1- هل سيعقد مصالحة مع الإخوان ؟ 2- كيف سيكون دور القطاع العام في الاقتصاد مقابل دور القطاع الخاص؟ - 3 هل يعرض أغصان الزيتون على منتقدي الحكم العسكري ومناصري الإخوان ؟ 4- هل سيتعهد بعدم استخدام النظام القمعى للقضاء على معارضيه؟ 5- هل سيتخذ خطوات لإعادة فتح المجال السياسي للعلمانيين والإسلاميين على السواء؟ أكدت ميشيل دان الباحثة في معهد كارنيجي للسلام الأمريكى, أن المصريين على وشك تسليم مفاتيح بلادهم إلى المشير والمرشّح الرئاسي عبد الفتّاح السيسي، من دون أن يدركوا إلى أين يقودهم. وأوضحت فى مقال لها على موقع المعهد , فى حقيقة الأمر أنهم لا يعرفون إلا القليل نسبيا عن السيسي، الأمر الذي يطرح إشكالية نظراً إلى الكم الهائل من التحديات التي تواجهها مصر. فالسيسي نفسه لم يعطِ سوى حفنة تلميحات قليلة عن أفكاره حين أعلن ترشّحه للرئاسة وهو يرتدي الزي العسكري، خلال آخر ظهور له كضابط في 26 مارس. وقالت دان لم يبدأ السيسي ظهوره العام إلا في الآونة الأخيرة، فبصفته مدير المخابرات الحربية والاستطلاع، لم يكن عملياً معروفاً للعامة، إلى أن تعاون مع الرئيس السابق محمد مرسي بعد إقالة محمد حسين طنطاوي من منصب وزير الدفاع في أغسطس 2012 وتعيينه بدلا منه ، ثم قام بإطاحة مرسي في يوليو 2013. وطوال الأشهر التي أعقبت ذلك، وتخللتها أسئلة عما إذا كان السيسي سيعين نفسه خلفاً لمرسي، حيث حافظ السيسي على هالة الغموض التي أثيرت حوله . وعلى رغم موجة التعاطف الشعبي المصري معه، إلا أنه بقي شخصية ابتعادية وغير واضحة المعالم. وزعمت دان أن مواطنين في بلدان كثيرة حول العالم يدلون بأصواتهم استناداً إلى شخصية المرشح أكثر من استنادهم إلى مشروعه السياسي، إلا أنهم يملكون على الأقل خيارا. لكن المصريين هذه المرة ليس لديهم ذلك. وقالت إن الانتخابات الرئاسية، المرجح إجراؤها في مايو 2014 ستكون مختلفة بشكل كبير عن المعركة الانتخابية في يونيو 2012 التي شهدت تنافسا شديدا ،حيث بدأت الحملة آنذاك بأكثر من مرشح من بينهم أربعة أو خمسة متنافسين جدد فاز في ختامها مرسي بعد جولة محتدمة خاضها أمام ضابط برتبة فريق أول متقاعد أحمد شفيق. وتابعت : لكن في هذه الانتخابات المقبلة لن يواجه السيسي منافسة جدية سواء من اليمين أو من اليسار،ومن غير المرجح أن يترشح للرئاسة منافس إسلامي, فمع تصنيف جماعة الإخوان المسلمين رسمياً منظمة إرهابية، سيكون من الصعب التسامح معها. كما أن الجماعات السلفية منقسمة بين داعمين للسيسي ومقاطعين للعملية الانتخابية. إضافة إلى ذلك أعلن عبد المنعم أبو الفتوح، أحد المرشحين الإسلاميين في انتخابات عام 2012 ورئيس حزب مصر القوية، أنه سيقاطع هذه الانتخابات. وهذا ما أعلنه أيضا المرشح اليساري في انتخابات عام 2012 خالد علي. ومن المستبعد أن تترشح شخصيات قومية ضد السيسي، لأنها لاتريد الدخول في مواجهة مع الجيش الذي أعلن قادته تأييدهم لترشحه في بيان غير مسبوق اعتبره الكثير من المصريين الذين يتمتعون بوعي سياسي مفاجئاً للغاية. وتوقعت "دان" أن المرشح الوحيد الآخر حتى الساعة للرئاسة وهو الناصري حمدين صباحي سوف يجتذب بعض الأصوات الاحتجاجية والعمالية، لكن الشباب الثوريين الذين جذبهم صباحي في عام 2012 أمسوا اليوم مشتتين ومحبطين ،وبذلك سيحقّق السيسي فوزاً سهلاً على الصعيد الانتخابي، وغير ذلك المستقبل ليس واضحاً. إذ يجهل المصريون موقف السيسي تجاه عددٍ من القضايا الأساسية، كما يجهلون ماينوي القيام به عند تسلمه سدة الرئاسة. لكن الكثيرين منهم يعلمون أن بلادهم تعاني من عقد متشابكة من المشاكل في مجالات الأمن وحقوق الإنسان والسياسة والاقتصاد. وأضافت الباحثة الأمريكية أنه منذ الإطاحة بمرسي في يوليو الماضي، تدهور الوضع الأمني سريعاً ليصبح الأسوأ منذ عقود. فالجماعات الإرهابية الجهادية التي نفذت في السابق هجمات صغيرة في سيناء أساسا، وسعت نطاق عملياتها إلى الداخل المصري أيضاً. والآن، لايكاد يمر يوم لايتخلّله على الأقل إطلاق النار على عنصر شرطة أو اكتشاف قنبلة. وتشي هجمات عدة في الآونة الأخيرة عن توجه مقلق نحو التصعيد من حيث التكتيكات والأهداف، ولاسيما تفجير سيارة مفخخة أمام مقر الشرطة في القاهرة وإسقاط مروحية عسكرية بصاروخ أُطلق من على الكتف في أواخر يناير. إضافةً إلى ذلك، تواصلت بشكلٍ مفاجئ الاحتجاجات الطلابية والمسيرات السياسية المنددة بإلاطاحة بمرسي، وهي لاتزال تُتوج باشتباكات وسقوط قتلى أسبوعياً في مختلف أنحاء البلاد. وزعمت دان أنه كان هناك انتهاكات في حقوق الإنسان منذ يوليو 2013 صنفتها بأنها الأقسى في تاريخ مصر الحديث، وأنها وصلت إلى مدى يعادل على الأقل حملة القمع التي مارسها الرئيس السابق جمال عبد الناصر ضد الإخوان المسلمين في خمسينيات القرن المنصرم.إلا أنه يصعب الحصول على المعطيات في ظل بيئة سياسية مشحونة ومستقطبة، لكن يبدو من المعلومات التي أمكن جمعها أن 2500 مصري على الأقل قتلوا في التظاهرات، وأن 19 ألفاً قبض عليهم إما لمشاركتهم في مسيرات مؤيدة لمرسي أو لارتباطهم بالإخوان المسلمين، منذ شهر يوليو 2013. وقالت دان إن الحكومة المصرية الحالية تحمل الإخوان المسلمين صراحة مسئولية ارتكاب الهجمات الإرهابية. وادعت "دان" أن الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها، تبرز بشكل أكبر المناخ شديد الاضطراب الذي يسود مصر. إذ سيتم إقصاء أو تهميش حزب الحرية والعدالة الذي ينتمي إليه مرسي والذي فاز بغالبية المقاعد تقريباً في الانتخابات الأخيرة، بسبب ارتباطه بالإخوان. وحتى الأحزاب العلمانية التي أيدت بشكل فعال أو غير فعال إطاحة مرسي، مثل أحزاب المصري الديمقراطي الاجتماعي، والمصريين الأحرار، والوفد، وغيرها، قد تتضاءل فرصها على الأرجح بسبب العودة إلى نظام انتخابي كان سارياً في عهد مبارك وتهيمن عليه المقاعد الفردية لا القوائم الحزبية. ولذا، فإن الأحزاب السياسية الوليدة التي بدأت تقف على رجليها خلال الانفتاح السياسي الوجيز في البلاد بعد ثورة عام 2011، معرضة إلى التهميش في الانتخابات البرلمانية التي يطغى عليها المال والعائلات القديمة والعلاقات مع الأجهزة العسكرية والأمنية وهو الأمر الذي قد يمنح سلطات فعلية جديدة للرئيس القادم. وأوضحت دان أن القضايا الاقتصادية تبدو أيضاً مقلقةً جداً بدورها، وقد تذكي على الأرجح نار الاضطرابات الشعبية إذا تم إهمالها فمصر تواجه نقصاً ملحاً في الطاقة، حيث أن سنوات من الدعم الحكومي للطاقة تركت نصف حاجات الصناعة الثقيلة دون تلبية ، وجعلت المستهلكين يواجهون انقطاعاً متكرراً بشكل متفاقم للتيار الكهربائي.إضافة إلى أن معدلات البطالة لاتزال مرتفعةً بشكل خطير، ولاسيما في صفوف الشباب، و بات العمال غاضبين كما كانوا مراراً طيلة السنوات الأخيرة. أما الإنفاق الحكومي على الدعم وعلى البيروقراطية التي تضم 7 ملايين موظف، فلا يمكن أن يستمر من دون المساعدات النقدية الكبيرة والمتكررة من دول الخليج، وهي خطة قصيرة الأمد في أفضل الحالات. وإعادة الإنفاق الحكومي إلى مستوى مستدام، تتطلّب تدابير تقشفية مؤلمة يمكن أن تولد مزيداً من الاضطرابات. كما أن إحياء النشاط الاقتصادي، يستلزم استعادة الاستثمار والسياحة على نطاق واسع، الأمر الذي سيحصل فقط في حال وجود تحسنٌ فى الوضع الأمني. وأكدت "دان" أن الحكومة المدعومة من الجيش ، تعمل في ظل أزمات متلاحقة, ويبقى السؤال الكبير المطروح ما إذا كان السيسي، بعد أن يتم انتخابه وتكاد تكتمل خريطة الطريق السياسية مابعد الثورة ، سيبدأ باتخاذ التدابير اللازمة لحل هذه العقدة من المشاكل. وأوضحت أن السيسي أعرب فعلا عن قلقه إزاء التحديات الاقتصادية "الهائلة" التي تواجهها مصر في الخطاب الذي ألقاء في 26 مارس، ووصف بطالة الشباب واعتماد الحكومة على المساعدة الخارجية بأنهما أمر "غير مقبول"، لافتاً إلى أن المصريين سينبغي عليهم القيام بتضحيات. وتابعت دان فى مقالها: عندما تبدأ حملته الرئاسية، يفترض أن يطرح السيسي مشروعين اقتصاديين كبيرين كجزء من حملته، يتعلق أولهما بالإسكان، وثانيهما بتنمية منطقة قناة السويس. سيتضمن المشروعان الإنخراط الكثيف للجيش وأموال الخليج، ولاسيما الإمارات العربية المتحدة. وتوحي هذه المبادرات بأن ميول السيسي في السياسات الاقتصادية ستكون شعبوية ودولية كما يمكن أن نتوقّع من شخص أمضى حياته في الجيش بدلا من التركيز على الإصلاح أو التوجه نحو إحياء قطاع الأعمال والاستثمار. كما أنها ستعزز المخاوف التي يعرب عنها رجال الأعمال في السر، ولاسيما المخاوف من أن يقصي الجيش بشكل متزايد القطاع الخاص عن مجالات واسعة في الاقتصاد. ونظرياً، ستسنح للمرشح الرئاسي الفرصةُ ليوضح مواقفه إزاء هذه القضايا في الحملة المقبلة. وفي حين يستبعد أن يشهد عام 2014 مناظرة رئاسية جدية ،سيتاح للسيسي بلا شك الكثير من الفرص للتحدث علناً. إذا اغتنم هذه الفرص وبدأ بتحديد ملامح شخصيته السياسية، فيفترض أن تسلّط إجاباته على خمسة أسئلة الضوءَ على كيفية معالجته التحديات الضخمة التي تواجهها مصر: وأول هذه الأسئلة هل يقر السيسي بأن البلاد تخوض غمار مرحلة من الصراع الداخلي والاستقطاب غير المسبوقين، وبأن ثمة حاجة إلى التعافي الوطني الآن؟ والملاحظ أنه ألمح إلى هذا الأمر في خطابه في 26 مارس، إلا أنه سرعان ما أشار إلى أن اللوم يقع على أعداء "داخليين وإقليميين وخارجيين" مجهولين. والسؤال الثاني هل يعرض السيسي أغصان الزيتون على الذين يشعرون بأنهم مهمشون ومعرضون إلى المضايقة منذ يوليو 2013 أي للشباب والصحفيين والمجتمع المدني ومنتقدي الحكم العسكري إضافة إلى مناصري الإخوان المسلمين؟ وأجابت الباحثة بأن الرؤساء المصريين الجدد يتمتعون عادةً بالشهامة، ويحاولون أن يظهِروا أنهم قادة الأمة بأسرها.لافته إلى أن السيسي أشار في خطابه إلى أن أي مصري لم تتم إدانته يجب أن يعَد شريكاً فاعلا، لكن هذا الكلام بالكاد مطمئن في ظل وجود عشرات الآلاف في السجون والمحاكمات الجماعية للمئات. والسؤال الثالث هل يعبر السيسي عن التزامه تطبيق حماية حقوق الإنسان المنصوص عليها في الدستور؟ وسيكون من الأساسي الإقرار بانتهاكات أجهزة الأمن والتعهد بانتهاج مسار عدالة انتقالية جدي ،ولفتت الباحثة إلى أنه لم يلمح إلى ذلك في خطابه الأول، بل أطلق وعداً بإعادة بناء الدولة والسؤال الرابع هل يعبر السيسي عن التزامه بالتعددية السياسية وسيتخذ خطوات لإعادة فتح المجال السياسي للعلمانيين والإسلاميين على السواء؟ وأشارت دان إلى أنه ألمح تلميحاً مقتضباً فقط إلى الديمقراطية في خطابه في 26 مارس. والسؤال الخامس هو كيف يناقش السيسي دور القطاع العام، ولاسيما الجيش، في الاقتصاد مقابل دور القطاع الخاص، وهل سيقر بأن قطاعاً خاصاً حيوياً وحراً هو الوحيد القادر على توفير الوظائف التي تحتاج إليها اليد العاملة المصرية الضخمة والمتنامية؟ وأوضحت دان أن السيسي قال في خطابه فعلا إن القدرات الانتاجية في "القطاعات كافة" يجب أن يعاد إحياؤها، وألمح إلى أن مصر لاتستطيع الاعتماد على المانحين الخليجيين إلى ما لانهاية. لكنه لم يقل شيئاً محدداً عن دورَي القطاعَين العام والخاص في توفير الوظائف. واختتمت "دان" مقالها قائلة: بعد أن سلّم المصريين مفاتيح الحكم للسيسي، سيسيرون خلفه وهم غير قادرين إلا على الصياح، على أمل أن يسترعوا انتباه الرجل الغامض الذي يقودهم.