مثل أي زوجة فقدت زوجها في ظروف غامضة، تحاول الكشف عن أسباب وفاته والبحث عن الجناة مهما كلفها الأمر، في ظل صخب إعلامي رافق إعلانها وعزمها علي استخراج جثة زوجها وتحليلها للتدقيق في سبب وفاته، ولأن زوجها كان قياديا بارزا قد يكلفها الأمر العداء مع كيان سياسي أو استخباراتي كبير قد يكون الموساد نفسه، وهو ما يهدد حياتها بالخطر، إلا أنها تقف صامدة في وجه الريح مؤكدة أنها ستتحمل كل تبعات موقفها، فقد قررت سهي عرفات زوجة رئيس السلطة الفلسطينية الراحل ياسر عرفات أن تحل غموض وفاة زوجها، لاسيما أن الظروف أصبحت مواتية في ظل الربيع العربي الذي تعيشه الدول العربية. هي سهي داود عرفات، ولدت في 17 يوليو 1963 بالقدس وكان لقب عائلتها الطويل، وهي من أسرة مسيحية ثرية، والدها درس بجامعة اكسفورد وورث ثروة كبيرة، ووالدتها كانت شاعرة وطنية فلسطينية، كما كانت أيضا ناشطة فلسطينية، وقد أسست مطبعة بالقدس وتعرضت لعقوبة الإقامة الجبرية أكثر من مرة علي يد الشرطة الإسرائيلية وبدأت دراستها بالقدس ثم أكملتها بجامعة السربون بباريس، وقد قدمتها والدتها لعرفات بعمان عاصمة الأردن حيث كانت تعمل صحفية، بعد ذلك رشحها عرفات للقيام ببعض الأعمال في مجال العلاقات العامة من خلال منظمة التحرير الفلسطينية، بعد ذلك أصبحت مستشارته الاقتصادية. زواجها من عرفات تزوجت من عرفات في 17 يوليه عام 1990 وكان عمرها حينئذ 27 عاما، وأقيم الحفل بشكل سري في مكتب منظمة التحرير بالعاصمة تونس، وبعد الزواج بفترة قصيرة أعلنت إسلامها، وظل زواجها من عرفات سرا لمدة عامين، حيث جاء بعد سنوات كان يرفض فيها عرفات الزواج مؤكدا أنه متزوج من الثورة الفلسطينية وأقامت سهي مع زوجها بغزة في عام 1994 ولكنها كانت تقضي أوقاتا طويلة في الخارج، لاسيما في فرنسا، وكانت نقطة التحول في حياتها عند زيارة بيل كلينتون الرئيس الأمريكي الأسبق للقطاع في عام 1998، وخلال الزيارة تم تصوير سهي مع هيلاري كلينتون في حضانة للأطفال، وخلال الزيارة اتهمت سهي إسرائيل بحقن ماء الفلسطينيين باليورانيوم، وكان الرد قوياً جدا عندما تم الإعلان من خلال وسائل الإعلام أن منزل عرفات مليء بصور للبابا والمسيح علي عكس ما تم إعلانه بأن سهي أسلمت، الأمر الذي دفع عدداً من القيادات الفلسطينية بطلب انسحاب سهي من السلطة الفلسطينية. قطاع غزة وبعد اتفاقية أوسلو وعودتها للقطاع أسست سهي منظمة أهلية، وعملت من خلال موقعها السياسي علي تحسين أوضاع المرأة بالمجتمع الفلسطيني، وفي 24 يوليو 1995 أنجبت ابنتها الوحيدة بباريس وتسبب اختيار سهي لمستشفي فرنسي لولادة ابنتها في غضب الفلسطينيين الذين يعيشون في ظروف صعبة بغزة، لاسيما أنها كانت قد صرحت من قبل أن الظروف الصحية والمستشفيات في غزة وضعها مريب.. ومع اندلاع انتفاضة الأقصي في سبتمبر 2000، غادرت سهي مع ابنتها علي باريس، وقد أغضب خروجها من غزةالفلسطينيين الذين قالوا إنها لم تستطع تحمل الحياة اليومية القاسية التي يعيشونها، لتقيم في الرفاهية بأموال زوجها الموجودة في باريس، وكانت التقارير الإعلامية حول مشترياتها سببا في زيادة الغضب عليها من سكان غزة.. وكانت سهي تعيش حياة مرفهة جدا علي عكس الحياة التي اعتاد عليها زوجها، الأمر الذي كان يؤدي لخلاف بينهما، حتي أنها اشتكته بإحدي وسائل الإعلام قائلة " إنه لا يريد أن يشتري لها المجوهرات وأنه يبخل عليها ".. ورغم ذلك فقد حظيت بتأييد شعبي كبير عندما رفضت الحصول علي تأشيرة كبار الشخصيات والتي تسمح لها بالعبور من نقاط التفتيش الإسرائيلية بسهولة. الثروة والرفاهية وتشير التقارير إلي أن سهي تملك ثروة كبيرة، حيث كان عرفات يتقاضي أجرا يساوي 100 ألف دولار شهريا من السلطة الفلسطينية، واتهمتها بعض المصادر بحصولها علي جزء من أموال الدعم الخارجي للفلسطينيين، ولم تنف سهي هذا الاتهام.. كما تؤكد التقارير أن سهي ووالدتها وابنتها كانوا ينتقلون بين شقتين غاليتين في باريس، واحدة تقع داخل فندق فخم وهو فندق بريستول، حيث تتكلف الليلة الواحدة فيه حوالي 16 ألف دولار. وقامت القناة الأمريكية سي بي إس بالتحقيق في وضع سهي عرفات المالي، واكتشفت أن والدتها ريموندا الطويل، تعيش بأموال الدعم للفلسطينيين وأيضا من أموال ضرائب الفلسطينيين. وفاة عرفات غير طبيعية ادعت سهي خلال فترة مرض عرفات أن أعضاء بقيادة السلطة الفلسطينية يرغبون في دفنه حيا، ومن بين الأشخاص الذين اتهمتهم نبيل شعث وأحمد قريع ومحمود عباس، والذين قرروا تأجيل سفرهم إلي باريس لرؤية عرفات بسبب هذه الاتهامات.. وبعد وفاة عرفات أبرمت سهي اتفاقا مع السلطة الفلسطينية تتسلم وفقا له 22 مليون دولار سنويا من السلطة، لكن لم يتضح بالضبط كم الأموال التي تسلمتها سها بالتحديد، ومنذ عام تقريبا أعلنت سهي أن زوجها لم يمت بشكل طبيعي، ولكن توفي من تأثير مادة سامة هي بولونيوم 210، وتقدمت برفع دعوي للمحكمة الفرنسية، وهي قيد التحقيق الآن.. كان معهد إشعاعي سويسري قد أعلن أيضا أنه تسلم طلبا من سهي ليتم اختبار جثة ياسر عرفات لمعرفة ما إذا كان قد مات مسموما بمادة البولونيوم المشع. وأشار المعهد إلي أنه ينتظر رسالة رسمية مكتوبة من محامي سهي عرفات حتي يتمكن علماء المعهد من التوجه لرام الله لاستخراج جثة عرفات من قبره وفحصها.. وطالب المعهد سهي بالإسراع حيث إن مادة البولونيوم تقل بمقدار النصف كل 138 يوماً، الأمر الذي يهدد بإمكانية عدم وجود أثر لها إذا طالت المدة، موضحا أنه بهذا المعدل تكون مادة البولونيوم قد انخفضت 20 مرة منذ وفاة عرفات.. وكان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أبومازن قد وافق أيضا علي فحص جثة عرفات، عقب نشر تحقيق إعلامي يؤكد وجود نسبة مرتفعة من البولونيوم في مقتنيات عرفات وملابسه التي ارتداها قبل وفاته بمستشفي عسكري بباريس.. ورحبت سهي بقرار السلطة الفلسطينية مؤكدة أن عملية التحقيق في الظروف التي رافقت وفاة عرفات سوف تكون بالتنسيق مع القضاء الفرنسي، الذي سيعين قضاة للإشراف علي التحقيق.. وكان الأطباء قد فشلوا في تحديد سبب وفاة عرفات فور وفاته، وساد اعتقاد بأن إسرائيل وراء قتله، وعلي الرغم من أن التحقيقات في وفاة عرفات قد ينتج عنها عواقب وخيمة، لاسيما وأن هناك اتهامات إسرائيلية للسلطة الفلسطينية بمقتل عرفات، إلا أن سهي مصممة علي الاستمرار في كشف الحقيقة مهما كلفها الأمر خلافات مع ليلي الطرابلسي نفت سهي كل ما تردد حول حصولها علي أموال السلطة الفلسطينية، موضحة أن زوجها لم يبن لها مصنعا ولم يقتن لها مجوهرات، ولكن بعد 50 سنة من العمل لصالح فلسطين، استطاع فقط أن يترك حديقة ألعاب لابنته بتونس.. وفي عام 2006 تزوجت سهي من أبوالحسن الطرابلسي نائب الرئيس التونسي، لكن في عام 2007 تم تجريدها من الجنسية التونسية وغادرت إلي مالطا.. وكان نفي سهي إلي مالطا قد جاء بعد خلاف حاد مع ليلي الطرابلسي، وقد كشفت برقية دبلوماسية صادرة عن السفارة الأمريكيةبتونس تفاصيل الخلاف بين سهي وليلي، وأشارت البرقية التي صدرت في نوفمبر 2007 إلي أن سهي ذكرت للسفير الأمريكي شخصيا أن نفيها من تونس جاء بسبب كراهية ليلي لها، ووفقا للوثيقة خسرت سهي 3.5 مليون دولار كانت قد استثمرتها في مدرسة قرطاج الدولية، وهو مشروع كانت ليلي أيضا شريكة فيه.. وكان من بين خلفيات هذا المشروع أن سهي اقترضت من بنك الإسكان التونسي 300 ألف دينار لتشارك بالمدرسة، علي أن يتم تسديدها خلال خمس سنوات، وكان السفير الفرنسي حينئذ سيرج دي جاليية قد اتصل بسهي وأخبرها أن لديه معلومات تفيد بأنها وليلي تخططان لإغلاق مدرسة فرنسية بتونس لإفساح المجال لمدرستهما.. وعلي الفور اتصلت سهي بليلي وأخبرتها بالأمر فأجابت بأن السفير الفرنسي لا علاقة له بالأمر، وأن هذه بلادها تفعل بها ما تشاء، عندئذ طلبت سهي الانسحاب من المشروع.. وبالتالي أصبحت سهي بريئة من هذا المشروع إلا أن ليلي استطاعت أن تورطها، وكانت النتيجة نفيها من تونس.. ونفت سهي علاقتها بهذه المدرسة مؤكدة أنها تنازلت عن حصتها رسميا لأسماء محجوب، وهي ابنة أخت ليلي، حيث وقعت سهي علي التنازل بعد حصولها علي 30 ألف دينار وتعهد ليلي بتحمل مسئولية القرض بالكامل.. كما وثقت البرقية سببا آخر للخلاف بين سهي وليلي، حيث طلبت سهي أموالا من العقيد معمر القذافي أثناء إقامتها بتونس، فقام الأخير بتوبيخ زين العابدين لعدم تأمين المال الكافي لزوجة عرفات وهو ما سبب حرجا له وتحول هذا الحرج فيما بعد إلي غضب، كما قيل إن الخلاف نشب بين ليلي وسهي بعد فشل زواج الأخيرة من بلحسن الطرابلسي الشقيق الأكبر لليلي.. وبعد الثورة التونسية وبالتحديد في ديسمبر 2011 أعلنت السلطات التونسية أنها قامت بإلغاء مذكرة التوقيف الدولية التي أصدرتها ضد سهي عرفات.