الضرائب: لجنة مشتركة مع المالية وتتمية المشروعات للتوصل لصيغة قانونية لتطبيق التسهيلات الضريبية    محافظ أسيوط يوجه بتشغيل مكاتب البريد عقب الانتهاء من تجهيزها في مجمع الخدمات بالقرى الأكثر احتياجا    محافظ الوادي الجديد يتفقد عددا من مدارس الخارجة للاطمئنان على سير العملية التعليمية    الصين تؤكد دعمها للبنان وإدانتها الشديدة للهجمات الإسرائيلية    وزير الخارجية: توجيهات رئاسية بتقديم كافة أشكال الدعم للأشقاء في لبنان (فيديو)    وزير الخارجية: نسعى للتوصل لحل سياسي يشمل كل أطياف الشعب السوداني    موعد مباراة مانشستر سيتي أمام واتفورد في كأس الرابطة الإنجليزية والقناة الناقلة    وكيله: الزمالك فاوض أحمد ياسر ريان في يناير.. والصفقة لم تكتمل    المشدد 5 سنوات لعاطلين في سرقة الهواتف المحمولة بمنشأة ناصر    هل ترتفع الحرارة مجددًا؟.. بشائر سارة من الأرصاد بشأن حالة الطقس    ضبط 14 طن دقيق خلال حملات أمنية ضد محاولات التلاعب في أسعار الخبز    ضبط قضايا اتجار بالعملات الأجنبية بقيمة 7 ملايين جنيه    أبرزهم الجدي.. 4 أبراج تتقبل النقد    جامعة بنها تنظم قوافل طبية وبيطرية بقريتي الرملة والحصة    المشاكل الصحية المسببة للتسوس.. تعرفي عليها    الصحة تعلن حصول 3 مستشفيات على شهادة اعتماد الجودة من GAHAR    وزير الخارجية: قضية المياه وجودية لدى مصر    أحمد فتوح يخوض تدريبات فردية فى الزمالك    حقيقة قائمة الأهلي المسربة لمباراة السوبر الأفريقي أمام الزمالك    وزير الخارجية: لا بد من وجود آليات لمعالجة أزمة المديونية للدول متوسطة الدخل    «معلومات الوزراء»: توسع صناعة التكنولوجيا المالية خلال 10 سنوات حافز قوي لنمو الاقتصاد    تداول أكثر من 2500 حاوية في ميناء الإسكندرية خلال 24 ساعة    وكيل تعليم مطروح: تفعيل استخدام المعامل وانضباط العملية التعليمية بالمدارس    محافظ أسوان يطمئن الأهالى: صرف مصنع كيما يعالج صناعيا بطرق جيدة    بالصور.. حريق هائل يلتهم ديكور فيلم إلهام شاهين بمدينة الإنتاج الإعلامي    التعليم: تشكيل لجنة لإعادة النظر في الإجازات غير الوجوبية والإعارات    الأوبرا تحتفل بذكرى بليغ حمدى الخميس المقبل    رئيس جامعة القاهرة يستقبل 3 عمداء كليات الصينية لبحث سبل التعاون    ما حكم الخطأ في قراءة القرآن أثناء الصلاة؟.. «اعرف الرأي الشرعي»    مدرجات مجهزة ولوحات إرشادية.. جامعة الإسكندرية تنهي استعداداتها لبدء الدراسة- صور    وزير العمل: الدولة تسعى لصناعة قوى عاملة مؤهلة ومدربة وعالية الإنتاجية    وزير الدفاع يشهد مشروع مراكز قيادة للقوات «الجوية» و«الدفاع الجوي»    «معلومات الوزراء»: تردد أكثر من 28 مليون مواطن على عيادات التأمين الصحي في 2023    طريقة عمل البصارة، أكلة شعبية لذيذة واقتصادية ومغذية    وزير الدفاع يشهد المرحلة الرئيسية لمشروع مراكز القيادة الاستراتيجي التعبوي    موتسيبي: التمويل سبب أزمة الكرة الإفريقية    انخفاض المؤشر الرئيسي للبورصة ببداية تعاملات اليوم الثلاثاء    «فرص لوظائف عالمية».. وزير التعليم العالي يهنئ «النيل للهندسة بالمنصورة» لاعتماده من «ABET» الأمريكية    بالفيديو.. أسامة قابيل للطلاب: العلم عبادة فاخلصوا النية فيه    أسعار اللحوم الجملي والضاني اليوم الثلاثاء 24-9-2024 في الأسواق ومحال الجزارة بقنا    بعد قليل.. الحكم على البلوجر سوزى الأردنية بتهمة سب والدها على الهواء    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 24-9-2024 في محافظة قنا    الإفتاء: الإسلام حرم نشر الشائعات وترويجها وتوعد فاعل ذلك بالعقاب الأليم    إصابة 4 أشخاص فى حادث تصادم سيارتين على الطريق الزراعى الشرقى بسوهاج    أبو الغيط يوقع مذكرة تفاهم الجامعة العربية ومنظمة التعاون الرقمى بنيويورك    نجم الأهلي السابق يكشف توقعاته لمباراة القمة في السوبر الافريقي    الخطوط القطرية تعلق رحلاتها من وإلى بيروت حتى يوم غد    أحمد سعد يتحدث عن عودته لمصممة الأزياء علياء بسيوني    وكيل ميكالي: الأرقام المنتشرة عن رواتب جهازه الفني غير صحيحة    مدين ل عمرو مصطفى: «مكالمتك ليا تثبت إنك كبير»    نجيب ساويرس: ترامب وكامالا هاريس ليسا الأفضل للمنطقة العربية    مريم الجندي: «كنت عايزة أثبت نفسي بعيدًا عن شقيقي واشتغل معاه لما تيجي فرصة»    «الباجوري» بعد تصوير «البحث عن علا 2» في فرنسا: لم أخشَ المقارنة مع «Emily in Paris»    غدا.. افتتاح معرض نقابة الصحفيين للكتاب    قنصل السعودية بالإسكندرية: تعاون وثيق مع مصر في 3 مجالات- صور    أضف إلى معلوماتك الدينية| دار الإفتاء توضح كيفية إحسان الصلاة على النبي    هل منع فتوح من السفر مع الزمالك إلى السعودية؟ (الأولمبية تجيب)    فرنسا تدعو لاجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي حول لبنان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحكام واجبة النفاذ وأخرى «مش قوى»
نشر في الجمعة يوم 03 - 07 - 2012

منذ بضعة أيام، وأثناء زيارتى لدائرتى فى أسيوط (والتى لم أعد نائبها الرسمى منذ صدور الحكم بحل مجلس الشعب) التقيت شابا من قرية مجاورة اشتكى لى من مأزق وقع فيه، فقد كان قد اقترض ألفا وخمسمائة جنيه من أحد البنوك لإقامة مشروع صغير فى منزله، وتعثر المشروع، وطالبه البنك بسداد المبلغ وفوائده (اللذين بلغا نحو ألفى جنيه). فلما عجز الشاب عن السداد، وكان قد قام بتقديم شيكات للبنك، صدر ضده حكم بالحبس ثلاثة أشهر من محكمة جنح المركز. استوقفنى الشاب لمعرفة ما الذى بيده أن يفعله لتجنب الحبس، فاضطررت لإخباره أنه لا يوجد ما يمكن عمله حيال حكم صادر من المحكمة سوى التنفيذ، وأن عليه السداد أو مواجهة الحبس. المؤسف بالفعل أن هناك ظلما وقع عليه لا جدال: فالمشروع تعثر لأسباب خارجة عن إرادته، والتعثر لا يجب أن يؤدى الى الحبس ما لم يقترن بنصب أو سرقة، ولكن توقيعه على شيكات بدون رصيد يجعل الحكم بحبسه حتميا ولو كان ظالما.
فكرت فى حالة هذا الشاب وآلاف مثله منتشرون فى طول مصر وعرضها وانا أتابع الحوار الدائر حول حكم المحكمة الدستورية العليا بحل مجلس الشعب، وما اذا كان واجب الاحترام والنفاذ أم لا. الاحتجاج ضد الحكم لا يزال مستمرا، لأن جانبا لا يستهان به من الرأى العام ومن القوى السياسية يرى أنه كان حكما معيبا من الناحية القانونية، وأنه كان مدفوعا برغبة المجلس العسكرى فى حل المجلس تحسبا لفوز مرشح الاخوان المسلمين بالرئاسة، وأن الواجب عدم تنفيذه (أو على الاقل إعادة انتخاب الثلث الفردى فقط). شخصيا كنت قد انتقدت قانون الانتخابات واعتبرته معيبا لأكثر من وجه، وبالتالى فلم يدهشنى الحكم من الناحية القانونية، وإن كنت أعتقد أن المحكمة الدستورية كان بوسعها الاكتفاء بحل ثلث المجلس فقط، كما أن توقيت صدور الحكم بهذه السرعة وقبل انتخابات الرئاسة ببضعة أيام كان توقيتا غير مريح.
ولكنه مع ذلك يظل حكما نهائيا صادرا من أعلى محكمة فى البنيان القضائى المصرى، وفى هذا وحده من وجهة نظرى ما يحتم احترامه وما يجعل تجاهل تنفيذه هدما لمصداقية المحكمة الدستورية العليا ولمبدأ سيادة القانون برمته. المحاكم تخطئ وتصيب كل يوم، ويترتب على قضائها أحكام بالحبس، وبالتعويض، وبالطلاق، وبحضانة الاطفال، وكلها أحكام تؤثر فى حياة ملايين الناس وتمنحهم فرصا جديدة او تحرمهم من حقوق ربما يستحقونها، ولكنها تظل أحكاما قضائية واجبة النفاذ ليس لأنها بالضرورة سليمة ولكن لأنها أحكام قضائية نهائية وهذا يكفى. قد يمكن الطعن على الحكم القضائى، وقد يمكن طلب وقف تنفيذه، وفى جميع الأحوال (على عكس ما يشاع) يجوز انتقاده، ولكن ما لا يجوز هو الامتناع عن تنفيذه لمجرد أن هناك اعتراضا على توقيته أو على سلامة حجته. تصوروا ماذا يحدث لو اختار كل واحد منا أن يستجيب للحكم الذى يعجبه ويمتنع عن تنفيذ الأحكام التى لا تأتى على هواه. هذا هو ما تفعله الأحزاب والقوى السياسية حينما تقبل وترحب بالأحكام التى تتفق مع مطالبها السياسية وتقيم الحرب على تلك التى تعترض طريقها الى السلطة. هذه انتقائية خطيرة، تهدد بتقويض فكرة العدالة من أساسها، وتفتح الباب لاستهتار المجتمع بدولة القانون على نحو قد يحقق مطالب جماهيرية فى الأجل القصير، ولكنه يقوض أساس الدولة الحديثة ويفتح الباب لاستبداد من نوع جديد.
أعلم أن الرد سيكون أننا نعيش فى أعقاب ثورة شعبية عليها أن تهدم أسس الفساد فى النظام القديم وأن تنشئ على أنقاضه مجتمعا جديدا، وأن الشرعية الثورية يجب أن يكون لها أولوية على الشرعية القانونية، وأن القانون الذى كان أداة للظلم لا ينبغى أن يتحول إلى عقبة أمام تحقيق الثورة لأهدافها. كل هذا كلام جميل لو كان متسقا مع نفسه، ولكن ما يقلقنى مرة أخرى هو الانتقائية فى التعامل مع القانون، فيكون معبرا عن الثورة أحيانا، ويكون خصما لها ويجب تجاهله فى أحيان أخرى، لا يفرق بينها إلا مصلحة الأحزاب والقوى السياسية فى الوصول والتمسك بالسلطة.
وأعود إلى صديقى صاحب الدين المتعثر، فلحسن الحظ ان الصعيد لا يزال فيه خير، وأن القرية جمعت له المبلغ المطلوب حتى يتجنب الحبس وما يترتب عليه من طرده من العمل وتشريد أسرته، وانتهت أزمة الرجل وأسرته الصغيرة نهاية سعيدة، لأن أبناء قريته وقفوا معه. ولكن لو لم تكن القرية قد ساندته على هذا النحو، ماذا يكون مبرر تنفيذه لحكم بالحبس بينما نواب مجلس الشعب لا يقبلون حكما صدر ضد مجلسهم؟ ولماذا نتصور أن يحترم الناس القانون وهم يرون المسئولين عن صنع القانون يرفضون تنفيذ حكم نهائى من أعلى محكمة فى البلاد؟ وكيف نعيش فى مجتمع يعتبر أن الأحكام القضائية اختيارية، ننفذ منها ما يعجبنا ويناسبنا ونتجاهل ما لا نحبه منها؟
يؤسفنى للغاية ألا أكون قادرا على تمثيل دائرتى فى مجلس الشعب بعد كل التعب وكل الجهد وكل السهر والعمل المضنى، ولكن أتصور أن التضحية بمقعد نيابى وبالنسبة لحزب الحرية والعدالة بالأغلبية البرلمانية التى استحقها نوابه بجدارة أهم بكثير فى هذه اللحظة الفارقة من التضحية بفكرة القانون وبمكانة القضاء. الانحياز لاحترام حكم المحكمة الدستورية العليا ولو كان حكما خلافيا سيعبر عن تقديم دولة القانون على الصراع على السلطة، وهذا موقف تاريخى ستتذكره الأجيال المقبلة وتفخر به، وسيقال إن مصر احترمت قضاءها وأحكامه، وحفظت للقانون مكانته فى المجتمع. أما الانتخابات، فيمكن اعادتها مرة أخرى وسيفوز بها من يستحق الفوز، ولكن لو ضربنا بالحكم الدستورى عرض الحائط فسنكون جميعا من الخاسرين.
نقلا عن الشروق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.