هذا الخطأ، حتى يستكمل علاجها. أما حسام بدوى، الذى يعانى من كسور مضاعفة بساقه اليمنى، فيقول، فيما كان يجلس على أرض ممر بالعيادات الخارجية: العلاج هنا بالواسطة، فمن لا يملكها ليس أمامه إلا رفع كفيه بالدعاء إلى الله عز وجل، لأن «الله وحده هو الذى يرحم الغلابة فى مصر». ويخشى حسام من أن ساقه بدأت تميل إلى اللون الأزرق وتتضخم شيئاً فشيئاً، وهو ينتظر أن يتم عمل جبيرة له ليس إلا، لأن المستشفى «المجانى» يلزم المرضى بشراء الأدوية، ولا يوفر لهم الشاش والقطن وغير ذلك من مستلزمات طبية. مريض ثانٍ- رفض أن يذكر اسمه- أجرى عملية جراحية، لإحدى ساقيه، باءت بالفشل، وتم حجزه بالمستشفى عدة مرات.. يقول: كلما دخلت المستشفى يطالبوننى بإحضار أحد أقاربى للتبرع بالدم، علماً بأننى لا أحصل على دماء، وكلما دخلت أسدد ثمن أشعات وتحاليل، ثم أخرج وأعود، وهكذا «دوخينى يا لمونة»، ولا أحد يعالجنى من خطأ الطبيب الذى أجرى لى الجراحة. ويضيف: «الإهمال فى قصر العينى يمتد إلى كل شىء، من مستويات النظافة والتعقيم، مروراً بالمعاملة المتعالية المتعجرفة من الطاقم الطبى والتمريضى، وصولاً إلى الخدمات السيئة، والمواعيد غير المنضبطة». ويقول: الممرضات فى المستشفى لهن الكلمة الأولى والأخيرة، وهن لسن ملائكة رحمة، لكنهن «شياطين السبوبة»حسب تعبيره، فإذا لم يحصلن على المال، فلن يدخلن المريض إلى غرفة الكشف الطبى، مهما كانت حالته متأخرة وحرجة. وتوافقه الرأى مريم عبدالمسيح التى جاءت من محافظة كفر الشيخ مع والدتها المسنة المصابة بالفشل الكلوى حيث تقول: «تحتاج أمى إلى غسيل مرة واحدة أسبوعياً، ولأن مستشفيات كفر الشيخ لا تحتوى على أجهزة غسيل كافية، اضطررنا إلى أن نعالجها فى قصر العينى»، لكنها فى كل مرة تسدد «المعلوم» للممرضة، وهذا المعلوم لا يقل عن ثلاثين جنيهاً، هذا بالإضافة إلى تكاليف المواصلات إلى القاهرة ومنها، الأمر الذى يثقل عليها، وهى كما تقول «تعيش يوماً بيوم، فالظروف أصبحت صعبة، والأزمات خانقة». ولا يختلف قصر العينى عن معهد الأورام وأبوالريش، من حيث المرضى الذين يفترشون الأرض، لكنه فضلاً عن هذا المشهد الذى «ينتهك كرامة المرضى»، تحول إلى ما يشبه سوق العتبة، فالباعة الجائلون يتنقلون بين الطرقات والردهات بمنتهى الحرية، لعرض سلعهم من «السميط والجبن والبيض»، وأيضاً القطن والشاش والسرنجات.. والأسعار سياحية، والمريض ليس أمامه إلا أن يشترى، إن عضه الجوع، أو طلب منه الطبيب شراء مستلزمات طبية.