رغم أن إيمانويل ماكرون حظى بشعبية كبيرة عند توليه الرئاسة , فإن سرعان ما فقد بريقه حيث كشف استطلاع حديث للرأي في فرنسا، أن شعبيته، بدأت في التراجع بشكل ملحوظ ، حيث أبدى حوالي 67% ممن شملهم الاستطلاع عدم رضاهم عن سياسته، في حين أيده 32% فقط. جاء ذلك تزامنًا مع إعلان معهد الإحصاءات الفرنسى، أن الدين العام في فرنسا اقترب من 100% من إجمالي الناتج الداخلي، مع دمج ديون الشركة الوطنية للسكك الحديدية. وأجري الاستطلاع عبر الإنترنت في يومي 26 و27 سبتمبر الماضى، من قبل معهد "بي في آ" لحساب "أورانج" وإذاعة وتليفزيون "آر تى إل"، وصحيفة "لا تريبيون"، وشمل حوالي 1011 مواطنًا فرنسيا ممن تتجاوز أعمارهم 18 عامًا. ووفقًا للمراقبين، تتعدد الأسباب التي أدت إلى هذا التدهور الملحوظ في شعبية الرئيس الفرنسي، وكانت أولى هذه الأسباب فشله فى إدارة ملفي الأمن والاقتصاد، حيث بلغ الدين العام 2 تريليون و299.8 مليار يورو، مع إدماج ديون السكك الحديدية، الذى يعتمدها معهد الإحصاء منذ 2016. وتجاوز الدين العام في فرنسا بذلك إجمالي الثروة الوطنية في الفصل الثاني من 2017، وبلغ 100.9% من الناتج الإجمالى قبل أن يتراجع في باقي العام. وتعد أزمة الحارس الشخصي للرئيس ماكرون، "ألكسندر بينالا"، أيضًا ضمن أسباب تراجع شعبيته، حيث اتهم بينالا، في يوليو الماضي، بارتكاب أعمال عنف ضد المتظاهرين أثناء حضوره مظاهرة عيد العمال بباريس، وانتحال وظيفة ضابط شرطة واستخدام بطاقات مخصصة للسلطات العامة. وحظيت هذه الأزمة باهتمام الرأي العام في فرنسا، ونجحت المعارضة في استغلالها لتوجيه الاتهام إلى الرئيس ماكرون، الذي اهتزت صورته وتراجعت ثقة المواطنين فيه بصورة ملحوظة، كما شككت في شفافيته ومصداقيته وقدرته على حماية مؤسسات الدولة، وأفقدته شريحة كبيرة من مؤيديه. وبعد مرور شهر على أزمة بينالا، جاءت ضربة أخرى للرئيس الفرنسي، تتمثل في الاستقالة المفاجئة لوزير البيئة الفرنسي، نيكولا هولو، لتضع ماكرون في مأزق صعب، حيث أعلن هولو استقالته المفاجئة من منصبه في أغسطس الماضي احتجاجًا على سياسات الحكومة. ويعد هولو، من أكثر الوزراء الفرنسيين الذين يحظون بشعبية واسعة ، وزادت شعبيته أكثر بعد قرار الاستقالة بنسبة 12%، لتصبح 53% وذلك وفقًا لاستطلاع للرأي أجراه معهد "ايبسوس". ولم تتوقف الضربات، حيث أعلن وزير الداخلية، جيرار كولومب، أنه سيستقيل من منصبه بعد الانتخابات الأوروبية عام 2019، للترشح إلى رئاسة بلدية ليون، ليضيف مزيدًا من القلق والإرباك للرئيس ماكرون، حيث إن كولومب من أكثر الوزراء قربًا من الرئيس الفرنسي، وهو ما أكده في مقابلته مع مجلة "لكبريس" الفرنسية، عندما أشار إلى أن علاقته بماكرون التي تشبه علاقة الأب بابنه، وبالتالي فإن قرار مغادرته قد يساهم في تعقيد المشهد أمام الرئيس الفرنسي. بينما يعد العامل الرئيسي لتراجع شعبية ماكرون، هو تباطؤ النمو الاقتصادي واستمرار المعدلات المرتفعة للبطالة، حيث بلغت نسبة النمو الاقتصادي الفرنسي 1.7% بعدما كانت مقررة 1.9%، ولاتزال نسبة البطالة 9%. ويصف الفرنسيون الرئيس إيمانويل ماكرون، بأنه رئيس الأغنياء، حيث يرون أن معظم سياساته تصب في مصلحة الأغنياء والطبقات العليا والتي كان من بينها قراره بخفض الضرائب على الفئات الغنية والشركات في العام الأول من فترة رئاسته، بينما قام بخفض فوائد الإسكان ورفع ضرائب الضمان الاجتماعي التي أضرت بشكل مباشر بأصحاب المعاشات التقاعدية. ويرى المراقبون أن الأمر يزداد تعقيدًا بالنسبة للرئيس الفرنسي، خصوصا أن الكثيرين ينتقدونه، ويقولون إنه منذ توليه الرئاسة أصبح المحور الرئيس لأي قرار أو خطة، ويرجع البعض ذلك إلى غياب الخبرة السياسية في فريق العمل المحيط به من الوزراء والنواب الموالين له في المجال السياسي، وهو ما جعله يحتل موقع المرجع الأول والوحيد في كل صغيرة وكبيرة من قضايا البلاد. وأدت كل تلك الأزمات المتتالية التي تلاحق الرئيس الفرنسى، إلى تشكيل عائقًا في طريقه وهو ما أدى بدوره إلى تقليص قاعدته الشعبية وتراجع نسبة مؤيديه بشكل كبير.