«القطاع العام» كان حلماً جميلاً للرئيس الراحل جمال عبدالناصر، الذى أسسه بهدف بناء نهضة صناعية حقيقية فى مصر تلعب فيها الدولة الدور الأكبر، وليس القطاع الخاص، لكن للأسف لم يتحقق هذا الحلم الجميل، وصار القطاع العام عبئاً على الدولة بدلاً من أن يصبح قاطرتها نحو التنمية ودخول المستقبل. القطاع العام يتكون من 9 شركات قابضة تحتوى على 146 شركة حكومية تابعة، يعمل بها 309 آلاف عامل فى مختلف المحافظات، وبدلا من أن يكون الذراع الاستثمارية للدولة، صار الكيان الذى ربما يكون فشله وفساده كان الزناد الذى فجر كل ثورات الغضب المصرية. ورغم الكلمات الرنانة التى صرنا نسمعها كثيرا بعد ثورة 25 يناير بأنه لا بيع ولا خصخصة للقطاع العام فى مصر على ألسنة المسئولين والوزراء المعنيين، فإن القطاع لا يزال يمثل عبئا كبيرا على الدولة، والمعارك والمنازعات القضائية لا تنتهى بشأن ممارسات الفساد التى حدثت فى عمليات الخصخصة لكثير من شركات هذا القطاع فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك. مصادر رفيعة المستوى بوزارة الاستثمار، أكدت ل«الصباح» أن مشاكل القطاع العام كانت السبب الرئيسى الذى لا يعرفه أحد وراء استقالة حكومة حازم الببلاوى، خاصة بعد أن أخذت الحكومة على نفسها وعودا بإقرار الحد الأدنى للأجور لهذا القطاع، ولم تقدر على تنفيذه، بينما نجد الآن حكومة المهندس إبراهيم محلب تتبرأ منه، ولا يريد أى من وزرائه ضم القطاع العام لحقيبته الوزارية خوفا من مشاكله الكثيرة. أيضا مشاكل عمال شركات القطاع العام كانت السبب الرئيسى فى عدم الاستعانة بوزير الاستثمار السابق أسامة صالح فى الحكومة الجديدة، وتجسد هذا فى كثرة المظاهرات العمالية ضده ومطالبة العمال بإقالته، وهو ما دفع الجهات العليا إلى تنحيته جانبا ودمج وزارة الاستثمار مع وزارة التجارة والصناعة وتكليف منير فخرى عبد النور بهذه الحقيبة المثقلة. على صعيد متصل أكدت مصادر بوزارة الاستثمار، أن قطاع الأعمال العام أصبح بمثابة «لقيط» فى الحكومة الجديدة، ويبحث عن وزارة تؤويه، خاصة بعد أن تفاقمت مشاكل العمالة التى لا تستطيع حكومة أن تتحملها. واعترفت المصادر بأن الببلاوى وعد عمال القطاع العام بما لا يستطيع تحقيقه عندما أوهمهم بأنه سيطبق الحد الأدنى للأجور عليهم، رغم عدم قدرة الحكومة على تنفيذه بشكل رسمى فى مختلف قطاعات الدولة، وعندما لم تستطع الحكومة تنفيذ هذا الوعد انفجر فى وجهها، بدءا من اعتصامات عمال غزل المحلة وعمال النقل العام وصولا لعدد كبير من الشركات الحكومية فى مختلف المحافظات. مصادر أخرى أكدت أن الوزير الجديد منير فخرى عبدالنور، يحاول تفادى القطاع العام وإخراجه من حدود مسئولياته الجديدة، نظرا لعدم قدرته على تلبية مطالب المصانع التى تحتاج إلى إعادة هيكلة واستثمارات بالملايين، إضافة إلى مطالب العمال التى لا تنتهى وخاصة عمال الشركات التى تحقق خسائر فادحة ويريد عمالها أرباحا. وعلى صعيد متصل وضع وزير الاستثمار السابق أسامة صالح مجموعة من الأفكار لتطوير القطاع، تعتمد على فكرة أن خصخصة الإدارة هى السبيل الوحيد لإضفاء الفكر الربحى والتنموى على شركات قطاع الأعمال بعد فشل نظام الخصخصة القديم. بالإضافة إلى فكرة الدمج والاستحواذ بين الشركات، خاصة مع ارتفاع خسائر بعضها وصعوبة أن تستمر لفترات طويلة محملة أعباءها على شقيقاتها من الشركات الرابحة، والميزة أنها تعد كبديل لعملية التصفية التى لاحقتها سمعة سيئة، خاصة أن هناك بعض الشركات مازالت تحت التصفية منذ نحو 10 سنوات وحتى الآن. ومن ضمن الاقتراحات إعداد دراسة للاعتماد على القطاع الخاص فى الإدارة أو المشاركة بعد فشل نظام الخصخصة القديم، كما أنه لا غنى عن ضخ استثمارات جديدة فى الشركات، كى يقدر القطاع الخاص على إعادة الثقة فى نشاط شركات قطاع الأعمال العام، وبالتالى فتح باب التمويل البنكى، بالإضافة إلى إنشاء جهاز لإدارة الأصول المملوكة للدولة. هذه الأفكار لم تخرج إلى النور لضيق وقت الحكومة السابقة وكثرة الضغوط عليها، مما يجعلنا ننتظر التنفيذ من أى وزارة توافق على ضم هذا القطاع لها، حتى نرى مصيره الذى بات قنبلة موقوتة فى وجه الدولة المصرية. من جانبه اقترح عادل الموزى الوزير المفوض لقطاع الأعمال العام الأسبق، فكرة دمج شركات القطاع فى 50 شركة فقط، كأفضل وسيلة لجعل الشركات قادرة على المنافسة، وذات قوة اقتصادية ملحوظة، خاصة أنه مع مرور الوقت لن تستطيع الشركات الاستمرار بهذا العدد البالغ 146 شركة. وجاء رأى الموزى مدفوعا بارتفاع حجم الأعباء التى تتحملها الشركات وارتفاع خسائر بعض الشركات خاصة التى ينافسها القطاع الخاص، مع تراجع الاستثمارات التى يتم ضخها فى القطاع بعد توقف الحكومات السابقة تماما عن ضخ استثمارات فى قطاع الأعمال العام منذ 1991. أحد طرق تخفيض عدد الشركات هو اللجوء إلى التخلص من بعضها بأن يتم تحويلها إلى الوزارات قطاعيا، فمثلا تعود شركات الإصلاح الزراعى إلى وزارة الرى، وشركات التجارة الداخلية إلى التموين، وشركات السياحة إلى وزارة السياحة، وإن كانت تلك الفكرة تلقى اعتراضا كبيرا بسبب أن الوزارات ترفض الشركات الخاسرة، وتفضل أن تنتقل لها الشركات الرابحة ذات الأصول.