إسرائيل تتزعم شركات لإنتاج لحوم مصنعة من الخضروات فى المختبرات والمعامل يدور فى الكواليس بين صناع السياسة، وكبار المستثمرين من منتجى الأغذية والألبان المتحكمة فى السوق العالمى وكبرى شركات تصنيع اللحوم الإسرائيلية، إعادة صياغة توزيع الثروات الحيوانية عالميًا وفق رؤيتهم. لاسيما استغلال القارة الإفريقية لتوزيع هذه المنتجات باعتبار أنها أصبحت اللاعب الأول فى القارة مع توسعها لإقامة الصناعات الزراعية مثل تعليب الفاكهة والخضر، وتصنيع اللحوم وتعليبها. ووفقًا لأبحاث أجرتها مؤسسات دولية، كشفت عن تراجع إنتاج اللحوم خلال السنوات القادمة بفعل الاستثمار فى إنتاج «اللحوم النظيفة » عبر الاعتماد على المحاصيل الزراعية فى إنتاج اللحوم المصنعة من الخضراوات. ودعت أبحاث ل «تشتام هاوس » الدول النامية للقبول بتقليص نسبة استهلاكها من اللحوم، إذا توفرت لديها بدائل مناسبة وذات نكهة وبنفس الثمن. كما دعى رؤساء شركات اسثمارية أوربيين إلى ضرورة توفير مساحات المراعى الخضراء المخصصة كغذاء للماشية، وتخصيصها للزراعة. زاعمين أن زيادة أعداد الماشية يساهم فى زيادة معدلات التلوث والتغير المناخى. وكانت 20 شركة إسرائيلية ناشئة قد انضمت إلى مجموعة من الشركات العالمية العاملة على تطوير صناعة اللحوم واستزراعها فى المعامل والمختبرات، زاعمين أنه يعتبر حلً لاحتياجات السكان المتزايدين باستمرار فى العالم، ولتغطية الطلب المتزايد على اللحوم. وأعلنت شركة فيوتشر لتكنولوجيا اللحوم الإسرائيلية، أن اللحم المستزرع يستهلك كمية أقل من الماء بمقدار 10 أضعاف، ومساحة أقل من الأرض، وطاقة أقل من إنتاج اللحوم الحالى، علاوة على أنها تقلل من معاناة الحيوان، لذا فإن السعى وراء اللحوم المزروعة فى المختبرات وسيلة مناسبة لأصحاب المشاريع والمستثمرين لبدء العمل على زراعتها مستقبلً حيث إنه من المتوقع أن يشهد العام الحالى أول إنتاج للحوم المستزرعة، وفى هذا السياق اتخذت «هيئة الابتكار الإسرائيلية » خطوات لتحفيز شركات تكنولوجيا الأغذية من خلال المنح وتمويل حاضنات تكنولوجيا الغذاء بقيمة 25 مليون دولار. ففى فبراير الماضى، أعلن معهد Good Food Institut ، وهو مؤسسة غير ربحية مقرها واشنطن تروج لتطوير بدائل اللحوم، عن سلسلة من المنح البحثية «لصالح المجتمع العلمى بأكمله وصناعة الغذاء الجيدة. ذهبت إحدى المنح الستة التى تبلغ قيمتها250000 دولار للباحثين عن «اللحوم النظيفة » إلى إسرائيل، وتلقى باحث إسرائيلى آخر أمواً ل لبدائل اللحوم «النباتية .» كما أعلنت شركة Aleph Farms ، وهى شركة إسرائيلية تم إطلاقها عام 2017 ، أنها نجحت في إنتاج «شريحة لحم دقيقة » نمت فى المختبر مصنوعة من خلايا الأبقار تشبه لحوم الأبقار غير المصنعة، تزامن ذلك أيضا مع إعلان شركات إسرائيلية الدخول فى شراكات عالمية، باستثمارات كبيرة، للعمل على مشروع استزراع اللحوم أبرزها Tyson Foods الأمريكية العملاقة ومجموعة PHW الألمانية ومجموعة Strauss الإسرائيلية. وزعمت كتابات لبول جيلدن أحد مؤسسى «مؤسسة الأسواق المتغيرة »، ومدير تنفيذى سابق لجريت بيس إنترناشيونال، أن قطاع تربية الماشية ليس فقط معرضًا للآثار الملاحَظة والمتوقعة لتغير المناخ، بلإنه أيضًا السبب الرئيسى فى هذا المشكل. وفى واقع الأمر، تساهم تربية المواشى من أجل إنتاج اللحوم والألبان بنسبة 16.5 % من انبعاثات الغازات الدفيئة على مستوى العالم. وأشارت كتاباته إلى أنه عندما أهلكت موجة من الجفاف القاسى أجزاء كبيرة من المحاصيل، اضطر بعض منتجى الألبان واللحوم الأوروبيين لفرز ماشيتهم فى وقت مبكر لتقليص عدد الرؤوس التى عليهم إطعامها. معتبرًا أن مثل هذه القرارات «روتينية » فى عالم سيشهد موجات طقس حار أطول أمدًا، وأكثر ارتفاعًا فى درجة الحرارة، وأكثر جفافا وأكثر حدوثا.
وأضافت أنه بعيدًا عن تغير المناخ، فإن نسبة 60 % من التنوع البيولوجى المفقود ترجع إلى تغير استغلال الأراضى جراء تربية المواشى، وهذه نسبة مهولة، كما أن 80 % من كل الأراضى الزراعية مخصصة إما لتربية الماشية أو لزرع طعامها. وهناك حقيقة ترفض أن تتغير، وهى أن اللحوم ليست صحية. ويمكننا إيجاد حل أفضل دون التضحية بالكثير. فحسب بحث أنجزه تشاتام هاوس مؤخرًا، مثلً، يمكن للأشخاص فى الدول النامية القبول بتقليص نسبة استهلاكهم للحوم، إذا توفرت لديهم بدائل مناسبة وذات نكهة وبنفس الثمن. ولا ينبغى على الحكومات فرض قيود على استهلاك اللحوم. لكن بالنسبة لصناع السياسة الذين يعترفون أن هناك القليل من السلبيات والكثير من الإيجابيات إذا خفض الأشخاص فى الدول المتقدمة من نسبة استهلاكهم للحوم، هناك الكثير من الحلول الفعالة التكلفة التى يمكن الاسترشاد بها للذهاب فى هذا الاتجاه. ودعى بول جيلدن، الحكومات لرفع دعمها عن الزراعة التابعة للشركات، وعن المحاصيل التى تسمن ماشية هذه الشركات لتصبح صالحة للذبح. ومن خلال دعم الدول للممارسات الملوثة وغير الإنسانية، فهى بذلك تدفع للشركات للحيلولة دون تحقيق أهداف الانبعاثات المحددة بموجب اتفاقية باريز لعام 2015 بشأن المناخ. ويمكن للحكومات، بل ينبغى عليها تشجيع إنتاج المحاصيل الأكثر حيادًا، والأغنى بالبروتينات، مثل القطانى والخضراوات الأخرى. ومن خلال زرع المزيد من الفاصوليا، والبازيلاء، والعدس، سيساهم المزارعون فى التصدى لتغير المناخ عن طريق الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، وسيستفيدون من محاصيل تقاوم حالات الطقس الأكثر جفافا وحرارة. على غرار ما حدث فى صناعة الوقود الأحفورى، دفع مؤيدو صناعة اللحوم صناع السياسات إلى عرقلة سياسة البدائل. وفى دول عديدة، نجحت اللوبيات فى الدفاع عن منع تسمية منتوجات اللحوم على أنها منتوجات نباتية. فمثلً، فى فرنسا، منعت فرنسا مؤخرًا مصطلحات مثل «بورغر » نباتى أو «ستيك » نباتى، بحُجَّة أن كلا المنتوجين لا يمكن أن يصنعا إلا من اللحم. وتشكل مثل هذه السياسات عائقًا أمام التقليص من استهلاك اللحوم، وتتناقض مع التزام الدول بأهداف اتفاقية باريز. ويلعب دور الدعم الذى يقدمه قطاع صناعة اللحوم لهذه الأهداف نفس الدور الذى لعبه دعم صناعة الوقود الأحفورى، الذى ارتكز على ما هو أهم؛ لا أقل ولا أكثر. أو هل يمكن أن يكون للمنتجين دور إيجابى فى التخلى عن استهلاك اللحوم؟.. عندما يتعلق الأمر بسياسة المناخ، ينبغى التعامل مع الزراعة على أساس أنها طاقة وأنها ناقلة، كلاهما يتوفران على نقط ترشدنا إلى طريقة معالجة تغير المناخ والحد من الانبعاثات. وقد تعَدَّت السياسات الهادفة إلى الحد من تأثير الزراعة وإنتاج المواد الغذائية، المتمثل فى الانحباس الحرارى المحدد بكثير.