ردود فعل عديدة أثارتها التقارير العالمية التي أشارت إلي تعاقد المجلس العسكري مع إحدي شركات ما يعرف ب" الضغط السياسي" أو "اللوبي الأمريكي" من أجل ما سمي في الأوساط الصحفية ب"تلميع المجلس" أو تحسين صورته في الأوساط الأمريكية خاصة لدي دوائر صنع القرار.. وربما كان مبعث هذه الردود أن هذا المنهج في التعامل مع الإدارة الأمريكية كان منتهجا من قبل النظام المخلوع خاصة من رجال جمال مبارك الذين أنفقوا ملايين الدولارات من خزينة الدولة من أجل الدعاية الزائفة وكسب ود الأمريكيين وتهيئة الأجواء لتقبل جمال مبارك رئيسا لمصر.. وبالتالي فإذا كان رجال النظام السابق قد تعاقدوا مع هذه الشركات لتوطيد سلطتهم في مصر فما الداعي إذن لتعاقد المجلس العسكري معها في ظل تأكيده علي تسليم السلطة لرئيس مدني منتخب؟ وما الداعي أيضا للتعاقد مع هذه الشركات بمبالغ خيالية في ظل الأزمة الراهنة التي يعاني منها الاقتصاد المصري الذي يحتاج لكل دولار من أجل عبور هذا النفق المظلم بدلا من إنفاقه علي حملات دعائية؟ الغريب أن الشركات التي لجأ إليها المجلس العسكري لتحسين صورته هي نفسها الشركات التي كان يلجأ إليها النظام المخلوع خلال السنوات الماضية.. بل إن عددا من رموز النظام المخلوع المحبوسين علي ذمة بعض القضايا مثل الرئيس المخلوع حسني مبارك ونجليه علاء وجمال وكذلك أحمد عز قد تعاقدوا مع شركات أخري من أجل كسب تعاطف الرأي العام الأمريكي معهم من خلال الدفاع عنهم في الكونجرس الأمريكي والتأكيد علي عدم عدالة القضاء المصري في محاكمتهم الأمر الذي دعا عددا من المراقبين إلي الإشارة إلي أن هناك صراعا بين رموز النظام السابق والمجلس العسكري حول تحسين صورة كل طرف منهما لدي الأمريكيين مؤكدين أن المستفيد الوحيد من هذا الأمر هو شركات الضغط السياسي أو اللوبي الأمريكي التي تحصل علي ملايين الدولارات جراء هذا الأمر. وثائق أمريكية كان الكاتب الصحفي محمد المنشاوي والذي يعيش في الولاياتالمتحدةالأمريكية قد أشار في أكثر من معرض إلي أن وثائق وزارة العدل الأمريكية قد كشفت استمرار المجلس الأعلي للقوات المسلحة في اللجوء لنفس شركات اللوبي التي كان يستخدمها نظام الرئيس السابق حسني مبارك لتلميعه في واشنطن وهي شركة "مجموعة بي إل إم" التي تتكون من شراكة بين ثلاث شركات بواشنطن هي "بوديستا جروب" التي يرأسها اللوبي الديمقراطي "توني بوديستا" و"مجموعة ليفنجستون" التي أنشأها عضو الكونجرس الجمهوري السابق من ولاية لويزيانا روبرت ليفنجستون و"موفيت جروب" التي يرأسها عضو الكونجرس الديمقراطي السابق من ولاية كونتيكت توبي بافيت.. وأوضح المنشاوي أنه خلال النصف الأول من العام الماضي حصلت "بي إل إم" علي 555 ألف دولار أمريكي من الحكومة المصرية.. ولم تغير شركات اللوبي من استراتيجياتها وإنما غيرت من أهمية نظام مبارك للمصالح الأمريكية إلي التأكيد علي التزام المجلس العسكري بالانتقال الديمقراطي. وأكدت الوثائق الأمريكية أن شركة ليفنجستون تلقت دفعتين ماليتين بتاريخ 23 فبراير و22 يونيه من العام الماضي قيمة كل منها 66 ألف دولار كما تلقت شركة بوديستا دفعتين بتاريخ 18 فبراير و16 يونيه قيمة كل منهما 93 ألف دولار.. أما شركة موفيت فلم تقدم إقراراتها المالية بعد. عز و"كورفيس" وبالتزامن مع تعاون المجلس العسكري مع شركات الضغط السياسي أكد المنشاوي أن احمد عز وقع في مارس الماضي عقدا مع شركة "كورفيس" للاتصالات إحدي شركات العلاقات العامة والحملات السياسية الأمريكية بهدف إبراز قضيته في الإعلام الأمريكي وإطلاع كبار المسئولين الأمريكيين علي تفاصيلها والتنبيه إلي سوء حال القضاء المصري الذي يحاكم أمامه أحمد عز بعد ثورة 25 يناير. ونص العقد الذي وقعه "ستانلي روه" كبير محامي أحمد عز مع الشركة علي حصولها علي 92 ألف دولار شهريا إضافة للمصروفات النثرية مقابل قيامها بستة مهام أساسية هي تأسيس علاقات مع أعضاء الكونجرس لتوضيح أن مصر تحتاج لتطوير إطار دستوري وقانوني مقبول واستخدام مسئولين سابقين من وزارة الخارجية والبيت الأبيض لإطلاع الجهتين علي تطورات الأوضاع في مصر واستخدام تكتيكات متقدمة والتأكد من أن معلوماتنا المتداولة علي الإنترنت تدعم سيادة القانون والشفافية وتكليف "سام ديلاي" مدير تحرير صحيفة واشنطن تايمز السابق، بمهام المتحدث الرسمي في هذه القضايا، والتنسيق مع الفريق القانوني الذي يعمل في مصر وبريطانيا وأخيرا تأسيس تحالفات تخدم الهدف النهائي للاتفاق. حقيقة الشركات ولكن ما حقيقة هذه الشركات وما الخدمات التي تقدمها لمصر حتي تتحصل علي هذه المبالغ؟.. للإجابة عن هذا التساؤل يجب استعراض المعلومات المتاحة عن كل شركة علي حدة للوقوف علي علامات الاستفهام التي تدور حول هذه الشركات والتي تأتي علي رأسها شركة "ليفنجستون جروب" وهي إحدي الشركات التي تعاقدت مع السفارة المصرية في واشنطن خلال السنوات الماضية في ظل نظام حسني مبارك من خلال جماعة "بي إل ام " بواشنطن وكانت تقوم بتقديم الاستشارات السياسية للسفارة للتعامل مع مراكز اتخاذ القرار إضافة إلي تقديم المشورة بشأن السياسات الأمريكية محل الاهتمام والأنشطة في الكونجرس والفرع التنفيذي وتطور مشهد السياسات الأمريكي بوجه عام.. كما تقوم بالاتصال بأعضاء الكونجرس وطواقم عملهم ومسئولي الفرع التنفيذيين والمنظمات غير الحكومية للتنسيق بينهم وبين السفارة.. وتعد "ليفيجستون" من أنشط وأهم المؤسسات التي تعمل في مجال حشد التأييد للدول في واشنطن. ويرأس الشركة "روبرت ليفيجستون" وهو عضو جمهوري سابق في مجلس الشيوخ والكونجرس الأمريكيين أي أنه يمتلك الجناح الثاني الكبير في السياسة الأمريكية وهو جناح الحزب الجمهوري وهذا ما يبرز أهميته وأهمية شركته في الإلمام بتفاصيل كثيرة تتعلق بالقضايا السياسية الدولية وبالتالي وضع التصورات المستقبلية والاستشارات اللازمة. أما شركة "بودستا جروب" ثاني شركات التحالف فمقرها في واشنطن وكانت تتعامل هي الأخري مع السفارة المصرية وهي شركة متخصصة في مجال الضغط علي دوائر صنع القرار في أمريكا من أجل اتخاذ قرارات بعينها لصالح الدول التي تتعاون معها. أما شركة "موفيت" ثالث شركات مجموعة "بي إل إم" فيرأسها "انتوني موفيت" وهو عضو ديمقراطي سابق وصف بأنه أهم عقل شهده الكونجرس عبر تاريخه نظرا لحكمته وسعة خبرته وحسن تقديره للأمور وكلها أشياء جعلته يحظي بتقدير الجانبين الديمقراطي والجمهوري.. وقد ظهرت براعته الحقيقية عندما تولي صناعة لوبي تركي في أمريكا في السنوات الأخيرة واستطاع أن يصنع صورة باهرة لديمقراطية النظام السياسي التركي علي الرغم من الأزمات التي كانت تطحنه ليلعب بذلك دورا مهما في زيادة قيمة تركيا كحليف استراتيجي واقتصادي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.. ونتيجة لأهمية هذا الرجل فقد عهدت مجموعة "بي ال إم" إليه برئاستها. وقد ارتبطت "موفيت" بعلاقات وثيقة مع نظام مبارك علي مدار السنوات الماضية قدمت خلالها عددا من الخدمات مقابل 1,1 مليون دولار كانت تتحصل عليها سنويا.. وفي هذا الإطار أشارت وزارة العدل الأمريكية في تقريرها النصف سنوي عن أنشطة اللوبي والعلاقات العامة للدول الأجنبية إلي أن سفارة مصر في واشنطن دفعت علي الأقل مبلغ 144 ألف دولار في نهاية 2008 وبداية 2009 لشركة "موفيت جروب" للمساعدة في عقد لقاءات جمال مبارك في الولاياتالمتحدة.. وأضاف التقرير أن هذا المبلغ كان نظير ما وصف بأنه "خدمات استشارية" من الشركة الأمريكية التي تمثل الحكومة المصرية في واشنطن شملت الاتصال بمسئولين في الجهات التنفيذية الأمريكية من أجل مناقشة زيارة جمال مبارك والاتصال بأعضاء من الكونجرس لترتيب لقاءات علي العشاء معه إضافة إلي توزيع بعض المعلومات بالنيابة عن الحكومة المصرية في أمريكا. شركات أخري والملاحظ أن هذه الشركات الثلاث لم تكن الوحيدة التي تعاون معها النظام السابق في تحسين صورته في الولاياتالمتحدة مقابل ملايين الدولارات كانت تتحصل عليها من قوت المصريين وإنما كانت هناك شركات أخري حصلت علي مبالغ خيالية نتيجة القيام بهذا الدور منها شركة "بانرمان" التي تعاونت مع نظام مبارك منذ عام 1989 حتي عام 2007 حيث استعانت بها الحكومات المصرية المتعاقبة خلال هذه الفترة لتسهيل عمل الجهات المصرية داخل واشنطن من خلال اتصالات وعلاقات رئيس الشركة "جرايمي برنامان" المتشعبة في العاصمة الأمريكية. و"بانرمان" هي شركة ومؤسسة استراتيجية تضم عدداً من المحللين اليهود الأمريكان.. وقد تولت الشركة صناعة اللوبي المصري في أمريكا واهتمت أيضا بملفات السلطة الفلسطينية ولعبت دورا كبيرا في تحسين صورة الرئيس الفلسطيني محمود عباس في واشنطن كما كانت تصنع لوبي لدول أخري مثل الفلبين والسلفادور.. وظلت هذه المؤسسة تتعاون مع النظام المخلوع منذ عام 1989 حتي 2007عندما أعلنت عدم استمرار التعاون بينها وبين الحكومة المصرية لتحسين صورتها أو تنشيط علاقاتها في واشنطن بدعوي عدم احترام مصر لحقوق الإنسان وقمع المعارضة. وقد استغل معارضو النظام السابق رفض مؤسسة "بانرمان" التعاون مع الحكومة المصرية في ذلك الوقت للتأكيد علي قمعيته التي وصلت إلي مراحل خطيرة من خلال الإشارة إلي أن رجال النظام المكلفين بالدفاع عنه لم يعودوا قادرين علي مواجهة تلك الانتقادات الحادة التي يوجهها العالم إليه الأمر الذي دفع نظام مبارك إلي البحث عن شركة جديدة لتجميل صورته والدفاع عن مصالحه في الولاياتالمتحدةالأمريكية. وهناك شركة أخري تعاون معها نظام مبارك هي شركة "براون لويد جيمس" المتخصصة في فهم التطورات والأساليب الرائجة وتصميم استراتيجيات اتصال مبتكرة إضافة إلي تقديم آراء مناسبة لتحقيق المصالح والأهداف.. وتضم المؤسسة شخصيات عالمية رائدة علي المستويات التجارية والسياسية والثقافية والإعلامية. وهناك أيضا شركة "شولباك وليونارد وشيتشر" والتي كانت تتعامل مع المكتب الصحفي بالسفارة المصرية في واشنطن لتقديم خدمات إعلامية.. ويتردد أنها حصلت علي 45 ألف دولار مقابل هذه الخدمات لمدة ستة أشهر انتهت في 30 أبريل عام 2009.. إضافة إلي شركة "كمجرب" التي تعاملت مع وزارة التجارة والصناعة عندما كان يتولاها رشيد محمد رشيد وكذلك جمعية الإسكندرية لمصدري القطن حيث قدمت لهما خدمات إعلامية.. بينما قدمت شركة "فليشمان هيلارد" استشارات إعلامية للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة حيث نسقت للهيئة فرصا للتواصل مع الإعلام الأمريكي المهتم بتعزيز الاستثمار الاقتصادي والتنمية في مصر. أما شركة «كورفيس»، التي تعاقد معها أحمد عز فمقرها واشنطن وتعمل لصالح شركة "بيل بوتنجر" البريطانية وتتعاون مع عدة حكومات في المنطقة العربية كما تعمل لصالح شركات كبري بهدف تنظيم حملات سياسية وعلاقات عامة بما في ذلك إصدار البيانات الصحفية وإجراء اللقاءات مع المؤثرين في صنع السياسة والقرار علي مستوي التشريع والتنفيذ وترتيب إجراء المقابلات الإعلامية في التلفزيون والصحافة والتواصل مع اللوبيات المؤثرة.. ويتردد أن نظام الرئيس علي عبدالله صالح قد تعاقد مع "كورفيس" من أجل تحسين صورته في أمريكا وأوروبا.. وأن شركة بوتنجر تستأجر نصف دور في فندق تاج سبأ وتتقاضي 2 مليون دولار شهريا من عائلة الرئيس صالح مقابل نشر مقالات في صحف عالمية وأيضا توظيف علاقاتها بأعضاء الكونجرس الأمريكي لمصلحة النظام الذي تتعاقد معه.