أزمات عديدة واجهها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال الأشهر القليلة الماضية، تسببت في هبوط معدلات شعبيته إلى مستويات غير مسبوقة. الأزمة هذه المرة تأتي من أحد حلفائه السابقين، حيث أعلن وزير الداخلية جيرار كولومب تقديم استقالته، ليصبح ثالث وزير يتنحى في غضون شهرين. وأشارت وكالة "فرانس برس" الفرنسية، إلى أن رئيس الوزراء إدوارد فيليب، تولى إدارة وزارة الداخلية بشكل مؤقت، في حين بدأ ماكرون في البحث عن بديل كولومب البالغ من العمر 71 عامًا، والذي كان من أوائل السياسيين الذين دعموه للرئاسة. وتعهد فيليب وهو في طريقه إلى حفل تسلم منصبه، اليوم الأربعاء، "بالحفاظ على أعلى مستوى من الأمن للشعب الفرنسي" أثناء توليه مهام وزارة الداخلية. وتسبب قرار كولومب، الملقب ب"الشرطي الأعلى في فرنسا" حيث تتحمل وزارته مسؤولية الأمن والهجرة، في دخول الحكومة الفرنسية في حالة من الفوضى. وكان ماكرون رفض في البداية استقالته يوم الاثنين، ولكن في ليلة الثلاثاء، استسلم أمام رغبة كولومب في الترشح مرة أخرى على منصب عمدة بلدية ليون شرقي البلاد. ووصفت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية، هذا التردد في القرار بأنه "أمر غير عادي تمامًا، ويبدو كأنه يحدث في قاعة حفلات، وليس في أروقة الحكومة". اقرأ المزيد: الإليزيه يتأهب لإصلاحات صعبة.. هل يغامر ماكرون بشعبيته؟ ويضيف رحيل كولومب إلى مشاكل الزعيم الفرنسي الذي يواجه مستويات انخفاض غير مسبوقة في معدلات شعبيته بعد 17 شهرًا في السلطة. ويأتي ذلك بعد أسابيع فقط من استقالة وزير البيئة نيكولاس هولت على الهواء مباشرة، دون تحذير ماكرون، قائلا إنه يشعر "أنه يقاتل بمفرده" بشأن القضايا البيئة، كما أعلنت وزيرة الرياضة لورا فليسل استقالتها لأسباب شخصية في سبتمبر الماضي. علاقة أبوية وكان كولومب، وهو واحد من كبار القادرة السياسيين في البلاد، أشار قبل أسبوعين إلى نيته التنحي في العام المقبل للترشح لمنصبه القديم في ليون. لكنه تعرض لضغوط للاستقالة على الفور، حيث واجه انتقادات من العديد من المتابعين، الذين قالوا إن تركيزه قد تحول بالفعل إلى الحملة الانتخابية. وكان كولومب سبق أن قارن علاقته مع ماكرون، الذي يصغره بنحو 31 سنة، بعلاقة الأب والابن، وبكى أثناء تنصيب الرئيس الجديد في مايو 2017. توتر في العلاقة لكن تقارير عن توتر علاقتهما هذا الصيف بسبب فضيحة تتعلق بالحارس الشخصي السابق لماكرون ألكسندر بينالا، حيث ظهر بينالا أمام الكاميرات وهو يواجه المحتجين في مظاهرة مناهضة للحكومة، وهو يتظاهر بأنه شرطي. وتفجرت القضية لتصبح فضيحة كبرى بعد أن تبين أن مكتب ماكرون كان على علم بالحادث، ولكنه أبقى بينالا في منصبه، ولم يقيله إلا بعد أن كشفت صحيفة "لوموند" الفرنسية عن القصة. اقرأ المزيد: موازنة ماكرون تُصدر أزمات سياسية للحكومة الفرنسية وأُجبر كولومب على الدفاع عن نفسه خلال جلسة استماع في البرلمان الفرنسي في يوليو الماضي، وقال فيها إنه لا يعرف "بينالا"، وأضاف أنه كان على الرئيس الإبلاغ عن الواقعة لضمان اتخاذ التدابير المناسبة. وحدث أول خلاف علني بين ماكرون وكولومب في يناير الماضي، عندما عارض وزير الداخلية السابق القيود الجديدة المفروضة على الطرق التي فرضتها الحكومة، والتي خفضت الحد الأقصى للسرعة على بعض الطرق الفرنسية من 90 كيلومترًا في الساعة إلى 80 كيلومترًا في الساعة. وفي الآونة الأخيرة، كان كولومب أكثر جدية في انتقاد ماكرون، حيث قال في مقابلة تليفزيونية في أوائل سبتمبر الماضي، عن انخفاض شعبية الرئيس "في اليونانية، هناك كلمة تدعى العجرفة، إنها لعنة من الآلهة عندما تبالغ في ثقتك في نفسك"، وأضاف "في القصر الجمهوري، فقدنا القدرة على التواصل والاستماع مع الشعب". وعمل كولومب في منصب عمدة ليون لمدة 16 عاما حتى صعده ماكرون إلى وزارة الداخلية، وسرت شائعات بأنه كان يتطلع لولاية رابعة على رأس ثالث أكبر مدينة في فرنسا. انخفاض شعبية ماكرون ويأتي البحث عن وزير داخلية جديد، وهي واحدة من أقوى الوظائف في فرنسا، في الوقت الذي يتصارع فيه ماكرون مع مشاكل على عدة جبهات في سنته الثانية في المنصب. حيث وصل المصرفي السابق إلى السلطة، بعد أن تولى رئاسة حزب وسطي جديد، ووعد خلال حملته الانتخابية تطهير الساحة السياسية وإنعاش الاقتصاد الفرنسي المتدهور. لكن حكومته أُجبرت على خفض توقعاتها للنمو إلى مستوى ضعيف يبلغ 1.6% هذا العام، حيث تعثرت إصلاحاته المؤيدة للسوق الحر التي كان يسعى من خلالها لتحفيز الاقتصاد. اقرأ المزيد: بالأرقام.. ماكرون يخسر رهانه على الاقتصاد الفرنسي وتراجعت معدلات شعبيته، حيث أظهر استطلاع أُجري في 23 سبتمبر الماضي، أن 29% فقط من المشاركين في الاستطلاع راضون عن أدائه، في حين أظهر استطلاع أجرته شركة "قنطار سوفريس" في 18 سبتمبر، أن 19% فقط يشعرون أنه يقوم بعمل جيد.