لا شك أن البطانة التي تحيط بأي حاكم تؤثر بشكل كبير على تفكيره وأسلوبه في الحكم ،وقد تتسبب في أن تضعه بمكانة كبيرة في التاريخ, أو تضعه في قائمة سوداء،ويعد ستيف بانون المستشار الاستراتيجي للرئيس الأمريكي من أكثر الأشخاص المؤثرين فيه وبالنظر إلى أفكاره نجد أنه على ما يبدو قد يتسبب في نهاية مبكرة للرئيس الأمريكي الجديظ بسبب تعصبه وتطرفه وعدم اكتراثه لإراقة الدماء. ويري الخبراء أن ستيف بانون يشبه رئيسه دونالد ترامب في كثير من الأمور، حيث يتعامل مع كل الأمور بعقلية رجال الأعمال كما يفعل الرئيس الأمريكي الجديد ،لكن ما يميزه أنه يجيد التعامل مع الإعلام ويتفهم آلية عمل هذه المنظومة جيدا. وبالنظر للسيرة الذاتية الخاصة "ببانون" نجد أنه تخرج في جامعة فرجينيا للتكنولوجيا عام 1977، وحصل على درجتي ماجستير، إحداهما في دراسات الأمن القومي والأخرى في إدارة الأعمال، بتقدير امتياز من جامعة هارفرد. وتوجه بعد إنهائه الخدمة العسكرية للعمل في واحدة من أشهر المؤسسات المالية في العالم وهي بنك جولدمان ساكس، كمصرفي استثماري، ويبدو أن دخوله في المؤسسة كان نقطة انطلاقه، حيث أسس بعدها مع مجموعة من زملائه بنكا جديدا يهتم بقطاع الإعلام بشكل خاص سمى " بانون وشركاؤه" ، وعقد عددا من الصفقات الإعلامية الناجحة قبل أن يبيع البنك في 1998. ويتفق "ترامب وبانون" سياسيا،حيث ينتميان لليمين المتطرف، ويعد الأخير أحد قادة اليمين المتطرف في قطاع الإعلام الأمريكي،حيث استثمر من خلال بنكه في صناعة الأفلام فبدأ رحلته في هوليوود وبنى شبكة من العلاقات مكّنته من تكوين نفوذ داخل السوق الإعلامي ،كما مكنته من فهم الصناعة جيدا، فأنتج أفلاما منها ما كان مع الممثل شون بن الحائز على جائزة الأوسكار، وآخر مع المخرجة جوليا تيمور، وحصيلة الأفلام التي أنتجها 18 فيلما ،كما عمل على أفلام وثائقية، أحدها عن رونالد ريجان الرئيس الأمريكيالأسبق الذي وضع استراتيجية لاستعادة مفاصل القوة التي خسرتها أمريكا، ،واللافت أن بانون لم يحصر نفسه في مجال الأفلام والمسلسلات، بل توسع لأبعد من ذلك وكان شريكا مؤسسا في شبكة بريتبارت الإخبارية، والتي يتفرع عنها موقع بريتبارت «breitbart.com». وأصبحت شبكة بريتبارت بمرور الوقت المنبر المناسب والمنتظر لبانون كي يعبر فيه عن أفكاره التي تُوصف بالتطرّف، لاسيما بعد أن وصل لإدارة الموقع عقب وفاة أندرو بريتبارت، المؤسس الأول الذي سمي الموقع باسمه. وبذلك صار الموقع «يميني متطرّف» ويمثل أفكار اليمين البديل بميولٍ قومية شديدة، وذو روابط مع الشعبويين في أوروبا، ومن أحد أهم الكتاب في الموقع الكاتب اليميني البريطاني جيمس ديلينجبول. ومن يتابع الموقع بجد أنه مليء بالعناوين الهجومية، والموضوعات التي تتعاطى مع الأحداث من زاوية تعصبية أو عنصرية عرقية، فضلا عن أنه معاد و كاره للنساء، حسب وصف صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، ورغم تصريح بونان بأن الموقع منصة لليمين البديل، الذين هم مُحافظون متشددون يُكثرون من الهجوم على النخب الأمريكية الحاكمة.ولتلك الأسباب فإن هجوم الموقع العنصري والعرقي على الأقليات المختلفة ليس أمرا مستغربا من إدارة تحرير أيديولوجية، إنما كان المثير للاهتمام تفكير إدارة الموقع، عندما سحبت شركة كيلوجز «Kellogg's» الغذائية الشهيرة بتصنيع رقائق الذرة، كافة دعاياتها من الموقع، مُبررة ذلك بعدم اتفاق اتجاهات الموقع مع قيم الشركة ، ولم تكن هذه الشركة الأولى في قرارها هذا، حيث سبقتها بهذه الخطوة عدة شركات ومجموعات استثمارية، مما أثار غضب إدارة الموقع التي حولت أقلام فريق تحرير الموقع ضد الشركة، كما دشنت (هاشتاج) «#DumpKelloggs» لمقاطعة الشركة التي وصفها الموقع بأنها تكره وتقف ضد 45 مليون قارئا وزائرا للموقع، كما وصف قرار الشركة بالجبان، الاسترضائي لليساريين الشموليين واستغلت بريتبات أن للموقع قراء كُثُر للتنديد بالشركة ،حيث يحتل المرتبة 39 على مستوى الولاياتالمتحدة من حيث المشاهدات، و243 على مستوى العالم، وهو رقم 131 في كندا، و294 في بريطانيا. كذلك يتوافق "ترامب وبانون" في الكثير من الأفكار والأهداف، ويبدو أن هذا التوافق كبير لدرجة دفعت ترامب إلى تعيين بانون رئيسا تنفيذي ا لحملته الانتخابية، ودعم هذا خبرته الإعلامية ،وبالطبع لم يعف هذا القرار ترامب من الانتقادات الكثيفة من شتى وسائل الإعلام، ولا بد أن لبانون يدا دفعت تصريحات ترامب العنصرية والمليئة بالكراهية إلى الأمام دون خوف من رد الفعل الإعلامي، كما كانت استراتيجيته في إدارة حملة ترامب الانتخابية ترتكز على استفزاز مشاعر العنصرية وتحريكها عند المجموعات البيضاء، حيث كان مديرا للشبكة الإعلامية بريتبارت التي تُغذي أفكار المؤمنين بسيادة العرق الأبيض. وخلال الحملة تسربت الكثير من مصطلحات بانون إلى خطابات ترامب، حيث إنه من المعروف عنه أنه يستخدم كلمة التطرف الإسلامي، ويكره تعدد الثقافات ويندد بالهجرة، وكثيرا ما ينادي بنظرية المؤامرة، وقد أعلن مرة أن الولاياتالمتحدة في حالة حرب ضد ما أسماه بالتطرف البربري الإسلامي لحماية ما بنته سابقا. ونتيجة لهذا التأثير قرر ترامب أن يعين رفيقه كبيرا لمستشاريه وكبيرا للاستراتيجيين في البيت الأبيض، حيث وصل بانون للبيت الأبيض بنفوذ واسع زاده قوة تعيينه عضوا دائما في مجلس الأمن القومي الأمريكي، ليحوز بمفرده على قبضة ممتلئة من المناصب والسلطات. وقد صرحت بعض وسائل الإعلام بأنه هو من حرض ترامب على قراره الأخير الخاص بحظر رعايا سبع دول من دخول الولاياتالمتحدة دون الرجوع لمستشاري الأمن الوطني. وبسبب "بانون" ظهر مصطلح "إنكار خفيف أو إنكار ناعم أو إنكار غير صادق أو إنكار إجباري للهولوكوست"، وأيا ما كان المسمى، فهذا هو ما قام به البيت الأبيض، ففي ذكرى الهولوكوست السنوية، نشرت الإدارة الأمريكية البيان السنوي عن الذكرى، ولكن مع اختلاف أثار تساؤل يهود أمريكا والعالم، وشريحة واسعة من الليبراليين الأمريكيين، حيث لم يربط البيان بين الهولوكوست واليهود، ولم يشر إلى معاناتهم واستهدافهم بشكل خاص من النازيين. وأثار هذا الأمر تخوف الكثيرين، لاسيما وأنه تم الربط بين هذا البيان وتصريح بانون عن حركته «اليمين البديل» حيث قال "هل هناك معادون للسامية في الحركة؟ بالطبع أكيد، لكن لا أعتقد أنها في مجملها معادية للسامية». ثُم ازدادت حدة الأمور وصولا إلى اتهام طاقم البيت الأبيض بإنكار الهولكوست كليا، وفقا لما قاله تيم كين عضو مجلس الشيوخ الأمريكي. ولم تكن استجابة البيت الأبيض لهذه الاتهامات كالمتوقع، حيث لم يقدموا اعتذارا بل أعلنوا أن ما حدث لم يكن خطأ موضحين أنه ،"قد عانى اليوغسلافيّون والغجر والرُوس والمثليّون والمعاقون وغيرهم عانوا، وليس اليهود فحسب". ثمَّ تجددت الاتهامات حين نشرت صحيفة الجارديان تصريحا للمؤرخّة المختصة بالدراسات اليهودية والهولوكوستية ديبروا ليبستاد، تقول فيه إن "الإنكار الخفيف للهولوكوست وصل لأرفع المكاتب في أمريكا، مع نزع لليهودية عن الهولوكوست، ووصل هذا للدائرة المغلقة التي تحيط بالرئيس الأمريكي، ملقية اللوم عليه" جدير بالذكر أن تنصيب بانون واجه الكثير من الاعترضات والتخوفات، كما وُصف قرار تعيينه عضوا دائما في مجلس الأمن القومي بالسابقة الخطيرة، وفقا لكمالا هاريس، العضو في مجلس الشيوخ الأمريكي. أمَا نانسي بيلوسي، الرئيسة السابقة لمجلس النواب في الكونجرس، فقد علَّقت على هذا التعيين بقولها إنّه "من المؤسف أن يصل لهذا المنصب رجل يؤمن بسيادة جماعة ما" بالإضافة لذلك فقد وصف أحد أعضاء البرلمان الأمريكي، وهو آدم شيف، بانون بأنه معاد للسامية وكاره للنساء. وقد علَّق نهاد عوض، رئيس أكبر منظمة إسلامية في أمريكا "كير" على ما حدث بقوله إنّه «يُشير إلى أن نظريات المؤامرة المتعلقة بمعاداة المسلمين وعقيدة القوميين البيض سيكون مرحبا بها في البيت الأبيض». والسؤال هنا هو إلى أي حد ستؤثر هذه التوجهات والأفكار التي يعززها بانون في قرارات وخطابات ترامب؟ وأيُّ مقدار من الضغط سيُصب عليه من اللوبي الصهيوني في واشنطن؟ وجميعها أسئلة مُلحّة تنتظر البحث عن إجاباتها من قبل معارضي ترامب وإدارته. لكن لبانون رأي آخر، صرح به في إحدى مقابلاته الصحفية حيث قال "وسائل الإعلام هنا هي حزب المعارضة، فهم لا يفهمون هذا البلد، ما زالوا لا يفهمون لماذا دونالد ترامب هو رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية، وبالتالي يجب أن تبقي فمها مغلقا، لا يزالون لا يفهمون ما يحدث، في الوقت الذي يستمر فيه ترامب في سن القوانين والتشريعات التي تخل بقيم ما يسمى بالحلم الأمريكي"، ولعل هذا ما دفع الكاتب الفلسطيني همام يحيى للقول عن ترامب، إن "حركة قوية أو شخصا قويا في السلطة يمكن أن تغير من الواقع جذريا وسيلحقها جيش من الأكاديميين والباحثين والمفكرين هرولة وجري". ووفقا لصحيفة الجارديان فإن دونالد ترامب لا يقرأ، وإنما يترك هذه المهمة لكبير مخططيه الاستراتيجيين، ستيف بانون. وبحسب مجلة تايم، فإن واحدا من أهم الكتب التي يقرأها بانون هو كتاب التحول الرابع ،الذي يقول بإن التاريخ الإنساني يتحرك في دوائر كل 80 إلى 100 عام، كل واحدة من هذه الدوائر تصل إلى ذروتها بكارثة عنيفة تدمر النظام القديم وتستبدله بشيء جديد. وبالنسبة للولايات المتحدة، فقد كان هناك ثلاثة اضطرابات من هذا النوع: الحرب الثورية التي أسست أمريكا وانتهت عام 1783، والحرب الأهلية في ستينات القرن التاسع عشر (1860)، والحرب العالمية الثانية في أربعينات القرن العشرين. وبحسب الكتاب، فإن أمريكا على أعتاب الثورة الرابعة. وبالنسبة لبانون فإن هذا التوقع ليس مدعاة للخوف، بل البهجة. واقتبست مجلة تايم، التي كان بانون على صورة غلافها منذ فترة ، من كلامه ما يدل على أنه يتوق توقا إلى نشوب صراع دموي واسع النطاق. فالشعار المحبب له هو "نحن في حالة حرب"، سواء كان هذا في سياق الحديث عن الصراع مع الفكر الجهادي، وهو الأمر الذي وصفه بانون بأنه حرب وجودية عالمية من الممكن أن تتحول إلى حرب فعلية كبيرة في الشرق الأوسط، أو الصدام الذي يلوح في الأفق مع الصين. كل هذا الشوق لإراقة الدماء، بحسب التقرير، يمكنه أن يفسر عدم انزعاج بانون من الفوضى والاشمئزاز اللذين تسبب فيهما الحظر الذي فرض مؤخرا، على اللاجئين،والذي مرره بانون بلا أي استشارة تقريبا مع باقي أعضاء الحكومة الأمريكية. ويرجع ذلك إلى أنَه من أنصار الحدث الصادم ،حيث وصف نفسه بأنه «لينيني» وقال لأحد الكتاب في 2013: «أراد لينين أن يدمر الدولة، وهذا هدفي أيضًا. أريد أن أحطم كل شيء» ويبدو أنَّ الحرب هي طريقته المختارة لفعل ذلك،ويبدو أن ترامب يسير على منهجه دون تريث أو مراجعة. ويبدو أن التشابه بين بانون وترامب ليس فقط في كونهما رجال أعمال ،ولكن حياتهما الشخصية والاجتماعية متشابهة أيضا ،فكما تزوج ترامب أكثر من مرة فقد تزوج بانون من ثلاث سيدات وطلّقهن، وأنجب منهن ثلاث بنات، واتهمته إحداهن بالعنف المنزلي والاعتداء.