قدم رئيس وزراء الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي استقالته من رئاسة الحكومة مساء أمس الجمعة ، بعد عامين من المعاناة القاسية في إدارة جميع الملفات السياسية والاقتصادية والإدارية. وتعد حكومة ميقاتي الثانية له عقب تحمله المسئولية فى 19 أبريل من عام 2005 ولمدة ثلاثة شهور خلفا لعمر كرامى بعد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري فى نفس العام ، حيث كانت مؤقتة وتقوم بإدارة الدولة حتى تجرى الانتخابات بحيادية ويتم انتخاب المجلس النيابي، وفي 25 يناير من عام 2011 كلفه الرئيس ميشال سليمان برئاسة الحكومة ، بعد حصوله في الاستشارات النيابية على 68 صوتا من بين 128 نائبا مقابل 60 صوتا للرئيس سعد الحريرى عقب استقالة 11 وزيرا منها. ونالت حكومة ميقاتي ثقة المجلس النيابى فى يوليو 2011 بعد مشاورات مطولة استغرقت حوالى ستة شهور من أجل توافق سياسى بشأن شكل الحكومة إلا أن الفرقاء السياسيين من قوى" 14 آذار" رفضوا المشاركة فإضطر إلى تشكيل حكومة من 8 آذار رغم التباين بين مواقف بعض الكتل السياسية المنضمة تحت لواء الحكومة وخاصة من التيار الوطنى الحر وحزب الله. واستطاعت الحكومة تمرير أصعب المراحل السياسية على البلاد خاصة منذ اندلاع الازمة السورية واتباع سياسة النأى بالنفس عما يجرى بدمشق ، والتى سببت قلقا كبيرا للحكومة تبعا لتطورات الازمة واشتدادها واتهام بعض القوى بالتغاضى عما يحدث على الحدود مع سوريا سواء حول تهريب السلاح أونزوح المقاتلين للمشاركة فى القتال .
وواجهت حكومة رئيس وزراء لبنان المستقيل نجيب ميقاتي العديد من الصعاب خلال العامين الماضيين من عمرها، وحاولت بحث فى كل الملفات السياسية والاقتصادية المتراكمة طوال السنين الماضية إلا أنها كانت أقوى من الحكومة وتمكنت منها وجاءت اللحظة الفارقة التى قصمت صمودها. ومثلت مشكلة تمويل المحكمة الدولية المختصة بالتحقيق فى جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبنانى الاسبق رفيق الحريرى معضلة هددتها أكثر من مرة ولكنها نجحت فى تدبير التمويل اللازم للمحكمة ونالت ثقة المجتمع الغربى والامم المتحدة بصدق توجهات الحكومة . كما عانت كثيرا من جريمة اغتيال رئيس فرع المعلومات اللواء وسام الحسن الذى كان ينظر اليه كمعاون أساسى لميقاتى ، وتيار المستقبل المعارض ؛ ما مثل ضربة قوية لمسيرة الحكومة الميقاتية. وانحازت الحكومة فى أخر جلساتها مساء أمس الخميس إلى طبقة العاملين وأقرت مشروع قانون زيادة الاجور والمعروف بسلسلة الرتب والرواتب بعد مخاض عسير امتد حوالى سبعة شهور من النقاش المستفيض والمعارضة القوية من الهيئات الاقتصادية وهيئة التنسيق النقابية إلا أنها انجزت وقررت الموافقة وإحالة المشروع إلى البرلمان .
وواجه ميقاتوي أيضا معضلة شائكة فى عقر داره بطرابلس مسقط رأسه وسببت له إحراجا شديدا أمام أنصاره ومؤيديه وفشلت كافة المحاولات فى كبح الاقتتال الدائر سواء فى باب التبانة وجبل محسن وباقى الاحياء الطرابلسية وسبب التوتر الامنى سقوط العديد من الضحايا والمصابين . وعانى ميقاتى الكثير من معوقات التعيينات فى المناصب العليا بالدولة وكان يبذل جهدا كبيرا فى تعيين مسئول بمنصب إداري بسبب الطائفية والمذهبية وضرورة مراعاة حقوقها فى انصبة التعيينات ، فضلا عن تصديه للكثير من رفض الكتل النيابية لمشروع حكومته حول التوافق على قانون انتخابى جديد وكان أخرها رفض مشروع انشاء هيئة للاشراف على الانتخابات النيابية أوالتمديد للواء أشرف ريفى مدير الأمن الداخلي .
وقال رئيس "جبهة النضال الوطني" اللبناني النائب وليد جنبلاط إن من يتحمل مسئولية استقالة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي هو من لم يترك له مجالا لتعيين موظف ، وأننا في السفينة نفسها مع ميقاتي، وهو طرح إمكانية قيام حكومة وحدة وطنية ونحن نعمل لصالح البلاد ويجب ألا تأخذ أمور الاستقالة ابعادا دراماتيكية. وبدوره .. أكد وزير الداخلية مروان شربل أنه كان من الوزراء المصرين على التمديد لمدير عام قوى الامن الداخلي أشرف ريفي ولكن طلب منح مهلة للقيام باتصالات حول الموضوع، وأنه كان يشعر بأن الحكومة ستستقيل اليوم ..قائلا "سمعت خطاب ميقاتي ومسرور بالسنتين التي أمضيناها معه وانتجت الحكومة فيها الكثير من الامور، مرحبا بدعوة ميقاتي للعودة إلى الحوار. وأعرب شربل عن تأييده لتشكيل حكومة حيادية لادارة الانتخابات .. متوقعا أن يتم الاتفاق على قانون انتخابات من الآن وحتى نهاية العام مع وجود حكومة حيادية اعضاؤها ليسوا من المرشحين للانتخابات ..معتبرا انه لا يجب أن نستثني حزب الله أو أي فريق آخر من أي حكومة .
وثمن رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في بيان موقف ميقاتي بالاستقالة خصوصا وأنها جاءت أثر رفض فريق 8 آذار التمديد لقادة الاجهزة الامنية والعسكرية وإصراره على إدخال البلاد في مزيد من الفراغ الخطير والقاتل. وأعرب عن تمنياته بأن يبادر رئيس الجمهورية ميشال سليمان بتحديد مواعيد الاستشارات النيابية لتسمية رئيس حكومة جديد، يعمل على تشكيل حكومة تحمي الشعب والدستور، وتحقق الاستحقاقات في مواعيدها، وتنقذ لبنان من المآزق السياسية والاقتصادية والامنية التي زجت الاكثرية الحكومية المغادرة البلاد فيها. ورأى رئيس حزب "التوحيد العربي" الوزير السابق وئام وهاب أن ميقاتي أحسن بالاستقالة .. مشيرا إلى أن تعطيل جلسات الحكومة كما طرح رئيس الجمهورية فيه مخالفة دستورية تصل إلى الخيانة العظمى ويجب محاكمته عليها .
وأعلن انه مع تسوية سياسية تقوم على اساس عودة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة ولكن بشروط . ورأى رئيس كتلة "المستقبل" النائب فؤاد السنيورة انه كان على الحكومة ان تستقيل منذ فترة طويلة لاصلاح الخلل الذي سببته، لافتا إلى أن هناك فريقا حقيقيا في لبنان كان يتمنع عن الوصول إلى نقطة . وقال إننا وصلنا إلى مرحلة اصبح متعذرا الالتزام بالموعد الدستوري للانتخابات النيابية وبالتالي استقالة الحكومة تفتح الجهة لعودة الحوار وتشكيل حكومة جديدة .. مستبعدا أن يكون هناك تأثير لاستقالة الحكومة على الوضع الأمني ، وأن من يفجر الأوضاع الأمنية هم حملة السلاح المعروفون وليس في ذلك مصلحة لأي فريق .