أكد الروائى الكبير بهاء طاهر أن استبعاد المبدعين والمثقفين من اللجنة التأسيسية لوضع الدستور للبلاد أمر فى غاية الخطورة، وإن كان ليس جديدا، لافتا إلى أن إقصاء المثقفين بدأ فى عصر الرئيس السابق حسني مبارك، وربما من قبله، فهم يريدون أن تكون الأمة بلا عقل. وقال الروائى الكبير إن أسوأ ما يحدث فى المجتمع الآن هو الاستغناء عن المثقفين الذين أسسوا الدولة المدنية الحديثة، مؤكدا أن الإقصاء كان متعمدا، وأضاف أن "قوى الظلام" تريد إحلال الواعظ بديلا للمثقف، وهى خطة مدبرة منذ القدم. وتابع: أن المبدعين والمثقفين هم خط الدفاع عن الدولة المدنية لذلك هناك إصرار على التخلص من الجماعات المدافعة عن مدنية الدولة، منوها إلى أن ما يحدث الآن وراؤه جماعات الإسلام السياسي، وأن إقصاء اتحاد الكتاب والنقابات الفنية ونقابة التشكيلين هو فعل متعمد وليس صدفة. وأشار إلى أنه أصدر الطبعة الثانية من كتاب /أبناء رفاعة.. الثقافة والحرية/ والذى يتناول فيه التهميش الذي حدث للمثقفين في كافة المناصب والفعاليات، إلى جانب الحديث عن الدور الذي قام به المثقفون في مصر لتحقيق نهضة فكرية للمجتمع، وإسهام فى صناعة الحرية وما قدموه لمصر فى هذا المجال ، واختتم حديثه بقوله :"ربنا يستر على البلد". بينما قال الشاعر سعد عبد الرحمن رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة إن تهميش المثقفين في تشكيل الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور يعكس نظرة الدولة ومؤسساتها التشريعية إلى الثقافة والمثقفين باعتبارهما هامشيين وثانويين ولا وزن لهما.وأضاف أن الأمم تفتخر بما لديها من ثقافة ومثقفين وهم ثرواتها المعنوية، ورغم ذلك عندما تتشكل الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور في مصر يتم تجاهلهم. وتابع : إن كتابة الدستور دون أي تمثيل لنخبة المجتمع من مثقفيه ومبدعيه دليل على أن أول القصيدة كفر وينبئ بما يكون عليه الثقافة مستقبلا وكيف سيتم التعامل مع المثقفين. وأشار إلي أنه لا يعفي المثقفين مما آل إليه حالهم لأنهم تشرذموا وبعضهم أصبح براجماتيا يقيس كل شيء بما يتحقق له من مصلحة ولذلك دورهم في الحياة المعاصرة أصبح محدودا لكثرة تطاحنهم على الفتات، ولأن الكثيرين منهم التحقوا بحظيرة الدولة في السابق مما أفقدهم مصداقيتهم في الشارع، معتبرا أنهم شاركوا كأفراد في ثورة" 25 يناير" وليسوا كقوة فاعلة. من جانبه أكد الدكتور عماد أبو غازي وزير الثقافة الأسبق أن المشكلة الرئيسية الخاصة بالجمعية التأسيسية لوضع الدستور الجديد للبلاد ليس فيمن يمثلها، ولكن فى الطريقة التى ستصل بها للدستور، مؤكدا أهمية أن يعبر الدستور الجديد عن جميع فئات المجتمع ، وأن تكون القرارات بالاجماع أو بأغلبية كبيرة. وأكد أبو غازى أهمية أن يكون تمثيل كافة أطياف المجتمع وفئاته تمثيلا موضوعيا بعيدا عن حسابات العدد ، لافتا إلى أن تمثيل النقابات المهنية داخل اللجنة التأسيسية للدستور لابد أن يكون بعيدا عن المقرات السياسية والدينية التى تنتمى لتيار أو فصيل دون الآخر. وطالب أبو غازى بضرورة التأكيد على حرية الرأى والتعبير والاعتقاد والإبداع، وأنه هذه الحقوق لا ينبغى أن تمس ولا يمكن التراجع فيها، وأن حرية العقيدة والرأى مكفولة ولا تمس بالقانون، لافتا إلي أن الوطن شهد معاناة كبيرة مع النصوص الرائعة التى كانت توقف بقوانين تمنعها. ونوه إلى ضرورة أن يتواصل المثقفون مع رجل الشارع البسيط وعدم تركه لتيارات رجعية، وقال"إن المبدع الحقيقى كفيل بأن يدافع عن فنه ورؤيته ضد قوى الظلام". وأشار الناقد والكاتب الكبير أحمد الخميسي أن عدم اختيار أي مثقف أو كاتب ضمن أعضاء الجمعية التأسيسية للدستور مؤسف جدا، وقال"لقد استنكرت الجماعة الثقافية بمختلف أطيافها ذلك التجاهل لوضع ووزن الثقافة". وأضاف:: أن التجاهل يشمل كل فئات الإبداع الثقافي والفني، ويشير ذلك الموقف المؤسف إلى حقيقة موقف القوى الحاكمة من الثقافة عموما، وهو موقف يعتبر أن الثقافة ترف أو تسلية في أحسن الحالات. وتابع: أن هذا الموقف ينطوي في واقع الأمر على نظرة استعلائية للثقافة، ونظرة استهانة، هي امتداد لنظرة تاريخية تم بموجبها في العشرينات تطليق رئيس تحرير صحيفة من إحدى بنات عائلة كبرى، وجاء في حيثيات الحكم أن التطليق يتم نظرا لأن الزوج - أي الصحفي - يمتهن مهنة حقيرة!. وقال: نحن مازلنا تقريبا عند مرحلة احتقار المثقف والثقافة والظن ولو بشكل غير واع أنه ليس للمثقفين دور في الحياة السياسية والعامة، منوها إلى أن عدم اختيار مثقف أو كاتب أو مخرج أو فنان تشكيلي لا يطعن في الثقافة، لكنه طعنة في الذين لم يختاروا مثقفا، وهو دليل على جهلهم ليس إلا. ووصف الشاعر عاطف عبد العزيز استبعاد المثقفين من لجنة الدستور بأنه فضيحة بكل مقياس، بل لم يحدث ذلك في أي مكان في العالم. وقال إن العجيب أن هذا التجاهل تم في المرتين اللتين تم تشكيل اللجنة فيهما، وأغلب الظن أن هذا يرجع لكون القوى الرئيسية على الساحة قد تختلف في أمور كثيرة لكنها تتفق على معاداة الثقافة والمثقفين. وتابع: يمكن أن يضاف إلى ذلك التردي الواضح في صورة المثقف الناشئ عن عزلته وسلبيته، فضلا عن ارتماء رموزه على مدى حقب طويلة في أحضان الأنظمة مما رسخ صورته كتابع يتم استخدامه في المشاريع الاستبدادية، ورأى أن عودة المثقف إلى مكانه ومكانته مرهونة بأدائه من الآن. ولفت القاص شريف عبد المجيد إلي أن أول دستور مصري شارك في صنعه كبار الأدباء والمفكرين، مثل أحمد لطفي السيد ، بل إن شعار "الشعب يريد.."، مأخوذ من بيت شعري لأبي القاسم الشابي. وأكد أن الدساتير يكتبها أصحاب الخيال والمبدعون ويصيغها القانونيون، إلا أن العجيب في الحالة المصرية هو أننا نجد الاتفاق الوحيد بين مرشحي الرئاسة الحاليين مثلا هو تجاهل الثقافة وعدم وجود برنامج ثقافي لأي منهما، معربا عن اعتقاده بأن ذلك يرجع إلى أن كلا منهما يستفيد من حالة الجهل والفقر الفكري لدى الشعب المصري، فزيادة الوعي الثقافي كفيلة بإسقاط كل منهما.وقال: لا أجد في استبعاد المثقفين والكتاب أمرا غريبا، لأن ذلك جزء أصيل من التركيبة الفكرية لحزب الأغلبية في السابق والآن. بينما قال الشاعر محمد فريد أبو سعدة إنه لا يفهم سراستبعاد اتحاد الكتاب، وهو نقابة مهنية، من عضوية اللجنة التأسيسية لوضع الدستور، إلا على أنه نذير سوء وعلامة على فهم الإسلاميين للفكر والثقافة والإبداع. وأضاف: لقد أصبحت أميل إلى تضمين نصوص باب الحقوق والواجبات في دستور 23 ودستور 54 في دستور الثورة الجديد مع تحصينها ضد الطعن أو طلب التغيير، كما جاء في المادة 156 من دستور 23. وشكك في إمكانية أن يتم عمل دستور حقيقي دون تضمين هذه الأبواب التي كانت تعبيرا حقيقيا عن الشخصية المصرية وإرادتها الحرة في عيش كريم ووطن يستحق الأفضل. من ةجانبه اعتبر الروائي فتحي سليمان أن حال اتحاد الكتاب أعطى انطباعا لدى الإسلاميين بضآلة حجمه وتجاهله، لكنه توقع أن يطلب من الاتحاد ترشيح عضو يمثله في وضع الدستور، لتوكل إليه مهمة محددة، وهي مراقبة الصياغة اللغوية وليس أكثر من ذلك. وقال: نحن في زمن لا يعتد بكلام الروائيين وكاتبي القصص الخيالية نحن في الطريق إلى سنوات من أدب التابلويد والصحف الصفراء، مثلما حدث بعد ثورة يوليو. وقال الباحث والناقد أيمن عبد الرسول إن المثقف المصري يتم تهميشه واستبعاده من قبل كل ممثلي السلطة أيا كان توجهها، فلا يفرق في ذلك نظام مبارك عن الإسلاميين، وإن كان موقف هؤلاء أشد وأقسى على المثقفين. ودعا عبد الرسول المثقفين إلى الوقوف يدا واحدة في وجه مستبعديهم لإيصال رسالة واحدة مفادها أن برلمانات ما قبل 52 شهدت عضوية أسماء كبيرة وبارزة من المثقفين أمثال طه حسين وعباس العقاد والسؤال: هل عقمت ثورة 25 يناير عن فتح باب المشاركة السياسية لوجوه ثقافية شاركت وتفاعلت إيجابا مع ثورة شباب مصر. وأوضح أن الثورة نفسها تم القفز عليها، ومن ثم أصبح استبعاد المثقف جزء من خطة كبرى لاستبعاد كل من يمثل الثورة في مكتسباتها. ورأى الكاتب الروائي سيد الوكيل أن المشاركة في الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور على أساس فئوي هو الخطأ الأكبر، معتبرا أن التمثيل في هذه الجمعية يجب أن يكون لخبراء وشخصيات عامة لها خبرات دولية في هذا المجال. وقال إنه من المهم إسناد هذه المهمة للمثقفين من الوزن الثقيل في هذا المجال مثل الدكتور جلال أمين، باعتباره مثقفا له وزن وخبرات في المجالات السياسية والقانونية والإبداعية، ومثل الروائي بهاء طاهر الذي اطلع على تجارب دولية وله خبرة مغايرة تناسب هذه الجمعية. وأضاف: أن من عيوب اختيار النقابات لهذه الجمعية، أنها ترسل برؤسائها، ومع كل الاحترام لهم فالمسألة ليست وظيفة، والتقسيم الحالي للجمعية برمته لا يرضي المصريين. وأعتبر الشاعر الكبير زين العابدين فؤاد أن البرلمان الحالي لا يمثل الشعب المصري بدليل الغضب الشعبي المتزايد ضد جماعة الإخوان المسلمين والتيار السلفي ،وهو ما تجلي في يوم 25 يناير 2012 في مسيرات بعد عام علي بداية الثورة، عندما خرج نحو 4 ملايين في القاهرة وحدها يهتفون ضدهم. وأضاف: أن الجشع الذي يحكم الجماعة وحزبها يقودهم إلى الانفراد بتشكيل لجنة إعداد الدستور، متناسين تماما أن دستور الأمة يصنعه التوافق العام لا الأغلبية البرلمانية التي تتغير من انتخابات لأخري، وسوف يدفعون ثمن ذلك من رصيد حزبهم بعد أن يكتشف الناس حقيقة الوعود الزائفة. وشدد فؤاد على ضرورة أن يصطف الجميع في معركة الدستور، لافتا إلى أن الشهيد المصري العظيم "عبد الحكم الجراحي" والذي كتبت عنه كثيرا هو شهيد الدستور لأنه كان في مظاهرة في 15 نوفمبر 1935 وضرب برصاص الانجليز علي كوبري عباس، وذلك بعد استشهاد محمد عبد المجيد مرسي الطالب في كلية الزراعة، فتقدم الشهيد عبد الحكم الجراحي ورفع علم مصر، وظلت مصر تتذكرهما. ونوه إلي أن عبد المجيد عاد من جديد و"رفعت العلم يا عبد الحكم" ، كانت هذه المظاهرة تطالب بعودة دستور 1923، وتابع قائلا:أن معركتنا من أجل تحرير الوطن من الديكتاتورية ستكون ممتدة. من جانبه أكد نقيب التشكيليين الدكتور حمدي أبو المعاطي أنه تم عقد مؤتمر لجبهة الإبداع أعلن خلاله رفضهم التام لتشكيل اللجنة التأسيسية لإعداد الدستور لخلوها من المبدعين والمثقفين، لافتا إلى أن اللجنة الجديدة هي نفس اللجنة السابقة مع اختلاف الصياغة. وقال نقيب التشكيليين إن الأحزاب الممثلة في اللجنة الجديدة لإعداد الدستور هي أحزاب "كارتونية" ، معتبرا أنه تم تجاهل النقابات المهنية التي لا تخضع لهوى التيارات الإسلامية، في مقابل أنه تم تمثيل النقابات التي يسيطر عليها الإخوان مثل الأطباء والمهندسين والصيادلة، منوها إلى أن إقصاء المبدعين غير مقبول وهو يفسر بجهل القائمين على تشكيل اللجنة بدور الثقافة والمبدعين أو عن قصد لتهميش دور الثقافة لما لها من أثر في بنية المجتمع. وأضاف: أن دستور البلاد هو وثيقة مجتمعية لابد أن يشارك فى وضعها كافة التيارات والأطياف السياسية، مؤكدا أن الدستور غير مرتبط بحزب أو أغلبية، متوقعا أن يكون الدستور الجديد وفقا لأفكار القوى الإسلامية التي تتصدر المشهد الحالي. ونوه إلى أن النقابات المهنية هي التي تمثل المجتمع وأن المثقفين والمبدعين هم ضمير الوطن والمعبرين عن هموم المواطن واحتياجاته، لافتا إلي أن جموع المثقفين سيتصدون لما وصفها "قوى الظلام والرجعية". بينما أكد الدكتور عبد الناصر حسن رئيس الهيئة العامة للكتب والوثائق القومية ضرورة أن تضم اللجنة التأسيسية للدستور كافة فئات المجتمع ، لافتا إلى الدستور القادم هو مستقبل مصر كله ، لذلك لابد أن تمثل مصر بكل طوائفها ، لاسيما لمثقفين الذين يمثلون عقل الأمة. وقال رئيس دار الكتب والوثائق القومية إن هناك العديد من القوى الظلامية تقف وراء إقصاء المثقفين من تأسيسية الدستور، وأن هذا الإقصاء يهدد بتآكل الدولة المدنية التي سعى لبنائها كافة المبدعين في مختلف المجالات. ووصف المشهد السياسى الحالى فى البلاد بأنه مشهد ضبابي وأن الرؤية غير واضحة، وأن الأيام المقبلة ربما تشهد مجموعة من التغيرات التى يتمنها رجل الشارع، لافتا إلى أن إقصاء المثقفين والمبدعين بهذا الشكل هو بمثابة إلغاء لعقل وضمير الوطن. وأشار إلى أنه يجب على اللجنة التأسيسية للدستور أن تؤكد على الحريات التى خلقنا الله متمتعين بها ، لافتا إلى أن الحرية أيضا لها التزامات ، وأن الإنسان لابد أن يكون وعيا للأمور ولديه رؤية ومستوعبا للأحداث لأن لا توجد حريات مطلقة ، والحرية فى الأساس هى التزام.