مناشدة الدولة التدخل للحفاظ على «تكرير الملح» وحماية 14 ألف صناعة تتصل به تعديات على 6 كيلومترات من أراضى الشركة ووقف تدفق استثمارات بنحو 40 مليون جنيه طالب الدكتور أسامة عبدالعزيز، رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب، لشركة المكس للملاحات، بضرورة تدخل الدولة لإنقاذ الشركة مما وصفه بتعنت محافظة الإسكندرية فى تجديد حق الانتفاع الخاص بالشركة بوصفها أهم منتجى الملح فى مصر. وقال: إن الشركة تنتج مليونًا وأربعمائة ألف طن سنويًا من الملح الذى يدخل فى أكثر من 14 ألف صناعة، ويمثل عصبًا مهمًا للاقتصاد المصرى فى الوقت الراهن، مشيرًا إلى أن هناك توجهًا لدى المحافظة لطرح أراضى الملاحات بمحافظة الإسكندرية، للمستثمرين فى أعمال لا علاقة لها بصناعة الملح، الأمر الذى يدمر هذه الصناعة الاستراتيجية، ويتسبب فى تشريد أكثر من ثلاثة آلاف عامل بالشركة، بالإضافة إلى الآلاف من العمال فى صناعات مساندة ومتصلة بصناعة الملح. وأكد فى حوار ل «الصباح» أن الشركة التى تأممت سنة 1969 تحت مسمى شركة النصر للملاحات، لا تجد إنصافًا من الدولة فى كل المراحل، وظل استخدام الشركة وفق قواعد حق الانتفاع قائمًا حتى 2005، ثم بدأ نظام الرئيس السابق، خطط الخصخصة بوحشية، وأصبحت الشركة وأرضها ضمن بؤرة اهتماماته، لكنه لم يتمكن من تنفيذ مخططه نظرًا لتماسك الموقف القانونى للشركة. وقال: إن مساحة الأراضى الخاصة بالشركة تبلغ 40 كيلومترًا، وتقع فى واحدة من أهم المناطق الاستراتيجية بالإسكندرية، الأمر الذى جعلها مطمعًا ل «حيتان الخصخصة»، وعلى رأسهم أصحاب شركات البتروكيماويات، الذين أقاموا مصانع على مساحة نحو 6 كيلومترات، ثم اقتطعت الدولة أجزاء من الشركة لشق طريق دولى، ما تسبب فى «شطر الشركة إلى نصفين». وحذر عبدالعزيز من أن محاولات «تصفية الشركة» تسير على قدم ساق، فى عهد الرئيس محمد مرسى، وذلك عبر العراقيل التى تحول دون تجديد حق الانتفاع لمصلحة رجال أعمال بعينهم، وهو الأمر الذى ينعكس بالسلب على إنتاج الشركة من الملح الذى يغطى نحو 75% من حاجات مصر. وفيما يلى نص الحوار: * نظم العمال بالشركة مؤخرًا وقفة احتجاجية، فما مطالب العمال؟ - العمال لا مطالب لهم، إلا الحفاظ على قوت يومهم، ومصدر رزقهم، الذى يرتهن ويرتبط ببقاء شركتهم، والحقيقة أن عمال الشركة يشعرون بالانتماء للشركة، وهم غاضبون من عدم تجديد عقد الانتفاع المبرم مع الدولة، وخائفون بالطبع من تشريدهم، عبر القضاء على هذا الصرح الاقتصادى الكبير والمهم. إن القضاء على شركة تأسست قبل أكثر من قرن ونصف القرن من الزمان، يعنى تجريف تاريخ طويل، ويقضى على صناعة توفر على الدولة ملايين الجنيهات سنويًا، نظرًا لأن أسعار ما ننتجه محليًا أقل بعدة أضعاف من أسعار الملح فى الأسواق العالمية. *وهل هناك عقبات قانونية تحول دون تجديد العقد؟ - إن مسئولى محافظة الإسكندرية يريدون قبل العقد المبرم منذ 2005، ولمدة عشرة أعوام، أن يطرحوا أرض الملاحات للمزايدات، وذلك دون الاهتمام بطبيعة النشاط الاقتصادى الذى ستتم إقامته على هذه الأرض. قد يقول قائل: هذا أمر طبيعى، لأن الدولة من حقها، أن تحصل على أفضل العوائد، لكن هذا غير صحيح بالنسبة لصناعة مهمة كتكرير الملح، الذى يدخل فى 14 ألف صناعة، من الصناعات التكميلية والكيماوية والبتروكيماوية، فضلا عن دوره فى تنقية وتطهير مياه الشرب، والمياه المستخدمة فى الصناعات الثقيلة، كما تصدر الشركة كميات كبيرة من إنتاجها إلى 22 دولة أوروبية ما يدر على الدولة العملات الأجنبية، التى تحتاج إليها بشدة فى ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة. إن التوجه نحو طرح أراضى الشركة للمزايدات، أشبه ما يكون بما فعله نظام مبارك، حين قرر التوقف عن زراعة القمح، وهو من أهم المحاصيل الاستراتيجية، لمصلحة زراعة الفراولة، بدعوى أن الفراولة أغلى ثمنًا، الأمر الذى أدى إلى مشكلات منها ارتهان رغيف البسطاء بإيرادات الدول المنتجة للقمح. الأمور لا تحسب دائمًا بطريقة، البحث عن المكاسب السريعة والقريبة، فهناك أمور استراتيجية، وصناعات يؤدى وقفها إلى الإضرار بصناعات أخرى متصلة بها، هذا فضلًا عن تسبب الأمر فى خسائر مستقبلية، وهو الأمر الذى يعبر عنه المثل الشعبى الحكيم: «خسارة قريبة ولا مكسب بعيد». إن الشركة تلقت نهاية مارس الماضى، من الجيولوجى عادل على مصطفى، مدير عام مشروع المحاجر والملاحات بالمحافظة، رسالة تفيد برفض محافظ الإسكندرية، طلب الشركة تجديد التعاقد، بناء على المذكرة التى قدمها المستشار القانونى للشركة إلى المحافظة، وجاء فى الرسالة أن المحافظة تؤيد طلب المالية بعدم جواز تجديد التعاقد بالأمر المباشر، ولابد من طرح هذه العملية فى مزايدة علنية، وهو ما يعنى الدخول فى مرحلة تقاضى لا نعرف متى نخرج منها. * لكن ليس منطقيا أن نطالب الدولة أن تخسر.. أليس كذلك؟ - إن الشركة لا تخسر فعليًا، فهى ذات أصول تتعدى 100 مليون جنيه، وعدد أسهمها يبلغ خمسة ملايين، وتحقق أرباحًا لا بأس بها سنويًا، وتسدد الضرائب المستحقة عليها للدولة. أنا بالطبع أرفض أن تخسر الدولة، لكنى أدافع عن كيان اقتصادى قائم، وأسعى إلى الحفاظ على شركة ارتبطت بها، كونى من عائلة ارتبطت بهذه الشركة، وأنا من الجيل السادس، كما أننى أرفض أن يخسر العمال أرزاقهم وهم بالنسبة لى شركاء أصليون ينتمون إلى الشركة ولهم فيها مثل ما لى. كما أن قرار طرح أراضى الشركة للمزايدة، بالنسبة لى غير قانونى، والشركة رفعت دعوى قضائية ضد طرح الشركة للمزايدة، وتختصم الدعوى وزارة المالية ومحافظة الإسكندرية معًا، وطالما لم يبت القضاء، فعلى الدولة أن تبقى الوضع على ما هو عليه. وكانت الجمعية العمومية بقسمى الفتوى والتشريع بمجلس الدولة، قد أفتت قبل خمس سنوات، بعدم خضوع عمليات تأجير واستغلال المحاجر، لأحكام قانون تنظيم المناقصات والمزايدات، الصادر بالقانون رقم 89 لسنة 1998.. كما أصدرت محكمة القضاء الإدارى العديد من الأحكام التى تثبت أنه لا يجوز لجهة الإدارة إلغاء حق الانتفاع كليًا أو جزئيًا، طالما أن المنتفع يلتزم بتسديد التزاماته فى أوقاتها، وهو الأمر الذى تحرص عليه الشركة كل الحرص. والمعروف أن الشركة تخضع لأحكام قانون المناجم والمحاجر، رقم 27 لسنة 1981، ما يعنى أن موقفنا القانونى سليم، وليس هناك ما يشوبه. كما تحرص الشركة على سداد التزاماتها للمحافظة فى وقتها ودون إرجاء، علمًا بأن الشركة متعاقدة مع الدولة بحق الانتفاع حتى أغسطس 2015 وهذا يعنى أن طرح أراضى الشركة للمزايدة ضد المبدأ القانونى المتعارف عليه: العقد شريعة المتعاقدين. * ما تفسيرك لتعنت المحافظة فى التجديد؟ - لا تفسير لى ولا أريد أن أخوض فى تكهنات ربما تكون صحيحة أو خاطئة. * هل تعتقد أن رجال أعمال الإخوان يريدون الانتفاع بالشركة؟ - لا تعليق.. الأمر لا يزال غامضاً. تقديرى للأمر أن الدولة الآن فى أمس الحاجة إلى الاستقرار، والحزب الحاكم يؤكد دائمًا أن الاستقرار هو الضمانة الوحيدة لدفع عجلة الإنتاج وجلب الاستثمارات، فهل سيؤدى تشريد آلاف العمال إلى الاستقرار؟.. وهل تضمن الدولة أن المستثمر الذى يحظى بأراضى الشركة فى المزايدة المزمعة، لن يوقف نشاط الشركة، ويقيم نشاطا آخر؟.. ألن يؤدى الأمر إلى اعتصامات وإضراب وبطالة ومشاكل نحن فى غنى عنها فى الوقت الراهن؟.. هذه أسئلة أتوجه بها إلى القائمين على الأمر فى المحافظة، ممن يضعون الأشواك فى طريقنا. * هل لديك معلومات محددة عن المستثمرين الراغبين فى الاستحواذ على أراضى الشركة؟ - دعنى أؤكد لك أن هناك شائعات من هنا ومن هناك، لكن أيًا من يكون شخص المستثمر الراغب فى الأمر، فهو فى النهاية «قرصان» يريد الاستيلاء على مشروع ناجح، دون النظر إلى مصلحة الدولة، ومن غير أن يرتعش له جفن، أو يساور ضميره الندم، وهو يدمر مستقبل آلاف العمال، ويضرب صناعة لها هذا التاريخ الطويل فى مصر. إن صناعة تكرير الملح، ليست صناعة هامشية، حتى نترك أمرها لمن لا يعرف أهميتها، فهى تدخل فى 14 ألف صناعة، منها الصناعات التكميلية البترولية، والبتروكيماويات، وصناعة حفظ وتعليب الأغذية، وتنقية مياه الشرب، وغيرها، ومن ثم لا يجب المساس بها، أو تدمير أكبر صروحها فى الشرق الأوسط لصالح استثمارات لا نعلم فعليًا جدواها الحقيقية. * إذن.. ما مبررات الدولة لطرح المزايدة؟ - هناك مراسلات بين وزير المالية والشركة، وأخرى بين الشركة والمحافظة، وفى المراسلات، تؤكد المالية والمحافظة، أن سياسات الدولة تتجه إلى السعى نحو تعظيم الإيرادات، وهذا مبرر هش لا يثبت أمام البراهين العقلية، لأن الدولة ليست تاجرًا يعرض بضاعته لأعلى سعر، لأن هناك سلعًا استراتيجية، وصناعات حيوية لابد من الحفاظ عليها. إن حكومة الدكتور هشام قنديل، تنتمى إلىمدرسة شيكاغو الاقتصادية، التى أسسها ميلتون كريدمان، وهى مدرسة تعتمد على بيع أصول الدولة لجلب الأموال، دون الالتزام بمبدأ الإبقاء على المشروعات الناجحة، والسعى للنهوض بها استثماريًا، مع عدم الالتزام الاجتماعى بحقوق العمال من قبل رجال الأعمال. * وهل هناك فى الوقت الراهن أى تبعات عادت سلبًا على الشركة جراء عدم تجديد العقد؟ - مجددًا.. العقد لا يزال ساريًا، وهناك رغبة ما فى الخروج عن القانون، لكن بالطبع إن الشركة ككيان تضررت من التلويح بطرح المزايدة، حيث شجع هذا الأمر الأفراد والجهات على التعدى على أرضها، هذا بالإضافة إلى توقف عدد كبير من المستثمرين، عن ضخ استثمارات فى شرايين الشركة، علمًا بأن هناك مفاوضات حاليًا، مع عدد كبير، من رجال الأعمال العرب والمصريين، لضخ أكثر من 40 مليون جنيه، تساهم فى زيادة رأس المال، ومن المقرر أن يتم تخصيص هذا المبلغ للتعاقد على أجهزة حديثة تساهم فى مضاعفة إنتاج الشركة، ورفع المستوى النوعى لمنتجاتها. والمؤسف حقًا أن معظم المستثمرين، أرجأوا قرارهم حتى تنتهى أزمة المزايدة، لأنه لا يمكن لمستثمر أن يخاطر بأمواله فى مشروع غير مستقر بنسبة 100%، فهل هذا يرضى الدولة؟.. وهل حقًا تريد الدولة أن تؤسس نهضة اقتصادية؟.. هذه أسئلة مشروعة فيما أحسب. * ماذا لو أن مستثمرًا آخر تولى تطوير الشركة وحقق للدولة عوائد أكبر؟ - ليست هناك نية حقيقية فى بقاء الشركة، فحسب معلوماتى فإن معظم المستثمرين، الراغبين فى خوض المزايدة، التى ما زلت أكرر أنها غير قانونية، ليسوا من «أبناء المهنة». والحقيقة أن القضاء على شركة المكس، التى توفر نحو 75% من احتياجات السوق المحلى من الملح، سيؤدى إلى أن تتسول مصر هذه السلعة الاستراتيجية المهمة، هذا فضلا عن التداعيات المتعلقة بخسارة العملات الأجنبية التى تضخ فى شرايين مصر، مقابل تصدير إنتاجنا من الملح إلى الخارج.