فى كتاب آثر إصداره باللغة الإنجليزية، وعنونه ب«من داخل الشرق الأوسط»، قدم رجل المخابرات الإسرائيلى «آفى ميلاميد» ما وصفه بأنه «دراسة عقلانية» لشئون المنطقة، تطرق فيها إلى العرب وأحوالهم الاجتماعية والسياسية، واعتبر أنهم هم من يصنعون مشكلاتهم بأنفسهم، وأنهم لا يستعينون بأكثر من «الخطابة» لمواجهة أزماتهم كانعدام الحرية وانتشار الفساد، وفى المقابل يقدم الكاتب إسرائيل على أنها بلد الحريات. الكاتب اختار دار «سكاى هورس» ومقرها نيويورك، لنشر الكتاب المكون من 12 فصلًا، لتقديم وجهة نظره عن العرب إلى الغرب، فعلى الغلاف الخارجى للكتاب تظهر صورة لعدد من المساجد المتقاربة فى لحظة الغروب، بينما عنون الأبواب بعبارات مثل «البوصلة المشوهة، الصحوة العربية صرخة الغضب، الإسلام السياسى الراقصون على مقعد السائق، المتشددون وبن لادن الحى الميت، الصراع العربى الإيرانى الماضى على السلطة ما زال حاضرًا، الحرب فى سوريا، الأنظمة الملكية يحيا الملك، فشل الغرب، معركة الهوية بين رقص السالسا والنقاب، الإنترنت الإمبراطورية الوهمية، انتقاد إسرائيل الفارس والتنين، ما ينتظرنا فى المستقبل الخوف يسود والأمل القادم». يوفر الكتاب مجموعة من المعلومات التحليلية والمعلومات الاستخبارية اللازمة لفهم الشرق الأوسط المعاصر من وجهة نظر الكاتب، الذى يشرح فى كتابه من هم أهم اللاعبين الأساسيين فى الشرق الأوسط اليوم، بجانب القضايا الرئيسية التى تؤثر على الأحداث الجارية فى المنطقة، وما يراه تحديًا متمثلًا فى جماعات الجهاد المتطرفة، والربيع العربى، والاتجاهات الحالية والتوجهات المستقبلية، ودور وسائل الإعلام الاجتماعية. فى الفصل الأول المعنون بالبوصلة المشوهة، يقول الكاتب إن المشكلات فى العالم العربى ناتجة من قبل العرب أنفسهم، فهم فى «مرض عميق» لإيمانهم الراسخ بأنهم ضحايا الإمبريالية والاستعمار والعنصرية، وهو ما يراه الكاتب غير صحيح، وكذلك مرض آخر وهو مرض الخطب النارية، والشعارات، معتبرًا أن الدساتير فى العالم العربى ليست قوية بما فيه الكفاية لضمان سلامة البلاد ونسيجها الاجتماعى. وفى الفصل الثانى الذى يتناول الربيع العربى، يقول ميلاميد إن «الأعداء الحقيقيين للعرب هم الفساد وغياب التعليم الجيد وقلة الخبرة، والرعاية الصحية، وانعدام الحرية، وعدم احترام حقوق الإنسان»، ويرى أن حرب الأيام الستة فى 1967 بين إسرائيل من جهة ومصر وسوريا والأردن من جهة أخرى، كانت ضربة وقائية لحماية إسرائيل. وفى الفصل الأخير، يركز ميلاميد حديثه على «حماس» وقطاع غزة، فيقول إن فوز الحركة فى انتخابات 2006 كان انقلابًا عسكريًا مدعومًا بالقوة المسلحة، على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، الذى يعتبره الكاتب قائمًا على أمن إسرائيل فى الضفة الغربية، وفى الفصل ذاته يقول ميلاميد إن حماس قتلت وأصابت المئات من الإسرائيليين بهجماتها. ويقدم آفى ميلاميد نفسه بأنه لديه سجل لا مثيل له من استشراف تطورات الأحداث فى منطقة الشرق الأوسط، كما أنه يصنع تصورًا ثلاثى الأبعاد للصورة، من خلال الربط بين النقاط وتقديم خريطة بالتنبؤات النيرة لما هو قادم خاصة تطورات الربيع العربى، وكذلك نهاية جماعة الإخوان المسلمين، ومستقبل العداء بين السُنة والشيعة، وجوهر الحرب فى سوريا، والصراع العربى الإسرائيلى، ودور الخلافة والجهاد، وقال إنه يوفر أيضًا فرصة نادرة لرحلة فى نفسية المجتمع العربى، ونظرة من خلال عدسة الإرهابيين. ويقول الكتاب إن السياسة الخارجية للحكومات الغربية تعتمد بشكل كبير على معلومات مضللة، بسبب افتقارها إلى فهم اللغة العربية أو المعارف الأساسية فى الشرق الأوسط، منوهًا بأن بعض القيادات وضعت روايات كاذبة وتفسيرات للأحداث فى الشرق الأوسط تضر بالمصالح الأمريكية، اعتمادًا على تلك المعضلة. وتعليقًا على الكتاب، قالت ليندا سوليمون وود، الرئيس التنفيذى لفريق المراقبين فى وسائل الإعلام الأمريكية، إنه يعد موردًا حيويًا لأى شخص يسعى لإيجاد إطار دقيق للأخبار من منطقة الشرق الأوسط، التى تعتبر إحدى مناطق القتال المستعصية فى العالم، واعتبرت ليندا فى حديثها عن الكتاب أنه «إذا كنت تريد حقًا فهم الشرق الأوسط ومعرفة أين تتجه المنطقة، فليس هناك مصدر أفضل من هذا». فى المقابل، تناول الكاتب والمحلل السياسى الكندى «جيم مايلز» كتاب ميلاميد بالانتقاد، معددًا ما به من نواقص مثل كيفية وصف الكاتب لإسرائيل بأنها وطن الحريات والديمقراطية التى تحافظ على الفلسطينيين فى الضفة الغربية، متسائلًا فى هذا الصدد: «كيف إذن وضعتهم تحت الحكم العسكرى التعسفى، ولبت طموحات المستوطنين فى احتلال الأراضى الفلسطينية»، مضيفًا: «من الغريب أيضا ادِّعاء الديمقراطية بينما تعتمد إسرائيل قوانين تمييزية ضد الفلسطينيين، فى مجالات مثل الإسكان وأنظمة الزواج»، وعقب: «إنها ديمقراطية غريبة تلك التى تستخدم التجويع والقوة العسكرية الساحقة من أجل السيطرة على السكان الفلسطينيين». وأكد مايلز أن الكتاب قد خلا من أى إشارات حول دور الغرب، ولا سيما بريطانيا العظمى وفرنسا والولايات المتحدة، فى قيام دولة إسرائيل، وصناعة البيئة الحالية فى جميع أنحاء المنطقة، معتبرًا أن الكتاب فى مجمله خال من التفكير النقدى والقدرات التحليلية القوية، وتساءل: «إلى متى سيظل هذا التعصب؟».