عاشوا فى الكهوف وامتهنوا العمل باليومية خوفا من الانزلاق فى المال الحرام أطلقوا النار على عين الشيخ الذهبى ومثلوا بجثته ثلاث قصص متناقضة عن أسرار ونهاية جماعة المسلمين المتطرفة طفلا جرّت أمى يدى، لتقدم للست عزيزة أم ماهر واجب العزاء فى وفاة زوجها، لم أفهم ما جرى وظللت أبحلق فى صورته المعلقة على الجدار بزيه الأزهرى بعد حصوله على شهادة العالمية. يومها بكت أمى، على مصير صديقتها الشابة. بعدها بأكثر من ثلاثين سنة، حكمت المحكمة على الشابين أولاد عزيزة، أحدهما بالسجن والآخر بالإعدام، وفى صيدلية أحد الأصدقاء كانت ملامحنا تغيرت، وأمى رحلت عن الدنيا وأم ماهر تتشح السواد، وكانت تسأل على استحياء عن صنف دواء لم تجده فانصرفت آسفة. هرولت خلفها، وسألتها عن أحوالها، فبكت، ابنها الكبير أعدم والصغير فى السجن. والتكفيريون أخذوا البنات، ويضغطون عليها لتتزوج، ويتهمونها بأنها متبرجة ولا ينبغى أن تعيش بمفردها. قالت من بين دموعها: أنا متبرجة؟ وهل أتزوج فى هذه السن؟ لا سأبقى فى بيتى وأولادى ماتوا جميعًا الله يجازيك يا شكرى. شكرى كان أخاها ولا ينام فى بيتها، وسكن شهرًا أمامنا، فى شارع بورسعيد بأسيوط، بإحدى نزل الدرجة الثالثة، يطل من لوكاندة الصباح من غرفة تستند إلى شرخ يتجمع بداخله وطاويط، تتجمع عند الغروب صفوفًا متراصة وكتائب، وبعدها تصدر الأصوات لتخرج جماعة إثر أخرى بقيادة أحد الزعماء وتنطلق، وكان كل من يسكن فى اللوكاندة يفزع ويهرب من سربها الهائل يروح جيئة وذهابًا. باستثناء ذلك المخيف، ينام على النافذة وعيناه مفتوحتان، كالغراب الأبيض، ويظل بالأيام فى الشباك، متطلعًا إلى السماء، بوجهه الحاد، وجبهته العريضة، وعينيه الجاحظتين، بجلباب أبيض وشال أبيض يغطى شعره الطويل المشقوق من المنتصف، وينحدر بالقرب من لحيته الضخمة. كان ينظر للنجوم ساعات، وقد شخص ببصره فما يطرف. بعد أشهر احتلت الصفحات الأولى فى الجرائد صور المصطفى طه - شكرى مصطفى - متهمًّا وجماعته - التكفير والهجرة - بقتل وزير الأوقاف الشيخ الذهبى بعد 20 ساعة من اختطافه من منزله، والتمثيل بجثته بإطلاق النار على عينه اليسرى، وتابعنا محاكمات الجماعة وشكرى التى انتهت بإعدامه هو وابن شقيقته ماهر عبدالعزيز فيلسوف الجماعة ابن الست عزيزة، وسجن بقية أعضاء الجماعة، ومن بينهم هاشم ابن الست عزيزة الآخر وحُكم عليه بالسجن 15 سنة. كان شكرى يقيم فى إحدى الشقق المفروشة بمنطقة «حدائق القبة» مع زوجته (شقيقة محمد النجار مسئول التنظيم) وعلى الرغم من أنه لم يكن أحد من الجماعة يعلم مكان إقامته فقد شعر بضيق الخناق عليه عقب إعدام الشيخ الذهبى، فبدأ فى البحث عن مكان أكثر أمانًا وحين عودته لم يجد القميص الأسود منشورًا فى البلكونة فعرف أن الشرطة قد هاجمت المكان فعاد يسير فى الشوارع على غير هدى وبعد أن تعب من السير هداه تفكيره أن يركب القطار إلى بنها حيث توجد خلية مؤمَّنة يستطيع اللجوء إليها لإخفائه، ومن التعب والإرهاق وعدم التركيز ركب قطار المرج بالخطأ، وعندما اكتشف ذلك قرر النزول فى محطة عزبة النخل لوجود بعض أتباعه بها، وسار يجر قدميه فى شوارع القرية غير قادر على الاهتداء إلى البيت الذى يسكنون فيه، والنسوة أمام البيوت يتطلعن مرتابات إلى هذا الغريب ذى اللحية الطويلة والملابس القصيرة، زائغ النظرات، وبالصدفة يلتقى به مخبر كان يعمل فى السجن الحربى ويعرفه جيدًا فيمد المخبر يده بالمصافحة ويمسك بيد شكرى بشدة ويسأله عن اسمه، وعندما يرد عليه باسم آخر يقول له: بل أنت شكرى مصطفى ويقتاده إلى نقطة الشرطة. قبل سقوط شكرى، كان المشهد مختلفا فى مكتب فخيم بوزارة الداخلية. جماعة المسلمين تشكيلات جرى صنعها، وسُمح لهم بقتل مخالفيهم. جماعة تستوعب الخاصة من الشباب المثقفين بعلم الأمن مقابل صرفهم عن الأفكار الانقلابية. وكان شكرى يرى أن الجهاد بأى وسيلة ممكن ولو بالأظافر، ووافق أن يتحالف مع الشيطان من أجل الدعوة. وهكذا سُمح لجماعات بعينها بحمل السلاح وبعد أشهر أصبح هؤلاء الشباب الذين اتفقوا مع الداخلية من سكان القبور وقُتلوا بنفس طلقات الجهاز الذى سمح لهم بحمل السلاح. بدأت عمليات التصفية الجسدية لحسن الهلاوى ورفعت أبو دلال ولمجموعات من حلوان. داهموا الهلاوى، أحد المتهمين فى قضية الفنية العسكرية، لأن ماهر البكرى فيلسوف الجماعة، بدأ يفكر فى التراجع، بعد أن استمع لتسجيل شريطه الشهير، الذى ينسف أفكار الجماعة، لأن فقه أهل السنة لا يقر الخروج على الحاكم إلا فى أضيق الحدود. اقتحموا بيته، وطعنوه أمام أشقائه 17 طعنة نافذة، فى الظهر والبطن، منها طعنة كانت على بعد سنتيمتر واحد من القلب، وتركوه معتقدين أنه فارق الحياة. عقب إنقاذ الهلاوى بشهور زُج به فى السجن، بعد تلفيق تهمة بمشاركته فى عملية «القنص» التى جرى خلالها تجريد بعض الجنود من سلاحهم لتسليح جماعات الجهاد، وفى السجن تقابل مع من ظل يطعنه وحاول قتله وطلب منه أن يسامحه. جماعة المسلمين ( التكفير والهجرة ) هاجمت معهد الموسيقى العربية ومسرح فريد الأطرش لخطف عبدالحليم نويرة مدير المعهد ورئيس فرقة الموسيقى العربية كرهينة، ووصفوا نويرة الذى دخل فى معركة مع إسرائيل لإنقاذ التراث الغنائى العربى وتسجيله برئيس فرقة الدعارة العربية، نويرة صهر الرئيس السادات وزوج شقيقته سكينة، ولما لم يجدوه فجروا عبوة ناسفة بالمبنى، وعبوة أخرى انفجرت فى سينما سفنكس، ولم يعاتبهم الأمن. وظهر شكرى مصطفى ليشكك فى إسلام الناس جميعا والفقهاء، لأن الجماعة الإسلامية الوحيدة على الأرض جماعته، وأن هؤلاء - جماعته - لا يصلون فى المساجد لأن كثيرًا منها مساجد ضرار (كتلك التى بناها المنافقون فى المدينة وأمر الرسول بتسويتها بالأرض) يُدعى فيها لغير الله. وأمر أتباعه بترك الكليات والمدارس لأن أمة الإسلام وهى خير أمة أخرجت للناس إنما هى أمة أمية لا تكتب ولا تحسب ولذلك يحرُم تعلُم الكتابة فى الجماعة المسلمة إلا بقدر الحاجة الواقعية، وأن تعلُّم الحروف لذات الكتابة حرام. وفى المحكمة قال ماهر بكرى: «أنا سعيد جدًا بقتل الشيخ الذهبى» وقال إن دمه حلال نظريًا وواقعيًا، ووقع الاختيار عليه بسبب تشهيره بالجماعة ولأنه محل اهتمام الحكومة. فى 1971 خرج شكرى مصطفى من المعتقل بعد قرار الرئيس السادات بالإفراج عن الإخوان المسلمين. دخل شكرى السجن فى 1965 وهو لا ينتمى لأي تيارات دينية، وهو ما أثبتته المحكمة، وانتظر إطلاق سراحه، لكن هذا لم يحدث، وظل طوال سنوات السجن يقعد بعيدًا عن الإخوان ومناقشاتهم فى انتظار الخروج من السجن، وكل تهمة شكرى أنه يعرف محمد منيب أمين مكتبة جامعة أسيوط الذى تشك الدولة فى أنه راغب فى الانتماء للإخوان. قبل دخول السجن كان شكرى شاعرًا غزليًا يزور المكتبة لقراءة الشعر وكتب معارضًا دالية شاعر الأندلس القيروانى الشهيرة التى يقول مطلعها: ياليل الصب متى غده أقيام الساعة موعده؟ منشدًا: أحبيب أنت أقربهُ ؟ أم أنت عدوُ أبعدهُ ؟ لو كنت حبيبى ما عبثت كفاك بقلبى تفسده أو كنت عدوى ما لمست كفاك الجرح تضمده أم أنت كلا الضدين معا من لى بشهيد أشهده؟ وذاعت لشكرى قصيدة أخرى لحبيبته صفاء تقول كلماتها: تسلو القلوب فطول العهد مسلية وما فؤادى بطول العهد يسلاك أقول للنفس إن همت بتعزية لا كنت منى إذا ما الدهرُ عزاك لم يبق خمر ولا ماء ولا عسل إلا سقانى ذنوبًا منه كفاك ما بين لثمة شعر ناعم عبق وبين شمّة عطف عاطر زاكى عجبت من عاشق يشكو صبابته أمن ورد الهوى أم شوكه شاكى ما نبض قلبى سوى ذكرى تعاوده من خفقة وارتعاش يوم لقياك داخل المعتقل، المساجين ومن ضمنهم الشاعر شكرى كانوا طبقًا لأوامر شمس بدران وزير الحربية يتعرضون لأبشع أنواع التعذيب، ويجبرون يوميًّا على غناء نشيد عن أفضال الثورة المباركة، ووصلت قمة الإهانة بإجبارهم على كتابة رسائل غرامية فى حب الدولة التى تعذبهم بالكىّ بالنار وكهربة أعضائهم الجنسية. وأغلب الإخوان غازلوا عبدالناصر فى 27 مايو 1967 وطلبوا أن ينالوا بجواره شرف الجهاد ضد إسرائيل على أن يعودوا بعدها من جبهة القتال إلى المعتقلات مباشرة. شاهد شكرى ذلك، ورأى رجالاً تفقهت على بسطاء الناس، لكنهم ينحنون حتى تنكشف مؤخراتهم، وبدأ يقرأ ويستمع، وفى النهاية كان شكرى واحدًا من ضمن 36 مسجونًا آخر رفضوا إرسال خطابات تأييد، بينما وافق على ذلك أكثر من ألفين من الإخوان المسلمين. كان معنى ذلك أن يتعرض للحبس الانفرادى، وأبشع أنواع التعذيب الخاص، لكن هذا لم يدم طويلاً، فقد حلقت بعدها بأيام طائرات إسرائيل، وأسقطت هيبة عبدالناصر والدولة فى يونيه 1967. واقتنع شكرى بأن ما جرى كان إلهامًا من عند الله. بعد سنوات المعتقل خرج شكرى شخصًا آخر، غير الذى دخل السجن، لا ينتمى للإخوان، بل يتناقض مع آرائهم، كان قد اقتنع بأفكار على عبده إسماعيل خطيب مسجد سلطان بالإسكندرية بتكفير المجتمع، عبده إسماعيل تراجع عن هذه الأفكار وهو داخل السجن، إلا أن شكرى قرر استكمالها، وتوصل إلى أن الصلاة فى المساجد حرام؛ لأنها أقيمت بأموال الراقصات والدولة الكافرة، والأئمة المعينون لا يعملون بشرع الله، ولا يجوز السلام على بنات العم والخال، والتعليم حرام لأنه فى أيام الرسول لم تكن هناك مدارس ولا حتى كتاتيب، والنوم على السرير والقعود على الكراسى حرام لأنه تشبه بالملوك، ومنع صلاة الجمعة والخدمة فى الجيش والشرطة، وصار من حق الزوجة أن تُطلق الزوج إن كان من خارج جماعته التكفيرية. وسمَّى نفسه: أمير آخر الزمان طه المصطفى شكرى. فى أثناء المحاكمة كان أعضاء الجماعة ينظرون فزعًا لشكرى الذى هدد وكيل النيابة بالذبح أمام الجميع يؤيده ماهر (أبو عبد الله) وهاشم (أبو حذيفة) ابنا شقيقته. أمير آخر الزمان حتى بعد أن حُكم عليه بالإعدام وهم يقتادونه إلى المشنقة كان واثقًا أنه لن يُشنق وعندما وقف أمام الشيخ فى غرفة الإعدام وقال له: «يا ابنى استغفر الله وإذا كان نفسك فى حاجة اطلبها» رد عليه بتهكم وقال: «بل قل ماذا تريد أنت أيها الكاهن البائس إن عاصفة ربى آتية حتمًا لتنجينا وتهلككم». شكرى أحمد مصطفى رب هذه الجماعة غرس فيها أن كل الجماعات السابقة جماعات باطلة لأنها لم تُمكّن، ومن داخل السجن قال: «لو مت اعلموا أن هذه الجماعة ليست جماعة الحق» فقد كان لا يشك أنه سيخرج من هذه القضية ولا يشك أنه سيفرج عنه ويعاود دعوته مرة أخرى وسوف يمكنه الله كما مكّن للنبى. كان يرى أنه لا قيمة للتاريخ الإسلامى، لأن التاريخ هو أحسن القصص الوارد فى القرآن فقط، وأن الدعوة لمحو الأمية دعوة يهودية، والأفضل أن يلتف العوام حول الشيوخ، وآمن بأن دور الجماعة يبدأ بعد أن تدمر روسيا وأمريكا الأسلحة المتقدمة، وتعود الأرض كما كانت، وتصبح الحرب رجلاً لرجل، وسيوفاً وخيولاً ورماحاً. كانت أم شكرى أرملة لمحام شرعى أنجبت منه ولدًا وبنتًا، ولمَّا مات، نامت تحت عمدة قرية «أبو خرس» بأسيوط، فى زواج لم يستمر سوى ثلاث سنوات، أثمر شكرى الذى غادر القرية على كتف أمه التى طلقها العمدة، فغادرت بالأطفال الثلاثة إلى قرية ريفا بالقرب من أسيوط، وفى نهاية المرحلة الثانوية عاد شكرى لأبيه العمدة مصطفى فى «أبو خرس»، ورسب فى الامتحان أكثر من مرة إلى أن حصل على مجموع ضعيف والتحق بكلية الزراعة. شكرى استقر على فلسفة خاصة بالإسلام، مؤداها أن واجب كل مسلم تكفير المجتمع، وأن يهاجر وبعد أن يقوى المسلمون فى دار الهجرة يعودون لاحتلال كل البلاد من جديد، الرسول نفسه هاجر من مكة بعد أن فشل فى إقناع الكفار ليقوى فى دار الهجرة بالمدينة، وترك أصحابه أموالهم وبيوتهم حتى قويت شوكتهم، وعادوا لفتح مكة من جديد. الهجرة من مجتمع الكفار واجب على كل مسلم. وكل من يرفض الدعوة للتكفير والهجرة كافر. والمتعامل مع الدولة وقوانينها وأموالها كافر، لأن أموال الدولة تجبى من الضرائب، والضرائب من عرق الراقصات والمومسات، وبيع الخمور والربا فى البنوك. أوضح شكرى أفكاره فى مجموعة من النصوص أوردها فى مجموعة من الكراسات نُسخت بخط اليد باعتبار أن المطبعة عتاد كفر وتم تداولها سرًّا. وتحت راية: نحن خلفاء الله فى الأرض، وسنعود لنطهرها ونحكمها، انضم إلى شكرى الآلاف من طلبة الجامعة والخريجين الذين أخذ عليهم عقد البيعة وانتقلوا للحياة على أطراف المدن فى الصحراء، وامتهنوا كل الأعمال الرخيصة من بيع الخضراوات إلى العمل كعمال يومية تحسبًا للانزلاق فى المال الحرام. وأنشأوا مجتمعات خاصة، وارتدوا جميعًا الجلابيب البيضاء القصيرة. وأطالوا شعورهم كالنساء، والتحوا كالشيوخ. وأصبحوا يهبون كل ما يتكسبون من العمل اليدوى إلى أمير الجماعة شكرى ونائبه ماهر، ليعيد توزيعه طبقًا للاحتياجات فليس فى داخل الجماعة غنى وفقير. وفى كهوف التكفير والهجرة كان الضرب بالفلكة عقابًا إسلاميًّا لكل من تتمرد على زوجها أو على واجبات الجماعة على أساس أن تأديب المرأة المسلمة بضربها واجب شرعًا، وكانت تُجرى محاكمات فورية لهؤلاء النساء. يحضرها شكرى من خلف ستار. انضم للجماعة سيدات عائلات معروفة بعد الاستماع لشكرى، وحكم أمير آخر الزمان بطلاقهن وأهداهن لذكور الجماعة، وبعضهن أحضرن مصاغهن، وبناتهن وأوقفنهن عن التعليم للانضمام للجماعة. عند قتل الشيخ محمد حسين الذهبى وزير الأوقاف، نشرت الجرائد صورًا عن تعذيبه والتمثيل بجثته، وتبارت فى الهجوم على الجماعة، ورصد أسلوب حياة أفرادها الغريب. وذكرت الجرائد أن الشيخ الذهبى أعدم لأنه تصدى لأفكار التكفير والهجرة فى مقدمة كتيب بعنوان: «قبسات من هدى الإسلام»، لكن هناك قصة أخرى بأن الشيخ كان أحد العارفين بالجماعة بل ومن المتعاطفين معها طبقًا لتوجيهات الرئيس، وعندما تبرع أحد الأمراء السعوديين بستة ملايين ريال للجماعة لمعاونتها على دعوتها لمحاربة كفار مصر اختارت الجماعة الشيخ الذهبى كوسيط، وبعد تحويل الملايين طالبه شكرى بها، فبدأ يماطل وفى النهاية منعه من الاتصال به؛ بل وبدأ يكتب ضد أفكار الجماعة، ويستعدى الأمن ضدها، ويطالب بتصفيتها، وبالتصدى لها. وتحركت كتيبة على رأسها ماهر. واقتحمت على الشيخ الذهبى شقته بين أولاده، واختطفته، ولما استجوبته، وفشلت فى استعادة المال قامت بتعذيبه والتمثيل بجثته قبل إعدامه بإطلاق الرصاص على عينه اليسرى. الذهبى كان الشاهد الوحيد على سرقة توفيق عويضة موظف الأوقاف الكبير والمقرب من الدوائر الحكومية لصناديق النذور، وعارض جيهان السادات عندما طالبته بالموافقة على حق الزوجة الثانية فى الطلاق، وبعدها بأيام سحبت الحكومة الحراسة من أمام بيته. وفى حكاية أخرى أن بعض الجهات العليا -وبالتحديد أمن الدولة- كان من مصلحتها تصفية الذهبى، لأن الذهبى ضبط الرئيس متلبسًا بسرقة أموال من الدولة، ولما استقال من الوزارة، قتلته المباحث قبل أن ينطق، ووجدتها فرصة لإلصاق التهمة بجماعة التكفير والهجرة، وكان يردد هذه القصة الوفدى علوى حافظ أصغر أعضاء تنظيم الضباط الأحرار سنًا وعضو البرلمان، وحلف أمام مجلس الشعب أن شكرى مصطفى أقسم أمامه أنهم لم يختطفوا الشيخ الذهبى ولم يقتلوه. المشنقة فى سجن الاستئناف لها طقوس وبروتوكول قديم، ووفقًا للوائح لا إعدام بعد الثامنة صباحًا، لأن باب السجن لابد أن يُفتح فى هذا التوقيت، وتنفيذ الإعدام يبدأ من السابعة، وكان المطلوب إعدام الخمسة أعضاء تنظيم التكفير والهجرة وعلى رأسهم شكرى مصطفى فى ساعة، وطبقًا للائحة المشنقة يُفترض أن نبض المشنوق بعد قضم الرقبة والحنجرة بحبل الإعدام يستمر من عشر إلى خمس عشرة دقيقة، بعدها يتوقف النبض ويبدأ الدكتور المرافق لتنفيذ الإعدام بشرط الأوردة والشرايين النافرة، لأن المشنوق يتحول إلى لون أزرق ومع الشرط يُصفّى الدم وينزل من على المشنقة،، لكن هؤلاء الخمسة أعدموا فى أقل من أربعين دقيقة وكان الشرط بالمبضع يقطع شرايين وأوردة اليدين والساقين والنبض مستمر، وفقًا لشهادة الدكتور نفسه التى قالها لأم ماهر، كان الإعدام مجزرة تجاوزت قواعد أى شنق رحيم، وجرى تقطيع الخمسة أحياء على درج المشنقة. وفى الثامنة فتحوا باب السجن وألقوا بالأجساد الخمس على باب المشنقة بلا غطاء، وطلع المساجين من زنازينهم، واستغنوا عن أى جرائد قديمة لتغطية الجثث التى ظلت ممددة حتى منتصف النهار. وفى هذا التوقيت نفسه وهذا اليوم بالتحديد 30 مارس 1978 نزلت طائرة الرئيس السادات فى القدس.